الرأي

روما وبرلين ومدريد لكبح غطرسة باريس

حبيب راشدين
  • 2022
  • 5

شيئا فشيئا يبدو أن الجزائر تنجز مراجعة سلسة لعلاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي تُخرجها من خطيئة التوقيع الخاطئ على اتفاقية الشراكة بين الطرفين كانت قد كلفت الجزائر أموالا طائلة تفوق عشرة ملايير دولار دون أن يتقدم فيها الطرفُ الأوروبي بخطوة واحدة تذكر، لا من جهة تعديل ميزان المدفوعات ولا من جهة نقل التكنولوجيا أو رفع مستوى الاستثمارات الأوروبية المباشرة في الجزائر.
وتأتي الزيارة الأخيرة للمستشارة الألمانية صاحبة أول اقتصاد أوروبي، ثم زيارة رئيس الوزراء الإيطالي، ثالث اقتصاد أوروبي، لتساعد الطرفين على إخراج العلاقات الجزائرية الأوروبية من ضيق المسطرة التي تكون فرنسا قد أملتها تحت الطاولة على شركائها الأوروبيين، إذ باتت حصة باريس تتراجع لصالح روما ومدريد وبرلين، وهي في تراجع مستمر، وليس لها أفقٌ للتطوير مع مستعمِر قديم محكوم بعقدة التعامل المكره مع جيل نوفمبر كما كشفه كتابُ السفير الفرنسي السابق باجولي.
ومن الواضح أن رغبة الجزائر في تفضيل تطوير العلاقات الثنائية بعيدا عن أسر اتفاقية الشراكة قد بدأ يجد آذانا مصغية في الضفة المقابلة، ساعدها نجاح الجزائر في الانفتاح على اقتصاديات ناشئة، مثل الصين وتركيا وكوريا، واستقرار العلاقات والمبادلات مع الولايات المتحدة، وبالأخص نجاح الجزائر في تجاوز أزمة تراجع الموارد المالية، تكون جميعُها قد شجَّعت الدول الثلاث على بحث فرص توسيع حصصها في السوق الجزائرية الواعدة.
غير أن زيارة الوزير الأول الإيطالي قد فتحت نافذة جديدة، قد تثير حفيظة فرنسا أكثر من أي صفقة اقتصادية أو تجارية، حيث كان الهدف الأول من زيارة رئيس الوزراء الإيطالي انتزاع تأييد الجزائر للمبادرة الإيطالية حول ليبيا التي تعمل على سحب الملف من التفرُّد الفرنسي، وتراهن على دور الجزائر في إنجاح المبادرة حيث فشلت المساعي الفرنسية التي اجتهدت لإقصاء الجزائر من مبادرات التسوية.
مقاربة الإيطاليين لتسوية الأزمة الليبية تشترك مع الموقف الجزائري وتتقاطع معه في ثلاثة مواطن على الأقل: تفضيل التسوية السياسية على خيارات المغالبة بالقوة وفرض الحلول بالقوة، واحترام السيادة الليبية بوضع حد لتدخل قوى أجنبية عربية أو غربية، وأخيرا واجب إشراك جميع القوى الليبية بما في ذلك بقايا النظام السابق، وربما تكون إيطاليا تعوِّل على تجربة الجزائر في بناء الوفاق الوطني، وخبرتها وشبكة صداقاتها داخل المجتمع الليبي لصياغة أرضية توافق بديلة لما طُرح في اتفاق الصخيرات الميّت سريريا، وللمبادرة الفرنسية التي تفشل للمرة الثانية في حمل الفرقاء الليبيين على الذهاب إلى انتخابات رئاسية قبل تفكيك الألغام التي زرعها عدوان حلف النيتو، وفاقمها التدخلُ المصري الإماراتي والقطري المموِّل الرئيس للميليشيات، المانعُ لقيام أي حل سياسي بالتوافق.
من مصلحة الجزائر وإيطاليا العمل معا على إنجاح المبادرة الإيطالية التي قد تفتح آفاق شراكة سياسية بديلة بين دول الضفة الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبي تقوم على الندِّية واحترام السيادة الوطنية، ليس فقط في معالجة أزمة ليبيا التي تتحمَّل فيها أوروبا وحلف النيتو كامل المسؤولية، ولكن في ملفات أخرى مثل ملف الهجرة ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظَّمة وتأمين حوض البحر الأبيض المتوسط ببناء سياسة حُسن الجوار بين الضفتين تحميه من التقلبات الجيوسترتيجية القادمة شريطة كبح غطرسة باريس وتقويضها.

مقالات ذات صلة