الرأي

روسيا.. ضحية أم جلاد؟

محند أرزقي فراد
  • 2254
  • 3

من المعلوم أن الحرب تبدأ عندما تفشل الدبلوماسية في حلّ المشاكل العويصة؛ فالدبلوماسية تعبّر عن انتصار الحكمة، خلافا للحرب التي تعبّر عن تغليب الأنانية الكامنة في دواخل الإنسان، من خلال سعيه لفرض “منطق القوة” الذي يدوس على قيم الحق، المتمثلة في احترام كرامة الإنسان التي لا يختلف اثنان في كونها حجر الأساس في المنظومة الخلقية والقوانين الدولية.

ولفهم ما يجري بين روسيا وأوكرانية، لا بد من استقراء التاريخ بعجالة، فالحدود السياسية للدول خضعت في الماضي لحسابات ضيّقة تخدم أقوياء الساعة وليس مصالح الشعوب. ولا شك أن هذا المنطق الأناني هو الذي تسبّب في قيام حروب عالمية وإقليمية دمّرت البشرية في جميع القارات.

ومن الأمثلة البارزة التي لم يستخلص منها كبارُ العالم الدرسَ، إذلال ألمانيا من طرف خصومها بعد هزمها في الحرب العالمية الأولى، فلم يأخذ المنتصرون في مؤتمر فرساي 1919 كرامة وأمن ألمانيا بعين الاعتبار، عندما فرضوا عليها شروطا قاسية تمثلت في اقتطاع أجزاء من أراضيها، وفي تقزيم جيشها، وفي إلزامها بدفع غرامات وتعويضات يستفيد منها المنتصرون.

ومن رحم قرارات مؤتمر فرساي المهينة للدولة الألمانية، وُلد التطرّف السياسي النازي، الذي رفع شعار إعادة الكرامة للشعب الألماني الساكت على مضض. وكان المنتصرون في الحرب العالمية الأولى يعتقدون أن فرض شروط قاسية على ألمانية المهزومة سيضمن السلام للبشرية. لكنهم في الواقع كانوا سببا في ظهور أدولف هتلر المتطرّف وفي قيام الحرب العالمية الثانية التي أهلكت الحرث والنسل.

إن الغاية من إعادة هذا التاريخ إلى الأذهان، هي الإشارة إلى أن العالم الغربي الرأسمالي قد بالغ في إذلال روسيا، في تسعينيات القرن الماضي عقب سقوط نظام الاتحاد السوفيتي، وهذا ما يؤكد جشع الغرب الرأسمالي وأنانيته في تعامله مع الأحداث. وعليه فإن فلاديمير بوتين قد خرج من رحم هذه المعاملة القاسية لوطنه – على غرار ظهور النازية- من أجل الانتقام لكرامة الشعب الروسي.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة أيضا إلى موقف أمريكا المتشدّد إزاء تنصيب الاتحاد السوفياتي لصواريخه في دولة كوبا، في عقد ستينيات القرن الماضي. وكادت الحربُ العالمية الثالثة أن تندلع، ولم تنفرج الأزمة الخانقة إلاّ بعد سحب هذه الصواريخ، مقابل تعهُّد أمريكا باحترام استقلال كوبا.

ومن المعلوم أن روسيا تدرج أوكرانية ضمن حزامها الأمني الذي لا يقبل المساومة، ومن ثمّ فهي ترفض إقامة قواعد الحلف الأطلسي على حدودها. لكن حماقة الغرب وعدوانيته جعلا أوروبا الغربية لا تأخذ في الحسبان هذا المطلب، لذلك فهي تتحمّل وزر اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي ستنعكس تبعاتها على العالم قاطبة، بعد أن أصبح العالم قرية تربطها علاقات اقتصادية معقّدة.

والحقيقة أن الغرب لا يقيم وزنا للقانون الدولي، فهو يحسن الكيل بمكيالين، بدليل خرقه لسيادة العراق وليبيا واليمن، ولم يكتف بالسكوت أمام جرائم الصهاينة في فلسطين المحتلة، بل اعتبر المقاومة في فلسطين ولبنان مظهرا من مظاهر الإرهاب. وجاء في المثل الشعبي عندنا أن الله يرسل “لكل فرعون موسى” يردعه، وموسى فراعنة الغرب هو فلاديمير بوتين.

هذا ومن مصلحة الجزائر أن تلتزم سياسة “عدم الانحياز”، لأن لنا مصالح إستراتيجية مع روسيا، ولنا مصالح اقتصادية مع الغرب، ولسنا ملزمين بالاصطفاف وراء هذا أو ذاك، فالواقعية البراغماتية تفرض أيضا هذه السياسة.

مقالات ذات صلة