-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رمضان يعلّمنا أنّنا نستطيع

سلطان بركاني
  • 690
  • 0
رمضان يعلّمنا أنّنا نستطيع

يعود رمضان كلّ عام ليلفت انتباهنا إلى حقيقة طالما تمادت أنفسنا الأمّارة بالسّوء في الالتفاف حولها؛ حقيقة أنّ طاعة الله والاستقامة على دينه ليست مطلبا صعبا أو شاقا أو مستحيلا كما يصوّر لنا الشّيطان.. أعمال صالحة كثيرة كنّا نظنّها قبل رمضان صعبة ونرى أنّه لا يقوى عليها إلا الزهّاد العابدون والشيوخ الطّاعنون، وكنّا لا نُحدّث بها أنفسنا ولا نجعلها في حسباننا؛ جاء رمضان، فأدركنا أنّنا نستطيع القيام بها بكلّ يسر، وأنّ أنفسنا الكليلة العليلة هي من كانت تحول بيننا وبين تلك الأعمال الصّالحة.

كنّا نظنّ أنّ الصيام عمل شاقّ، وأنّ صيام الإثنين والخميس من كلّ أسبوع وثلاثة أيام من كلّ شهر عمل مرهق، لكنّ رمضان علّمنا أنّ كلّ ذلك يسير، وأنّ الخلل هو في أنفسنا الأمّارة بالسّوء التي حرمتنا بكسلها تلك الأجور العظيمة.. كنّا نظنّ أنّ المحافظة على صلاة الفجر في وقتها عمل ليس سهلا، فجاء رمضان فإذا بنا نستيقظ كلّ يوم ساعة كاملة قبل الفجر لتناول السّحور، فعرفنا أنّ أنفسنا هي من كانت تخدعنا، وأدركنا كم هي غالية تلك الخطوات التي تقودنا إلى بيوت الله في ظلمات الليالي، وذقنا حلاوة صفّ الأقدام بين يدي الله في أحبّ الأماكن إليه.. كنّا نظنّ أنّ المحافظة على قيام ولو ربع ساعة من الليل عمل لا يستطيعه إلا الصالحون والعابدون، فجاء رمضان وأمسينا نقوم بـ11 ركعة كاملة في ساعة كاملة في صلاة التراويح، واكتشفنا كم كانت أنفسنا المخلدة إلى الدنيا تخدعنا.. كانت أنفسنا تخدعنا بأنّنا لا نملك الوقت لتلاوة حزبين من كتاب الله كلّ يوم، فجاء رمضان واكتشفنا أنّنا نستطيع أن نقرأ أكثر من ذلك لو أخذنا أنفسنا بالحزم ونظّمنا أوقاتنا.

كانت المسلمة تسمع لنزغات الشّيطان الذي يقول لها إنّ ارتداء لباس واسع فضفاض لا تستطيعه إلا “الأخوات”، فجاء رمضان فوجدت نفسها ترتدي لباسا واسعا تصلي فيه التراويح في المسجد، واكتشفت أنّ نفسها كانت تخدعها وأنّ الأمر ليس بتلك الصّعوبة أبدا.. كانت المسلمة تظنّ أنّ حياتها لن تحلو من دون الاستماع إلى الأغاني ومتابعة المسلسلات، فجاء رمضان لتكتشف أنّ الحياة أحلى وأمتع وأهنأ بسماع القرآن والمواعظ.

كان الواحد منّا قبل رمضان يظنّ أنّ راتبه لا يفي بحاجيات أسرته، وأنّ الصدقة لا تتأتّى إلا لأصحاب الرواتب المجزلة والتجارات الرائجة، فجاء رمضان فإذا بأحدنا يغلب نفسه ويخرج صدقات يعين بها الأسر الفقيرة والمحتاجة، ليدرك أنّ الصّدقة لا تتعلّق بالموجود إنّما تتعلّق بالقناعة وسخاء النّفس، لذلك قال الله تعالى: ((لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ))، وقال سبحانه مادحا عباده الذين يمدّون أيديهم بالصّدقات رغم قلّة ذات اليد: ((وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)).

قبل رمضان، كان الشّيطان يسوّل لبعضنا أنّ غضّ البصر عن العورات وعمّا حرّم الله أصبح مطلبا عسيرا في هذا الزّمان، فجاء رمضان، فأدركنا أنّ غضّ البصر عمل سهل لمن استعان بالله واستشعر رقابة مولاه وخشي على دينه الفساد كما يخشى على صيامه البطلان، خاصّة بعد أن ذاق كثير منّا حلاوة غضّ البصر عمّا حرّم الله، ووجد أنّ غضّ البصر جنّة عاجلة ولذّة غامرة دائمة، ليست كلذّة إطلاق البصر بالنظر إلى المحرّمات التي تنقطع سريعا لتعقب خلفها الضيق والهمّ وسواد الوجه.

رمضان يعلّمنا أنّ الطّاعات سهلة ميسورة للأنفس اللوامة والأنفس المطمئنّة التي تبحث عن السّعادة الحقيقية ولا تغريها اللذة العاجلة الفانية، لذلك يقول سبحانه: ((وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ)).. ومن أعظم ما يعين على تيسير الطّاعات أن يتذكّر العبد الغاية ويتذكّر أنّه طالب جنّة باقية وليس طالب دنيا فانية، لذلك تفتّح أبواب الجنّة في رمضان وتهبّ نسماتها لتحدو عباد الله المؤمنين إلى غايتهم، والجنّة وإن أغلقت أبوابها بعد رمضان إلا أنّها تظلّ ماثلة بين ناظري العبد المؤمن الذي يتّخذ الشّيطان عدوا ويخالف وساوسه ونزغاته ويتفطّن لحيله ووعوده الكاذبة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!