-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سيدي آيت علجت.. “مستراح منه”!!

سيدي آيت علجت.. “مستراح منه”!!

لطالما حذر العقلاء من خطر النبتة المدخليّة المخابراتية الخبيثة على الأمن الفكري والثقافي والديني للجزائريين، ناهيك عن تهديدها المباشر لانسجام المجتمع وتماسكه، بمنهجها التكفيري الإقصائي المتدثر بالسنة النبوية المبرّأة من غلو الجهل وأحقاد المرضى.

ينبغي التوضيح والتفريق بداية أن القصد هنا لا ينسحب على مسمّى “المذهب السلفي” بمفهومه الواسع والتقليدي، فهو ضمن مكونات التيار الفقهي والدعوي والإصلاحي عبر جغرافيا الأمة الإسلامية وتاريخها، بل إنه يكاد يشمل كل الأفكار النهضوية التي تنطلق من مبدأ العودة إلى الأصول الإسلامية الأولى التي تأسس في ضوئها المجتمع المسلم. وبهذه الصيغة، فهو تيار فكري مجتمعي بغض النظر عن مرجعيته الدينيّة، إذ لا ضرار في التنوع بين الجماعات والتيارات الاجتماعية، طالما التزمت حدود الاختلاف ولم تنحرف في ممارساتها تجاه الآخرين، وعلى هؤلاء أيضا احترامها والاعتراف بحقها في الوجود والعمل لفكرتها، لأنّ البقاء سيكون في النهاية للأصلح وفق خيارات المجتمعات الواعية.

إنما الخطر الحقيقي ضد الإسلام نفسه وتلاحم المجتمع يصدر من فريق يدّعي الحقيقة المطلقة وتمثيل السلطة الالهية فوق الأرض، معتقدا عن قناعة واهية أو جهل مطبق أنه وحده على اليقين والآخرين في ضلال مبين، ولا ندري على أي أساس يمنحون لأنفسهم صفة المتحدث الحصري باسم الدين الإسلامي وحق إصدار أحكامه تجاه المخالفين.

هذا الواقع المنذر بكل المساوئ الوخيمة ينطبق بحذافيره على فرقة شاذّة الفكر وعليلة المنهج وسيئة الأخلاق مع المسلمين، علمائهم وعامتهم على السواء، فلا قيمة لأحد عندها إلا إذا كان على مذهبها الفاسد، والويل له إن مرق عنه لاحقا لأيّ سبب، والدليل هو تلك السجالات العنيفة بين أطرافها المتطاحنة على تمثيل المذهب، وآخر فصولها، في الجزائر مثلا، حادثة حرق كتب أحد مشايخهم البارزين.

هذه الفرقة المغالية في التعامل الظاهري مع النصوص الشرعية والفاجرة عند أبسط الخلافات الفقهية الجزئية الموروثة منذ 14 قرنا، اشتهرت مؤخرا برمي المسلمين، وبالجملة، بالضلالة والبدعة والفسوق والكفر الفعلي أو الحُكمي، بعنوان الخروج عن أهل السنة والجماعة، بل صارت في بلادنا تجاهر بتمردها الفقهي على المرجعية الرسميّة، في مخالفة صارخة لفكرها التأسيسي القائم على طاعة الحكام، حتى ضجت الكثير من المساجد بالمعارك مع الأئمة.

وقد سمعنا جميعنا وقرأنا فتاوى رؤوس الفتنة في الداخل والخارج التي تتهم الجزائريين في عقيدتهم، بحجة الأشعريّة والماتريدية والصوفية والإخوان وغيرها، وكلما سقطت عروة من عرى الإسلام بوفاة عالم جليل من أعلام الأمة إلا وانبرى سفلة الرويبضة لتحديد موضعه في الدار الآخرة، حتّى شاع عنهم لفظ “مُستراح منه” في حق فضلاء الإسلام.

وإذا كان الطعن في علمائنا مرفوض وجارح لمشاعرنا مهما تعددت جنسياتهم، فقد آلمنا أكثر أن تقع ألسنة السوء لأولئك اللئام على عرض العالم المجاهد الرباني الصالح، سيدي الطاهر آيت علجت، تغمده الله بشآبيب الرحمة والرضوان، وقد كتبوا في حقه على صفحات التواصل الاجتماعي ما يتوجع له القلب ويطيش منه العقل، فاللهم لا تؤاخذنا بظلم هؤلاء الخبثاء السفهاء، فربما تكون شيبة بيضاء في جسده الطاهر أثقل عند الله من أعمالهم الباطلة.

إنّ ما بلغه هؤلاء السفلة من التطاول القبيح على الجزائريين والازدراء بالعلماء والتساهل في توزيع صكوك الغفران وتقسيم المسلمين، وفق مذهبهم المعياري، بين الإسلام والكفر والبدعة والسنة وسواها من التصنيفات، لا يمكن القبول بها كأمر واقع ولا السكوت على مآلاتها الخطيرة، بل وجب على السلطة العامة التدخل بكل حزم وصرامة.

 صحيح أنّ الأفكار تواجه بنظائرها وأضدادها والحجة يقابلها البرهان والحوار الثقافي والعقلي والعلمي وحده الفيصل في الفرز بينها، كما أن الناس أحرار في معتقداتهم ومذاهبهم وقناعاتهم، أمّا التصرفات الفعلية والقوليّة داخل الفضاء العام ونحو الأفراد فإنها أعمال يسري عليها القانون، خاصة إذا تعلقت بالشتم والقذف وتجريح الرموز والحطّ من قيمتهم.

لذلك وجب من الآن فصاعدا، وبلا تساهل، ملاحقة المجرمين المتسترين خلف الصفحات الوهمية على الفيس بوك، من المسيئين لعلماء الوطن والقادحين في سيرتهم، وعلى النيابة العامة والأجهزة الأمنية المختصة التحرّك السريع في مثل هذه المواقف، للكشف عن هؤلاء الوضعاء لتقديمهم للعدالة، حتى ينالوا جزاءهم العادل، كما يقع على عاتق الحقوقيين الشرفاء رفع الدعاوى أمام القضاء ضد أصحاب تلك الصفحات المروّجة لخطابات الكراهية والتفرقة والمزدرية بأعلامنا الأماجد، حيث لا تمييز بين رئيس جمهورية وقائد جيش ومجاهد وشهيد وعالم دين، عندما يتعلق الأمر بحماية الرموز الوطنية، سواء كانت مؤسساتية أو فرديّة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!