الرأي

زمن الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف 

حبيب راشدين
  • 1896
  • 5
ح.م

سوف يتذكر المليار ونصف المليار مسلم رمضان 1441 كأول رمضان يبدأ بيوم جمعة لا تقام فيه صلاة الجمعة، ولا صلاة الجماعة، ولا صلاة التراويح، وقد نجا المسلمون من فتوى كانت ستُلزمهم بأكل رمضان، لولا خوف الحكام المسلمين من عصيان جماعي كان سيُفسد عليهم ما حققه لهم فيروس كوفيد 19  حتى الآن من حسن الطاعة وجميل الاتِباع.

غير أن تهديد العصيان الشعبي قادمٌ لا محالة، إن لم يكن قد بدأ في كثير من الدول، مع تواصل فرض حالة الحجر والتباعد الاجتماعي الذي بدأت كثيرٌ من الشعوب ترى فيه استفزازا لا تبرره إحصائياتٌ مضطربة، تحوم حولها كثيرٌ من الشكوك وتُتَّهم بالخداع والتضليل، حتى مع وجود أسماء علمية لامعة في اللجان العلمية التي استعانت بها الحكومات.

لقد بدأت كثيرٌ من هذه اللجان تعترف ـ ولو على استحياءـ بالمغالطات الإحصائية، مثل تلك التي سبق للمستشار العلمي للحكومة الإيطالية أن نبَّه إليها، فثبت أن أغلب الدول باتت تدرج في قائمة ضحايا كورونا جميع من يتوفى داخل الفضاء الاستشفائي، ومع ذلك فإنّ بعضهم قد قارن بين ضحايا الأنفلونزا الموسمية وضحايا كوفيد 19 خلال نفس الفترة  من بداية يناير حتى نهاية أفريل، فجاءت النتائج متقاربة، وكأنَّ فيروس كوفيد لم يأت بجديد سوى ما يشاع حوله من سرعة الانتشار والتحوُّل.

هذه الأطراف المشككة، ومنها شخصياتٌ اعتبارية مرموقة، بدأت تلفت انتباه الحكومات إلى ما سيترتب من أخطار وتهديدات عن هذا الإغلاق الاقتصادي تفوق بكثير ما هو معلن من ضحايا كوفيد 19 بل وتفوق أكثر التوقعات المتشائمة، ليس فقط من جهة ما هو معلن منذ الآن بشأن إحالة الملايين من الناس على البطالة، ولا ما يُعلن من حالات إفلاس لعشرات الألوف من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بل بما هو متوقعٌ في أجل قريب من انقطاع خطوط الإمداد، وتعرُّض كثير من الدول لأزماتٍ تموينية خطيرة في المواد الغذائية الأساسية.

وليس من الصعب منذ الآن استشرافُ سلوك الدول حين تكون مضطرَّة لتوفير الغذاء لشعوبها، وقد رأيناها تمارس القرصنة الصريحة على بضعة آلاف من الكمامات الطبية ووسائل التطهير، فلا يُستبعد أن تلجأ في الغد القريب إلى القوة، لتحويل وقرصنة البواخر المحمَّلة بالمواد الغذائية، خاصة أن العولمة قد حرمت أغلب الدول من تحقيق الاكتفاء الغذائي.

وفي نفس الوقت، يسهل استشراف سلوك الشعوب حيال حالات انقطاع الإمداد الغذائي، إذا كانت حوادث سابقة تشهد باستحالة التحكُّم في البطون الجائعة كيفما كانت وسائلُ القمع المجنَّدة لردعها، وأن تقديرات الأمم المتحدة قد أحالت أكثر من 192 مليون فقير إضافي لمن يُحسبون تحت سقف الفقر، كنتيجة حتمية لهذه الأسابيع القليلة من الإغلاق التام، وقطع مصدر الرزق للملايين من الناس في قطاعات لم تشملها المساعداتُ المالية التي اعتمِدت في كثير من الدول.

أكثر التقديرات تفاؤلا تستشرف توقيت رفع حالة الإغلاق في أوروبا والولايات المتحدة مع نهاية شهر ماي القادم، وأكثرها تشاؤما تعِدنا بعودة سريعة إلى حالة الإغلاق مع بداية الخريف القادم، بما يعني أنه ليس من المتوقع التعويل على عودة سريعة ومنتظمة للنشاط الاقتصادي والتجاري العالمي قبل بداية السنة القادمة، شريطة ألا تقامر النخبة الحاكمة المهيمنة في الشرق والغرب بتصنيع مصدر جديد للترويع يُنسينا كوفيد 19، بما في ذلك تفجير حرب كونية تُتخذ كوسيلة للمغالبة لأجل فرض نظام عالمي جديد، كما فُرض سلفه بعد الحرب العالمية الثانية.

وكما سبق لـ”عصبة الأمم” أن هُمِّشت وانهارت قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، فإن منظمة الأمم المتحدة اليوم قد وُضعت على الهامش، ولم يحرِّك مجلس الأمن ساكنا في اتجاه بناء توافق دولي حول كيفية مواجهة الوباء وتداعياته بأقل كلفة على البشرية، وفشلت مؤسساتُ الاتحاد الأوروبي في بعث تضامن وتكافل بين دوله، ورأينا الرئيس الأمريكي يحرِّض المواطنين على تحرير ولاياتهم من الحكام الرافضين لرفع الحجر، وجميعها أجواء تذكِّرنا بأجواء مماثلة سبقت اندلاع الحربين العالميتين.

مقالات ذات صلة