-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

سابقة .. السودان

محمد عباس
  • 2812
  • 1
سابقة .. السودان

أهم درس يمكن استخلاصه من انفصال جنوب السّودان – في حالة إقراره بنتائج استفتاء الأسبوع الماضي – هو أن الوحدة الوطنية والإقليمية باتت امتيازا وحكرا للدول القوية دون سواها.

  • مثلا هناك حركات انفصالية بأوربا منذ عشرات السّنين، لكن لم تستطع تحقيق الأهداف التي تصبو  إليها،  بسبب قوة  الدول  المركزية  المعنية  أساسا :
    – في  بريطانيا  حركة  انفصالية  كاثوليكية  تنشط  منذ  عقود  لتوحيد  إيرلندا،  بإعادة  الشمال  البريطاني إلى  الجزيرة  الأم .
    – وفي  فرنسا  حركات  انفصالية  كذلك،  أهمها  حركة  إقليم  ” بروطانيا ” وجزيرة  كورسيكا .
    – وفي  إسبانيا  نجد  حركة  إقليم  ” الباسك ” التي  لم  تتحرّج  من  اللجوء  إلى  الكفاح  المسلح  بواسطة حركة  ” إيتا ” الشهيرة ..
    لكن بفضل قوة الدول الثلاث ظلت الحركات الانفصالية في أقطارها تراوح مكانها، دون كبير أمل في تحقيق ما تتطلع إليه.. وأساس القوة طبعا يكمن في القدرات الأمنية لمثل هذه الدول.. لكن هناك إلى جانب هذه القدرات عوامل أخرى لا تقل أهمية منها:
    – الاقتصاد  المنتج  الذي  يضمن  الحد  الأدنى  من  الكرامة  لعامة  أفراد  الشعب ..
    – الحفاظ على مستوى معيّن من التعاطي السياسي، يضمن استمرار اعتبار الشأن السياسي خدمة عمومية، وسياسة الناس كنوع من “التصالح على المصالح”. ما يطرح مشكلة مراعاة مصالح مختلف فئات المجتمع، بواسطة الحرص الدائم على توزيع الثروات المنتجة توزيعا عادلا.
    ومن نافلة القول، التذكير بأن التعاطي السياسي السليم يعتبر من أهم شروط التماسك الاجتماعي، وسلامة الجبهة الداخلية التي تشكل رادعا قويا لأعداء الوحدة الوطنية والترابية والمتربّصين بها من داخل البلاد وخارجها.
    ويمكن أن نستنتج، بناء على هذه الحيثيات، أن الحركة الانفصالية جنوب السودان تمكنت من تحقيق أهدافها، لأن الدولة السودانية فشلت ـ على مدى 55 سنة من الاستقلال ـ في تحقيق عوامل القوة آنفة الذكر، بما يضمن لها القدرة الكافية للحفاظ على وحدتها الوطنية والإقليمية.
    ويعتبر  ما  يجري  على  الساحة  السودانية  سابقة  خطيرة  على  الصعيدين  الإفريقي  والعربي،  لأن  نفس الأسباب  قد  تؤدي  إلى  النتائج  ذاتها .
    – افريقيا، يعتبر انفصال جنوب السودان ضربا لأحد مبادئ الاتحاد الافريقي: احترام الحدود الموروثة عند الاستقلال. ومعنى ذلك احتمال فتح مجال خرق هذا المبدأ على مصراعيه.. وفي ذلك تهديد محتمل واضح لوحدة العديد من الدول، بدءاً طبعا بالدول ذات المساحة الشاسعة، والتي أصبحت  ـ  بما  فيها  من  فساد  وسوء  تدبير  ـ  في  منظور  الدول  القوية  ” عاجزة  عن  التحكم  في أوطانها “..!
    فدول مثل الزايير والجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا وليبيا وأنغولا.. لا يمكن أن تظل ـ حسب أوضاعها الراهنة ـ بمنأى عمّا أصاب السودان، ومن ثمة عليها أن تسارع بمعالجة أوضاعها ومراجعة نفسها مراجعة جدية عميقة، إذا كانت تريد فعلا تجنّب نفس المصير.
    – عربيا،  يقدم  انفصال  السودان  دليلا  قويا  على  انهيار  التضامن  العربي،  باعتباره  قوة  معنوية  ومادية، تتضمن  قدرا  كبيرا  من  إمكانيات  ردع  التحرّشات  الدائمة  لأعداء  الوطن  العربي ..
    والحديث عن القدرات الحقيقية للتضامن العربي ليس من باب العاطفة، بل اعتمادا على تجارب التاريخ المعاصر.. مثل دور هذا التضامن في نصرة ثورة الشعب الجزائري، وكذلك دوره في استعادة التحكم في النفط العربي وتثمينه، بفضل جرأة قادة بارزين أمثال هواري بومدين والملك فيصل.. وفي تقديرنا أن الأنظمة العربية لو استطاعت الحفاظ على مستوى معيّن من التضامن العربي، لما ابتُليت شعوبنا في العراق وفلسطين والسودان بما تبتلي به اليوم، أمام مرأى ومسمع شعوب تتألم مكتوفة الأيدي لما تعانيه هذه الشعوب الشقيقة، وتتألم أكثر لعجز حكامها على مد يد المساعدة لها في محنتها القاسية. والأخطر من كل ذلك، أن تداعيات انهيار التضامن العربي يمكن أن تيسّر تآمر الكيان الصهيوني وحلفائه الأقوياء، على تماسك ووحدة كل شعب على حدة.. كما نلاحظ ذلك من خلال محاولة:
    – إحياء  النعرات  الدينية  بين  أبناء  الوطن  الواحد،  رغم  أنهم  برهنوا  على  وحدتهم  وتعايشهم  قرونا  من الزمن .
    – افتعال  صراعات  عرقية  استنادا  إلى  أباطيل  وأكاذيب  تاريخية،  في  مستوى  أباطيل  الكيان الصهيوني  في  فلسطين  المحتلة !
    أمام هذه المخاطر المحتملة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تعميم محنة الشعب السوداني على شعوب إفريقية وعربية أخرى، من الضرورة ـ الحيوية ـ أن تفكر الأنظمة القائمة ـ قبل فوات الأوان ـ في بناء استقلالها وقوتها على ركائز مادية ومعنوية سليمة، بما يضمن لها الحفاظ على وحدة  شعوبها وأوطانها .
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • أبو آدم بن أحمد

    إضافة إلى الأمثلة التي أتيت بها، أريد أن أذكرك يا سيد محمد عباس أن هناك في المنطقة العربية دولة نجحت (إلى حد اليوم على الأقل) في الحفاظ على وحدتها، على الرغم من وجود حركة انفصالية قوية ومسلحة يدعمها النظام الذي يحكم في بلدك... وهذه الدولة هي طبعا المملكة المغربية... هذا للتذكير؛ لأن "الذكرى تنفع المؤمنين" خاصة في زمن مخططات التقسيم التي أضحت - كما كتبت - تهدد كبريات الدول الإفريقية والعربية!