سعدي .. أنت متسلّل!
أحد أوجه الأزمة العميقة التي نعيشها أنّ الجميع يتكلم في كلّ شيء، فتجد الطبيب يتكلّم في التاريخ والميكانيكي يتكلم في علم الفلك، وبائع الخضار يحلل الوضع السياسي العام في البلاد، والحلاقة تشرّع القوانين، والواعظ يتحول إلى طبيب مختص، وغيرها من حالات الشذوذ التي نعيشها يوميا.
بعبارة واحدة أصبح أبو الحركة الوطنية الجزائرية مصالي الحاج خائنا، وأول رئيس لجزائر الاستقلال عميلا للمصريين، وخامس رئيس للجزائر عنصريا ضد منطقة القبائل… فبأي حق بصدر سعيد سعدي هذه الأحكام الكبرى في حق ثلاث قامات في تاريخ الجزائر المعاصر دون أدنى احترام للشعب الجزائري الذي فوض هؤلاء الرموز للحديث باسمه خلال فترات تاريخية فاصلة؟
نعم.. مصالي الحاج قاد الشعب الجزائر لعقود قبل اندلاع الثّورة، وكون جيلا من الوطنيين فجّروا الثّورة فيما بعد، وانتزعوا الاستقلال، ولا يحق لأحد مهما كان أن يستغل الخلاف والاقتتال الذي وقع بين جبهة التحرير الوطنية وميليشيات الحركة الوطنية الجزائرية MNA خلال الثورة، ليلغي تاريخ الزعيم مصالي الحاج، الذي يبقى رمزا وطنيا ولو أبى سعيد سعدي وأمثاله الذين لم يقدموا للجزائر غير التقسيم والفتنة..
أما أحمد بن بلة فإنّ النّيل منه هو بمثابة النّيل من الشّعب الجزائري كله، أما ما يتعلق بعلاقته بالمصريين فإنّه من الجحود معاداتهم بعد كل ما قدّموه خلال الثورة، وهذا لا يعني أنّ العلاقة مع مصر كانت سليمة وبعيدة عن الاستغلال، والكلام في ذلك متروك للمؤرخين لا لأمثال سعيد سعدي، وكما قال القائد الوطني عمار بن عودة “إنْ كان بنْ بلة عميلا للمصريين فإنّ سعيد سعدي عميلا للفرنسيين“.
أمّا الرّئيس الأسْبق علي كافي فبطولاته ترويها صحيفة المجاهد لسان حال جبهة التحرير الوطني أثناء الثّورة، ولا يحق لسعيد سعيد أن يتكلم عنه بسوء، كما لا يحق لنا جميعا أن نتموقع من جديد في الخلافات التي كانت تحدث بين قادة الثورة، ونعطيها بعدا عنصريا جهويا، نقسّم من خلالها الشعب الجزائري الذي يؤمن بكل قادة الثورة ولم يكن يسمع الكثير عن خلافاتهم.
وعموما.. أنت متسلل يا سعيد سعدي ولا يحق لك أن تطعن في رموزنا التاريخيين، لأنك لا تملك الصفة لذلك، فالمؤرخون هم الذين يحق لهم تقديم تقييم شامل لهؤلاء، والحديث عن أخطائهم وعثراتهم، أما الحكم عليهم بالخيانة والعمالة بعد أن قدموا ما قدموا ومضوا إلى ربهم هو نوع من الصّفاقة وسوء الأدب..