الرأي

سيرة‭ ‬المصطفى‭ … ‬ثِيگـْـلِي‭ ‬أنْ‭ ‬وُشْبيحْ‭‬

محند أرزقي فراد
  • 3298
  • 5

ثِيگـْـلِي أنْ وُشْبيحْ (الجوهرة في سيرة المصطفى) هو سفر جديد ازدانت به المكتبة الأمازيغية، من تأليف الأستاذ الباحث بوعلام جوهري. والكتاب عبارة عن ألفية شعرية باللسان الأمازيغي، حول سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم). نشرته دار الخلدونية بمدينة الجزائر، في‭ ‬مطلع‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬‮(‬2012‮)‬‭. ‬

 

 

       صحيح أن المؤلف لم ينطلق من الفراغ، إذ هناك العديد من القصائد الأمازيغية التي تناولت موضوع سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبل اليوم، لكن ميزته أنه جمع بين الموهبة الشعرية، والتحصيل العلمي، فهو حائز على الماجستير في الدعوة وأصول الدين، من جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، ويشتغل أستاذا بجامعة بجاية. لذا فمن الطبيعي أن ينجح المؤلف في الإلمام بالخطوط العريضة لحياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأن يتجاوز إشكالية الكتابة، حين دوّن هذه الألفية بالحرفين؛ العربي، واللاتيني، مانحا بذلك الفرصة للجميع للاستفادة‭ ‬منها‭. ‬

 

 

أهداف‭ ‬الكتاب‭ ‬الثقافية

‭  ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬كفاءة‭ ‬الكاتب،‭ ‬قد‭ ‬أضفت‭ ‬صبغة‭ ‬تربوية‭ ‬على‭ ‬كتابه،‭ ‬جعلته‭ ‬جديرا‭ ‬بالتدريس‭ ‬في‭ ‬أقسام‭ ‬اللغة‭ ‬الأمازيغية،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬حقق‭ ‬هدفين‭ ‬أساسيين‭ ‬هما‭: ‬

أ- ترقية اللغة الأمازيغية، بإخراجها من الشفوية، إلى حقل الإبداع الثقافي المدوّن. علما أن الأمازيغ قد أنتجوا في الماضي البعيد، رصيدا ثقافيا هائلا، لكنه ضاع بسبب طابعه الشفوي، مثلما ذكر العلامة ابن خلدون: “لو انصرفت إليه عناية الناقلين لملأت الدواوين.”(1) . وأكد ذلك الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، بقوله: “وقد كان للغة البربرية شعر لم يصلنا منه شيء لعدم التدوين.”(2) وأشير أيضا إلى أن الموروث الأمازيغي أمانة في أعناق الأجيال، ليس فقط لدلالته الثقافية، بل لكونه -قبل كل شيء- مكوّنا أساسيا لهويتنا الجزائرية، أسوة بالمكوّنين الآخرين (الإسلام والعربية). ولعله من نافلة القول التذكير بأن مكونات الهوية، لا ترتبط أهميتها بمدى ما تملكه من تكنولوجيا وعلوم عصرية، وإن كان ذلك لا يتناقض معها. وعلى أي حال، فاللغة بأهلها، تشبّ بشبابهم، وتهرَم بهرمهم، على حد قول الأديب إبراهيم اليازجي‭.    ‬

 ب-  أما الهدف الثاني، فهو يتمثل في تمتين اللحمة بين الأمازيغية وبين الثقافة الإسلامية، التي تعد  بمثابة وعاء طبيعي لها، بحكم المثاقفة والمقابسة بينهما لقرون عديدة. والجدير بالذكر أن العلاقة بينهما قد أصابها فتور وضمور، بفعل أعمال المدرسة الكولونيالية، التي بذلت جهودا كبيرة لتغريب الأمازيغية شكلا ومضمونا. وما زالت تداعيات تلك السياسة تلقي بظلالها على حراك طيف سياسي معيّن، معروف بمساعيه الرامية إلى تجريد الأمازيغية من بعدها الروحي الإسلامي، لتحقيق ذات الهدف، ولحصرها في نطاق المنظور التغريبي.

   هذا وفي الحقيقة، فإن فوائد الكتاب أكبر من أن تحصر في هذين المجالين فقط، فمادته المعرفية تعد بمثابة منهل، قادر على إعطاء دفع قوي للإبداع الأمازيغي في مجالات الفنون المتنوعة، كالمدائح الدينية، والمسرح، والمجموعات الصوتية، وحلقات الذكر، التي تعاني من ندرة الكتابة‭ ‬الجادة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬الإبداع‭ ‬بدونها‭. ‬

 

محاور‭ ‬الألفية‭ ‬

‭  ‬قسم‭ ‬بوعلام‭ ‬جوهري‭ ‬ألفيته‭ ‬إلى‭ ‬سبعة‭ ‬محاور،‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

– المحور الأول: خص به حياة الرسول، من المولد إلى البعثة، ذاكرا عام الفيل، وحياة اليتم، فكفالة الجد والعم ،  ثم رحلته إلى  الشام، وزواجه بالسيدة خديجة، وتعبده في غار حراء، فنزول الوحي والبعثة. وهذا مقطع من هذا المحور:

إلـُولْ‭  ‬وُشْبـــيحْ‭ ‬نَ‭ ‬الصِـفـَا‭         ‬ذڤوسَانْ‭ ‬إمَنـْزَا‭ ‬نْ‭ ‬تـَفـْسَوْثْ

يُـــــــورَا‭ ‬أكـَا‭ ‬إدْيُــــــــوسَا‭         ‬لـفجَـرْ‭ ‬اُوقـْبَـلْ‭ ‬نْ‭ ‬تـَافوكـْثْ

إوَاكـَـنْ‭ ‬ثـافـاثـِــــيسْ‭ ‬مَــرّا‭         ‬أتـَضْوي‭ ‬ذي‭ ‬يَالْ‭ ‬ثـامُورْثْ

   وخصص الكاتب المحور الثاني، للبعثة بشقيها السرية والجهرية، وللمجموعة الأولى من المؤمنين والمؤمنات الذين آمنوا بالرسالة المحمدية، ذاكرا معاناتهم مع كفار قريش، كما أشار إلى موت السيدة خديجة وعمه أبي طالب، الداعمين له في دعوته. كما أشار إلى القيم الإنسانية السامية‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬الإسلام،‭ ‬كتكريم‭ ‬الإنسان،‭ ‬وإعلاء‭ ‬شأنه‭ ‬بقيم‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬الخلق،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬اللون‭ ‬والجنس‭ ‬والعرق‭:‬

اُولاشْ‭ ‬الفِراقْ‭ ‬ڤارْ‭ ‬مَـدّنْ‭             ‬أرْڤـازْ‭ ‬ثامَطـُوثْ‭ ‬ذامْذانْ

إمْذانـَـــنْ‭ ‬يَــاكْ‭ ‬عَـذلـَـــنْ‭             ‬إحُوريَنْ‭ ‬آكْ‭  ‬ذ‭ ‬ْ‭ ‬وَاكـْلانْ

إزَاوَالِيـيَنْ‭  ‬ذِيمَرْكانـْتِييَنْ‭            ‬غـُورْ‭ ‬ربّي‭ ‬يَـاكْ‭ ‬مْسَـاوَانْ

   وأدرج الأستاذ بوعلام جوهري في المحور الثالث، عدة محطات في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كالإسراء والمعراج، البيعة الأولى، والثانية، والهجرة إلى مدينة يثرب. وهذه عيّنة مما جاء في سياق الإسراء والمعراج:

يْـسُوكِـيـثْ‭ ‬ذڤِـيـط‭ ‬ْ‭ ‬جَـبـْريــلْ‭              ‬يَـوّيــــدْ‭  ‬ِيـيـذ‭ ‬َسْ‭ ‬الـبُــــرَاقْ

غَرْ‭ ‬الشْبيهَا‭ ‬نُوسَرْذونْ‭ ‬يَتـْمِيلْ‭              ‬مَا‭ ‬أتِـيكـْـلِي‭ ‬نـَسْ‭ ‬أمْ‭ ‬لـبْــرَاقْ

ذاوَعْــــرَانْ‭ ‬مَاشِي‭ ‬ذوسْهــيلْ‭              ‬سْ‭ ‬ثمْـلـلْ‭ ‬أمْزُونْ‭ ‬ذا‭ ‬رَقرَاقْ

   أما المحور الرابع، فقد خصصه المبدع لحياة المسلمين في المدينة، كبناء المسجد ، وسياسة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وعقد التحالف مع يهود المدينة، والشروع في  قتال الكفار، وعقد صلح الحديبية، وعودة مهاجري الحبشة، وغيرها من الأحداث التاريخية الهامة. ورسم ‭ ‬صورة‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

يَـزّلْ‭ ‬أفـُوسِــيسْ‭ ‬سُــــوذايَـــنْ‭             ‬يُـورَا‭ ‬يَـسْـبَـدْ‭ ‬يذسَنْ‭ ‬العَاهَـدْ

الوَاحِي‭ ‬أذ‭ ‬ْينْسَلمَنْ‭ ‬أذ‭ ‬ْ‭ ‬أتعِيشَنْ‭             ‬إشَرْكِيثنْ‭ ‬يـوَنْ‭ ‬نْ‭ ‬اُوغـَالاذ‭ ‬ْ

غـَفْ‭ ‬المَدِينه‭ ‬مَـرّ‭ ‬أذ‭ ‬ْ‭ ‬حُــودَنْ‭             ‬مَـا‭ ‬يَـلا‭ ‬أعْـذاوْ‭ ‬أيْـزَضْـمَــدْ‭ ‬

‭    ‬وأشار‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬المحور‭ ‬الخامس،‭ ‬إلى‭ ‬اهتمام‭ ‬الرسول‮ (‬صلى‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮)‬‭ ‬بالعالم‭ ‬الخارجي،‭ ‬حين‭ ‬راسل‭ ‬ملوك‭ ‬الأمم‭ ‬،‭ ‬داعيا‭ ‬إياهم‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭:‬

يـُــــــــورَا‭ ‬إهِـرَاقــلْ‭ ‬أرُومِــي‭                 ‬ذو‭ ‬مُقرانْ‭ ‬نْ‭ ‬الفـُرْسْ‭ ‬كِـسْرى

غرْ‭ ‬المُقوْقسْ‭ ‬أنْ‭ ‬مَصَرْ‭ ‬ثِيكلِي‭                ‬أنسِي‭ ‬إسْدْ‭ ‬أهْذانْ‭ ‬يَمّاثنغْ‭ ‬مَاريَّه‭ ‬

دِمَشقْ‭ ‬عُـمانْ‭ ‬ذالـيَمَـنْ‭ ‬أتـّرْنِي‭                ‬غـَـرْ‭ ‬البَحْـرَيـْنْ‭ ‬آكْ‭ ‬ذ‭ ‬َالحَـبَـشه

‭    ‬وذكر‭ ‬أيضا‭ ‬نقض‭ ‬قريش‭ ‬لصلح‭ ‬الحديبية،‭ ‬وفتح‭ ‬مكة،‭ ‬وعفو‭ ‬الرسول‭ ‬عن‭ ‬أهل‭ ‬قريش،‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬من‮ ‬دخول‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬دين‭ ‬الله‭ ‬افواجا‭:‬

إنِـيـثـَـدْ‭  ‬يُــوسَـــــادْ‭ ‬الحَـــــقْ‭                 ‬الباطـلْ‭ ‬يَرْكـَسْ‭ ‬يـيسْـمِــيسْ

غـفْ‭ ‬لصْنامْ‭ ‬يََغـلِي‭ ‬سْ‭ ‬الـدَّقْ‭                 ‬يْسَغـْلاييثـَنْ‭ ‬سْ‭ ‬أثـْعَكازْثِيسْ

ذ‭ ‬َالـلاتَ‭ ‬ذالعُـزى‭ ‬إڤْ‭ ‬فـلــّقْ‭                 ‬ربـّي‭ ‬يُـوزْذاڤْ‭ ‬وَخـّامِـــيسْ

‭    ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬الأخبار‭ ‬التاريخية‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬المحور‭ ‬السادس،‭ ‬غزوة‭ ‬حنين،‭ ‬وميلاد‭ ‬ابنه‭ ‬إبراهيم‭ ‬ووفاته،‭ ‬وغزوة‭ ‬تبوك،‭ ‬وحج‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬بالمؤمنين،‭ ‬ثم‭ ‬جحة‭ ‬الوداع‭. ‬وهذا‭ ‬مقطع‭ ‬من‭ ‬خطبة‭ ‬الوداع‭:‬

آ‭ ‬المُومْنينْ‭ ‬أجيغـْدْ‭ ‬ڤارَاوَنْ‭                     ‬آيَـنْ‭ ‬سِي‭ ‬ذالمُوحَالْ‭ ‬أتغـْلِيمْ

مَا‭ ‬يَـــــلا‭ ‬ثـَطـْفـَمْ‭ ‬ذڤـْسَــنْ‭                      ‬لـقـْرَانْ‭ ‬ذ‭ ‬َالسُنة‭ ‬ذِيي‭ ‬سِيـنْ

اُورْ‭ ‬كُونْ‭ ‬أتـّاجّانْ‭ ‬أترَاعَمْ‭                      ‬إيفنْ‭ ‬يَالْ‭ ‬أڤرُوجْ‭ ‬أذ‭ ‬ْوَذريمْ

‭  ‬أما‭ ‬المحور‭ ‬السابع‭ ‬فقد‭ ‬خصصه‭ ‬لوفاة‭ ‬الرسول‮ (‬صلى‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮)‬،‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬منبر‭ ‬المسجد‭ ‬بقوله‭: ‬

ويـنْ‭ ‬يـَلانْ‭ ‬أيْعَـبّـذ‭ ‬ْمُحـمّـدْ‭               ‬مُحمّـدْ‭ ‬إفـُورَقْ‭ ‬لـحْـــــيَاثْ

مَا‭ ‬وينْ‭ ‬يَـلانْ‭ ‬ربّي‭ ‬إعَـبّـذ‭ ‬ْ‭               ‬ربّي‭ ‬ذامُودّيرْ‭ ‬اُورْ‭ ‬يَتمَتاثْ

غـَرْ‭ ‬لعْـقولْ‭ ‬أنـْسَنْ‭ ‬أقـْلـنـْدْ‭                ‬أنّانْْ‭ ‬ذايَنْ‭ ‬يَمّوثْ‭ ‬نحْصَاثْ

    هذه  مجرد عيّنة عما ورد في هذا الكتاب الجدير بالقراءة. ولا شك أن المؤلف يستحق الشكر، والتكريم، مكافأة له على هذا العمل الثقافي الكبير، الذي يعد لبنة هامة في بناء صرح الثقافة الأمازيغية بطريقة معرفية صائبة، وبمنظور تكاملي مع وعاء الحضارة الإسلامية. ومن الإنصاف‭ ‬أن‭ ‬يُنزل‭ ‬ذوو‭ ‬القربى‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم،‭ ‬هذا‭ ‬المجهود‭ ‬الثقافي‭ ‬مقامه‭ ‬المحمود‭.   ‬

‭  ‬

الهوامش

1‭- ‬محمد‭ ‬شفيق،‭ ‬اللغة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬بنيتها‭ ‬اللسانية،‭ ‬نشر‭ ‬الفنك،‭ ‬1999،‭ ‬مطبعة‭ ‬النجاح‭ ‬الجديدة‭ ‬،‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية،‭ ‬ص‭ ‬9‮.‬

2‭- ‬محمد‭ ‬البشير‭ ‬الإبراهيمي،‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬والشعر‭ ‬الملحون‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬تحقيق‭ ‬عثمان‭ ‬سعدي،‭ ‬دار‭ ‬الأمة،‮ ‬الجزائر،‮ ‬الطبعة‭ ‬الأولى،‭ ‬2010،‭ ‬ص‭ ‬25‮.‬‭ ‬

 

مقالات ذات صلة