-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضانٌ سريع.. وأعمار أسرع!

سلطان بركاني
  • 738
  • 0
رمضانٌ سريع.. وأعمار أسرع!

لا يزال رمضان يقرع القلوب ويهزّ الأرواح بحلوله وتتابع أيامه وتعاقب لياليه.. هذا الشهر المبارك الذي يأبى إلا أن يحلّ كلّ عام حاديا وهاديا ومعلما وواعظا ومذكّرا.. مواعظه من أكثر المواعظ تأثيرا في النفوس، ودروسه من أبلغ وأنفع الدّروس.. يحلّ سريعا وتتوالى أيامه سريعا ليقرع النّفوس بأنّ الأعمار قصيرة فلا يغترنّ أحد بشباب أو صحّة أو عافية.

بينما المرء طفل يلهو ويلعب، إذ بالسّنوات تمرّ سريعا فإذا هو شابّ قد أتمّ دراسته، وبينما هو كذلك يكابد مشاقّ الحياة ويسعى لتحصيل منصب وبناء سكن وامتلاك سيارة والظفر بزوجة؛ إذ به فجأة قد دخل مرحلة الكهولة وبدأ الشيب يخطّ خطوطه البيضاء في رأسه، والأطفال من حوله ينادونه: يا عمّاه، إذ بالعلل والأمراض تعتري جسده، إذ به بعد سنوات قليلة قد أصبح شيخا يناديه شباب الحيّ: يا جدّو! إذ بخطواته تتثاقل، إذ به يلزم الفراش، إذ به ينظر إلى النّاس من حوله بطرف كسير حسير كأنّه يودّعهم، وكأنّ في حلقه كلماتٍ كثيرةً يريد قولها..

أمنيات كثيرة كان يريد تحقيقها وأعمال كثيرة كان يؤمّل إنجازها، لكنّه كان دائما يقول: لا يزال في العمر بقية، لا يزال العمر طويلا! حتّى وجد نفسه على الفراش ضعيفا عاجزا.. إذ به يصبح ميتا في صبيحة يوم ما كان يعلمه ولا ينتظره، إذ بكلّ الأسماء والألقاب تنسى ويلبس لقبا جديدا: “الجنازة”.. أدخلوا الجنازة، الصّلاة على الجنازة، احملوا الجنازة.. هذا إذا أتمّ العبد مراحل عمره كلّها، ((أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ)).. كيف لو توقّف قطار العمر فجأة في مرحلة الشّباب أو الكهولة، وقبضت الرّوح فجأة من غير ميعاد؟! وارتحل العبد من دنياه وهو لم يعدّ العدّة للرّحيل! ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ))..

يروي الإمام ابن الجوزيّ -رحمه الله- عن أحد الصّالحين أنّه دخل المقبرة يوما، فنظر إلى القبور يمنة ويسرة، ثمّ قال: “لا إله إلا الله، ما فيهم أحد إلا وله حوائج ما قضاها، يقول: سأفعل، سأفعل، ولكنّه لم يفعل!”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!