-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سؤال المنهج في تأسيس وتسمية العلوم (علم الوقت والزمن) أنموذجا

سؤال المنهج في تأسيس وتسمية العلوم (علم الوقت والزمن) أنموذجا

دُعيتُ مرارا من قبل إخواني القائمين على إدارة معهد المناهج الخاصّ للبحوث والدراسات الجامعية بالجزائر العاصمة إلى حضور فعالياتهم العلمية والفكرية والدعوية والمنهجية والمعرفية.. كما دُعيت إلى الكتابة معهم في كتاب جماعي حول الوسائل الإعلامية والوسائط الإلكترونية فاعتذرت لعدّة أسباب، ومنها اعتراضي على بعض الشخصيات المدعوّة ممن لا يملكون رصيدا علميا في عالم الإنتاج المعرفي.. ومع كل هذا التحفظ فهم والله مشكورون مأجورون مكرمون في قلبي ومُحَياي على احترامهم وتقديرهم لتجربتي وشخصيتي العلمية المتواضعة، وهذه خلّة قلبية كبيرة وخصلة سلوكية عظيمة نادرة الكينونة لدى الجامعيين الذين عملتُ معهم طيلة ثلاثين سنة 1993-2022م، ووالله لن أنساها لهم ما حييت.

وقد كانت آخر دعوة كريمة تلقيتها من طاقمهم العلمي المتألق منذ شهر لحضور فعاليات احتفالية يوم تأسيس وتسمية ما يُسمى في أدبياتهم البحثية والمنهجية  بـ(علم الوقت والزمن) الواقع يوم السبت في 27/شوال/1443هـ 28/05/2022م، كسبق حضاري لم يتسنّ لأي جامعة جزائرية –في حدود معرفتي وإحاطتي وعلمي المتواضع في العلوم الإنسانية والاجتماعية والإسلامية- أن تتجرّأ وترفع رأسها وصوتها، وتتجرد من عُقد الدونية والتبعية للآخر المتغطرس منذ سقوط غرناطة سنة 1492م 897هـ أي منذ خمسة قرون همجية وتخريب وغزو وتدمير خلت.. لترفع رأسها عاليا ولتقول بأعلى صوتها: ها أنا ذا حية وقائمة ومنتِجة للمعارف والعلوم.. وها أنا قد قعَّدتُ وأسَّست لعلم جديد في تاريخ العلوم، وهذا ما يُحمد عليه طاقم هذا المعهد المبارك الشاب المفعم بالحيوية، الذي بُني على أسس معهد الحياة العريق بالقرارة الإسلامية الجزائرية الجميلة، ومعهد عبد الحميد بن باديس الآفل بيد القمع الاستعمارية ويد التبعية الغادرة (1947-1956م)، وعلى محاسن المدرسة الإباضية العريقة والجزائرية المتميزة.

هذا المعهد ومثقفوه الذي يمثل خلاصة أفكار ونظريات المدرسة الإباضية والباديسية والإخوانية والنورسية والخدمية والبنّابية والبوسنية والمهاتيرية الناجحة.. وودت لو كنت من الحاضرين والمشاركين في هذه الاحتفالية الفريدة من نوعها، بيد أني لن أُعدم فضل المشاركة للإدلاء برأيي المتواضع في سؤال المنهج الواجب طرحه عند تأليف كتاب في علم سبق تأسيسُه وتداوله بين أهل الاختصاص. بل هو الأوجب طرحه عند التأسيس من غيره، ومفاده: ماذا يجب أن يتوفر في هذا الكتاب الذي ألفته أو سأؤلفه؟ وماذا يجب أن يتوفر في هذا العلم الذي سنؤسسه؟

والحقيقة أن أمرين اثنين شجَّعاني على الإجابة على هذا السؤال، الأول: أن الذين اعتذروا عن عدم الحضور اكتفوا بإرسال رسائل اعتذار مملوءة بالشكر والمديح كي يردّوا بعض الجمائل للمعهد وطاقمه عليهم، وآخرون آذوني من خلال تدني مستواهم العلمي والبحثي الخالي من خلاصات وفهومات مدرسة مناهج وتاريخ العلوم، فراحوا كعادتهم في التقعُّر البرقي الذي لا يتعدى تدبيج التهاريج الخطية في مواقع التواصل الاجتماعية ثناءً ومدحاً، وإن كان الموضع والموضوع ليس موضوع الثناء والشكر، كونه يؤسس لخطوة جريئة في تاريخ العلوم، وعليها أشياء وملاحظات يجب أن نقولها بصراحة ومحبة وإنصاف في موضوع التأسيس للعلوم.

والثاني: افتقار الكُرّاسة المرسَلة إليَّ من قبلهم عبر بريدي الإلكتروني –بالرغم من اكتمالها وعمقها ورزانة طرحها- إلى العناصر الأساسية الواجب توفرها أثناء إعداد كتاب علمي أكاديمي سبق تأسيسه وإرساء قواعده وأسسه ومصطلحاته ومناهجه منذ أكثر من ألف سنة، فضلا عن تأسيس علم جديد يُضاف إلى حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية وربما بشكل أدق وأوضح وأوسع في حقل العلوم الدقيقة.

والحقيقة التي يجب أن يعرفها أي باحث علمي أكاديمي متمرس في عوالم القراءة والكتابة والبحث العلمي، وبالطبع يجب أن تكون من بين يقينيات مسلّماته المعرفية وبديهياته البحثية، وهي أن: التأسيس والترسيم والتقعيد للعلم لا يعني أن حقائق ووجود ومكونات وأسس وممارسات هذا العلم غير موجودة في الحياة الواقعية، لا بل هي موجودة منذ الأزل ولكن الجديد فيها وعليها هو قدرة الإنسان على اكتشاف نظامها المحكَم ومحاولة تقييده وضبطه بقوانين فقط؛ فعلوم الإعلام والاتصال علومٌ حديثة النشأة كعلم منضبط بحقائق وقوانين ومصطلحات ومناهج بحثية.. تعود إلى مطالع القرن العشرين، ولكن آلية ومهارة وخاصية الإعلام والاتصال قديمة قدم الوجود الإنساني. وهذا الذي يجب أن يعلمه إخوانُنا في معهد المناهج من أن علم الزمن والوقت قديمٌ قِدم الإنسان والكون والمخلوقات والوعي.. وأن خطوتهم الجريئة تكمن في اتخاذهم قرار التدشين البحثي وإعلان انطلاقة شرارة التأصيل والتجميع والتأريخ والتنظير في عالم المكتبات والتأليف والبحث العلمي للزمن والوقت تحت مسمى (مساق- مقياس) (علم الوقت والزمن)، وهذه مَحمدة كبيرة في زمن الجامعة الجزائرية الرديئة بحثيا وعلميا وأخلاقيا.

وقد ترددتُ مطولا للكتابة إليهم في هذا الشأن العلمي والمنهجي البحثي، على اعتبار أنني لم أحضر الاحتفالية المباركة، فلِمَ أُحمّل عيني ولساني ويدي وعقلي وفؤادي مسؤولية ما لم أشهده؟ غير أنهم عاجلوني بإرسال كتابهم المعنون بـ(علم الزمن والوقت) بقلم الدكتور محمد بابا عمي وفريق إنتاج المعرفة العلمية بالمعهد، وبعد اطّلاعي على مكوِّناته الأساسية، تبين لي أنه انطلق من موقع دفاعي بحت، ليس لديه من شغل سوى البحث عن مبررات لوضع أقدامه في بيئة بحثية جامعية موبوءة تعاني منها الجزائر عموما والجامعة الجزائرية على وجه الخصوص بسبب موقف السلطة من هذه المؤسسة المقدسة وتولية الضعاف والهشين على أغلبها، وهذا أمرٌ نقرّ ونعترف به دونما حاجة لتقديم قرابين اعتذار لتلك البيئة وحاضنتها العليلة التي لم ولن تقدم للمعرفة العلمية والمنهجية الإسلامية وغيرها شيئا يذكر لغرقها التام في أسَن بحار الاستتباع والتبعية للغرب المريض والواهن باختلالات وتسارع عرض طروحاته النظرية الفاشلة. وقد استطاع كاتبو المشروع أن يخطوا خطوات في سبيل شرعنة مشروعهم في تأسيس وتسمية مادة علمية صارت تُعرف على أقل تقدير في منظومتهم البحثية باسم (علم الوقت والزمن)، وسيصير حسبهم مقياس (مساق) علمي قابل للتدريس في المعهد وربما يطمحون إلى توسيع نطاق تدريسه في بعض الأقسام والكليات المرحِّبة بهذا النوع من الإضافة العلمية والمنهجية.

استطاع كاتبو المشروع أن يخطوا خطوات في سبيل شرعنة مشروعهم في تأسيس وتسمية مادة علمية صارت تُعرف على أقل تقدير في منظومتهم البحثية باسم (علم الوقت والزمن)، وسيصير حسبهم مقياس (مساق) علمي قابل للتدريس في المعهد وربما يطمحون إلى توسيع نطاق تدريسه في بعض الأقسام والكليات المرحِّبة بهذا النوع من الإضافة العلمية والمنهجية.

غير أني أحب أن أتقدم إليهم بهديّة من خلاصة تجربتي العلمية المتواضعة بما لم أجده في كرّاستهم على شاكلة قولة الصحابي الجليل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: (رحم الله أمرَأً أهدى إليّ عيوبي) راجيا تقبّلها بصدر رحب، وربما ينطلقوا ويوسعوا فيها البحث لتتراصف اللبنات تلو بعضها ويصير البناء العلمي والمنهجي والمصطلحي لمساق (علم الوقت والزمن) مكتملا بعد عقد أو عقدين شريطة الانتباه لمعوقات تعثر البناء المعرفي للمساق في مراحله الابتدائية الأولى.

وفي عرفنا العلمي أن أي بحث أو علم أو كتاب نود التأسيس له معرفيا يجب أن يتضمن الأركان الأساسية الكبرى الآتية:

1 – أصول وأسس ومكونات هذا العلم.

2 – مناهج كتابة ومعالجة وتناول هذا العلم.

3 – مصطلحات هذا العلم العلمية والبحثية والمنهجية الخاصة به.

واعتقادي أنني لو أردتُ تأليف كتاب في الفقه وأصوله، أو أصول الدين والعقائد، أو في السيرة ونحوها.. أحتاج في أي علم أؤلف فيه أن يتضمن المعارف الأساسية لهذا العلم، والتي يجب أن تكون حاضرة بقوة في صفحات ومقدِّمات وخواتيم هذا العلم، والتي يُعدُّ غيابُها أو فقدُها أو نسيانها قادحا في مصداقية وموثوقية هذا الكتاب، بل يطعن في مدى صحة انتسابه لهذا الحقل العلمي؛ فإن ألفت كتابا في الفقه وجب أن تكون المعارف الفقهية حاضرة فيه بقوة وبوضوح، بدءًا من: المقدمات حول أهمية وقيمة ومكانة علم الفقه ودرجات الفقهاء ونحوها، ثم افتتاحه بباب النية فالمياه وأنواعها فالصلاة فالصيام فالاعتكاف فالحج فالعمرة فالصيد والذكاة واستعمال الكلاب، ثم يجيء باب الأسرة وباب البيوع وباب القضاء والجهاد وباب النوازل والمستحدثات..وهكذا. في سائر العلوم.

كما يجب أن يتضمن تأليف الكتاب مناهج البحث في هذا العلم، إذْ لكل علم مناهج تأسيسه ورسمه ووضعه وتقعيده، ومناهج تدريسه وتلقينه، ومناهج التعامل معه، وفق الكيفيات المنهجية المتعارف عليها بين أهل الاختصاص، فمنهجية كتابة علم الفقه تختلف عن بقية العلوم الشرعية الأخرى..

كما أن لكل علم مصطلحاته الخاصة به؛ فمصطلحات علم الفقه تختلف عن غيرها، وهكذا يكون التأسيس للعلوم بالحفاظ على الأسس المذكورة آنفا، وعليه سيروا وانهجوا في تقعيد علم الزمن والوقت، والله يجعل لكم فضل التأسيس والنفير للتنبيه إلى قيمة هذا العلم، ولن يتركم. وختاما فإن الذين جاملوكم بعبارات المدح والثناء فقد ذبحوكم وما نصحوكم لأنه كما جاء في الأثر (المدح هو الذبح)، وكما جاء في الأثر أيضا (الدين النصيحة).. فاللهم اشهد أني نصحت وبلّغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!