-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سقوط المخزن في حفرة القمة العربية

سقوط المخزن في حفرة القمة العربية

بعد أشهر من الحفر الدبلوماسي والتآمر الخفي والعلني من أجهزة المخزن وحلفائها ضمن محور التطبيع، لإجهاض القمة العربية في الجزائر، خابت المساعي المفضوحة لابتزازها ومساومتها على مواقفها القومية والسياديّة.

وطيلة الأسابيع الماضية اشتغلت الدعاية المخزنيّة على كافة الجبهات لإرباك الموعد العربي المرتقب، بوضع العصا في العجلة الدبلوماسية للجزائر، والتي سعت بشكل صريح إلى لمّ الشمل العربي، حيث اتخذت منه عنوانًا رئيسًا لقمّتها النوفمبريّة من دون مواربة ولا دوران.

لقد كانت الجزائر منسجمة مع نفسها، حين سعت عبر كل القنوات للقبول بعودة سوريا إلى موقعها كعضو تاريخي في البيت العربي الرسمي، لأنها ومنذ بداية المؤامرة الكونية التي دخلت على خط الانتفاضة الشعبية، دافعت بقوة على حماية كيان الدولة السوريّة، مثلما كانت وراء إعادة إدماج القاهرة في الاتحاد الإفريقي عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، رحمه الله، إذ تعاملت مع الموقف من زاوية مصالح دولة شقيقة، بعيدا عن التدخل في الشأن السياسي الداخلي.

وحين تتأجل عودة دمشق إلى الحضن العربي، فإنّ ذلك سيبقى وصمة عار في جبين الآخرين، وليس فشلا للجزائر، لأنها اشترطت من البداية أن تكون كل القرارات والمخرجات بالتوافق، كما أن سوريا نفسها أعلنت طواعية إرجاء استئنافها لمقعدها الشاغر.

طبعا لم تكن قضية سوريا القنبلة الوحيدة التي زرعها المخزن وشركائه في طريق قمّة الجزائر، لإدراكهم أنها أذكى من الوقوع في شراك الخلاف الجزئي، فانخرطوا في حملة مسعورة للضخ الإعلامي والدعاية الكاذبة لفكرة تأجيل القمة العربية.

ولتجسيد مخطط التشويش صعّدت أبواق المخزن من حملات الاستعداء ضد الجزائر، وليس مستبعدا أبدا أن تكون التصريحات الرعناء لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين “المعزول” تحت قناع الاستقالة جزءا من ذلك.

وراحت مخابر التوتير تثير “مزاعم تعاون مقلق بين الجزائر وإيران على حساب الاستقرار الأمني والمذهبي لدول الخليج العربي ومنطقة الصحراء والساحل”، بل ذهبت إلى فبركة فرية كبرى بالحديث عن تحركات الجزائر بشكل مستفز لجمهورية مصر من خلال التنسيق مع إثيوبيا، وكل ذلك من أجل استدراج هؤلاء إلى صفّها، لأن قصرها أوهن من أن يواجه الجزائر بمكائده منفردا.

اليوم سقطت مناورات المخزن الدسيسة وثبت أن القمة العربية ستنعقد في موعدها المحدد، بل إنّ وزير الخارجية رمطان لعمامرة، كشف عن “ارتياح كبير لمستوى التجاوب وتطلع لمشاركة متميزة في إنجاح هذا الاستحقاق العربي الحاسم صوب مزيد من التضامن والتكامل”.

ومع ذلك لم يتوقف المخزن عن إثارة الأسباب الواهية للتشويش على الحدث بعد ما دخلت الجزائر مرحلة التنفيذ بتوجيه الدعوات رسميا إلى الرؤساء والأمراء والملوك، فراحت أبواقه تسأل عن النبأ العظيم: كيف ستسلّم الجزائر دعوتها إلى محمد السادس؟ كأن هذه المسألة المعقدة ستلغي القمة أو تعطلها، مع أنها مجرد قضية شكلية بروتوكولية ستتعامل معها الجزائر وفق الأعراف المعمول بها.

ثم احتاروا كيف سيتوجه الوفد المغربي إلى الجزائر في ظل غلق المجال الجوي، وطرحوا فرضيات التنقل عبر الخطوط الجوية التونسية أو الفرنسية أو انتظار رفع الدولة الجزائرية منع التحليق في أجوائها أمام الطيران المغربي لمدة 48 ساعة إلى غاية صدور البيان الختامي للقمة!

وحين تأكدوا من بلاهة الذرائع جنّ جنونهم، فراحوا يتباكون على ضمان سلامة الوفد المغربي الذي سيشارك بقمة الجزائر من أيّ خطر، وأي سذاجة أن تدير دولة أزمتها مع الجيران بهذا المستوى من الانحطاط؟

بالنسبة إلى الجزائريين، الأمور واضحة جدا، وهي أن كل المناورات المكشوفة من المملكة العدائية ومحورها التطبيعي تهدف إلى مساومة الجزائر على مواقفها الوطنية السيادية، وعلى رأسها التحيز الكامل للقضية الفلسطينية وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

المغرب يعلم يقينًا أن موقف الجزائر القوي هو العائق أمام تنزيل مقترحه للحكم الذاتي عوض منح الحرية للصحراويين بكل سيادة، لذلك يرفع الشعار المكذوب بضرورة “التزام الدولتين باحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، فقط من أجل إبعاد الجزائر عن دعم قضايا التحرر، بينما الذي انتهك سيادة الجزائر تاريخيا منذ 1963 ولا يزال يراوده الحلم الوهمي في إعادة الكرّة، مستعينا بالكيان الصهيوني هذه المرة، ليس سوى المخزن المترهّل.

يريد المغرب وحلفاءه في السرّ، بعد فشل مسعى إلغاء القمة، فرْض مخرجات مسبقة لها تصدر من الجزائر وبتزكية منها، ولكن هيهات أن يحدث ذلك، إلا في إطار سياستها الخارجية المبدئية والتاريخية التي لا تحيد عنها في كل الظروف.

لقد كانت رسالة السفير عمار بلاني واضحة ومباشرة إلى المعنيين، بتأكيده “رفض الجزائر لاستغلال جامعة الدول العربية كأداة، من قبل مجموعة صغيرة في خدمة مصالح ضيقة، في سياق تلاعبات عقيمة، تنأى بالجامعة عن رسالتها الأساسية، وتحد من مساهماتها في تعزيز القضية المشروعة للشعب الفلسطيني (..) ولهذا فمسار الإنقاذ أصبح ضروريا، سواء في الجزائر العاصمة أو في أي مكان آخر”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!