-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سماحةُ الإسلام في قطة الإمام!

سماحةُ الإسلام في قطة الإمام!

صحيحٌ أنّ لقطة الهرّة التي اعتلت كتف الإمام وليد مهساس في برج بوعريريج عفوية ولا علاقة لها بالخوارق والمعجزات، لكن محاولات إلغاء رمزيتها من الملاحدة وغلاة العلمانية عبثٌ وحقد مكشوف على الإسلام، لأنّ الصورة نفسها لو صدرت من الضفة الأخرى، على يد مغنّ أو لاعب كرة أو ممثل لتلقّفوها بالإشادة والتباهي.

مؤسفٌ أننا في كل موقف جميل لا نحسن تسويق الرمزية الإيجابية عن ديننا السمح، ونغرق في اللغو الفارغ، بين تأويل خرافي لا منطق له سوى العواطف العمياء، وفكرٍ مستلبٍ حضاريّا ومعتلّ بعداوة الذات الثقافية، لا يرى فيها إلا سلبيات التراث والمنظومة الاجتماعية.

كان يسعنا الوقوف عند خُلق المسلم الحاني على الحيوان حتّى وهو خاشع في محراب التبتل، تاليًا لكتاب ربه، لنُبرز للآخر حلاوة القرآن وقيمة الصلاة وأخلاق المسلمين الأصيلة، وهو ما انتبه إليه جمهورٌ واسع في بلاد العجم والغرب، بينما أنكره مرضى نفوس يعيشون بين أمة الإسلام.

هل نسي هؤلاء، كيف حشد الغرب قبل سنوات مؤسسات إعلامية وصحفيين ليقفوا على غرق بطة في لجّة بترول علت سطح المحيط، ويرفعوا شكوى الطائر إلى العالم، بينما كان هو يقتل الإنسان بدم بارد في كل مكان؟

يزعم الغرب أنه المؤسس لحقوق الإنسان والحيوان والنبات وكل عناصر الحياة، حتى أنّ جمعيات فرنسية سعت إلى منع المسلمين من شعيرة الأضحية بداعي “الرفق بالحيوان”، لكن التاريخ لا يقرّ لهم بذلك، بل يعطي الأسبقية للمسلمين.

وفي تراث الإسلام وتاريخه الحضاري الناصع صورٌ رائعة تجسِّد الحماية القضائية لحقوق الحيوان، بل إدانة الآدمي في حال الاعتداء عليه، عكس التشريعات اليهودية التي أوجبت رجم الثور وتحريم لحمه لو نطح رجلا أو امرأة فقتلهما.

أما اليونان، وهم روّاد الفلسفة والحريات كما يسوّق الغرب، فقد نصبوا المحاكم للحيوانات المتسببة في هلاك الإنسان، بشهادة أفلاطون نفسه، وهو منْ أقرّ لعائلة الضحية رفع دعوى قضائية لطلب القصاص من الحيوان ورمي جثته خارج البلاد!

وفي بلاد الفرس، كانت تُقطع أذنَا الكلب ورجلاه وحتى ذنبه، إذا عض خروفا أو إنسانا فقتله.

وإلى وقت قريب، كانت الأمم الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا وإيطاليا والسويد وسردينيا، تعتبر الحيوان مسؤولا عن أفعاله، وتعاقبه، على غرار الإنسان المكلف عقلا وشرعا وعرفا، بل ظل معمولا به حتّى القرن 19، ولعلّ المحاكمة الشهيرة للفئران في “أوتون” الفرنسية خير دليل على ذلك.

أكثر من ذلك، فإنّ منظمة اليونسكو لم تثبت حقوق الحيوان إلا في 15 أكتوبر1978، دون إضافة أي جديد عن الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية للإسلام المقررة منذ 14 قرنا.

مقابل تلك الانحرافات، يتجلّى تاريخ الإسلام بقيمه الأخلاقية السامية في التعامل المختلف مع مخلوقات الله، وإذا كان المقام لا يسع للوقوف عند تشديده في الحفاظ على النوع الحيواني ولا قيود الانتفاع به، فإننا سنكتفي بنماذج رائعة عن أحكام معاملة الحيوان من منظور الفقه الإسلامي.

لقد حرَّم الإسلام تعذيب الحيوان وجعل حياته من الحقوق المقررة، وفي الأثر النبوي الصحيح أن امرأة دخلت النار في هرّة ربطتها ومنعتها الطعام والأكل من خشاش الأرض حتى ماتت.

ونهى معلم الإنسانية الأول المصطفى عليه الصلاة والسلام أتباعه عن ضرب الحيوان أو وسمه (الكيّ) في الوجه، بل إنه لعن فاعله، فأيّ رقي أخلاقي بعد هذا التوجيه النبوي؟

وحرّم علماؤنا الثقات، بناء على مرويات نبوية، نتْف ريش الطائر والتمثيل بالحيوان، أي قطع أطرافه على قيد الحياة، معتبرين إلحاق الأذى النفسي به ضمن حكم التعذيب.

وحتى استعمال الحيوان للترفيه واللعب قيّده الشرع بضوابط تمنع إلحاق الضرر به، بينما لا يزال الإسبان يهيّجون الثيران في يومهم السنوي، ومثلهم للأسف مسلمون آثمون يحرّشون بين الكباش.

بل إن الإسلام ارتقى إلى درجة عالية من التعامل مع الحيوان إلى حدّ النهي عن لعن الدواب، وفي قصة اللاعن لبعيره، في حضرة خير الأنام، عبرة بالغة لأولي الألباب، حتى أنّ علماء ردّوا شهادته قضائيا إذا كانت تلك هي عادته.

هذا هو الأصل في عناية الإسلام بالحيوان، أما ما تعلق بالتخلص منه فهو استثناء مقيَّد بأحكام مضبوطة، فكيف يكون موقفه يا ترى من حقوق الإنسان المكرَّم؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!