-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سيكولوجيا مقاربات التدريس (1)

خير الدين هني
  • 3039
  • 0
سيكولوجيا مقاربات التدريس (1)

حينما نريد أن نقوّم أي إصلاح تربوي، يتعين علينا أن نكون مطلعين –بقدر كاف- على سيكولوجيا المقاربات التعليمية، كيما نقف على أشهر مدارسها ومؤسسيها، والسيكو بيداغوجيا التي بُنيت عليها كل مقاربة، وبذلك يمكن أن تجتمع لدينا المعطيات العلمية والتربوية والنفسية والتقنية، التي تقوم عليها فلسفاتهم المختلفة، فإذا اجتمع لدينا ذلك ننظر في التطور التاريخي لهذه المقاربات، وهل تمثل اللاحقة منها قطيعة جذرية مع التي سبقتها، أم إنها امتدادٌ لها وتطوّر لتقنياتها؟

لا يمكن اعتبار التجربة والممارسة الطويلتين كافيتين وحدهما من دون خبرة عميقة، إذ إن الخبرة تختلف عن التجربة في كون التجربة مجرد أداء روتيني، من غير علم بفلسفة وأصول ما يمارسه الفرد، وقد تمزج التجربة مع بعض المعارف العامة التي لا تحكمها القواعد العلمية والمنهجية، يستمدّها الفردُ من ذاتيته وهي الذاتية التي لا تقيّدها المعايير، أما الخبرة فهي التجربة الممزوجة بالعلم والدراية والتثقيف الخاص بفلسفة الوظيفة أو الحرفة أو المهنة التي تمارس، وعلى هذه القاعدة نبني بحثنا.

1.المقاربة بالمضامين: 

مرت بمرحلتين: الأولى: قبل تأسيس علم النفس التجريبي، إذ كان التعليم يقوم على تصورات تخمينية، يقيّمون بها شخصية المتعلم وقدراتِه واتجاهاتِه وميولَه ورغباتِه ودوافعَه، لذلك أبعد من دائرة الاهتمام في أي وظيفة تعليمية أو نشاط أو حركة، أو استقلالية في الر أي والتفكير، وتركز الاهتمام بدلا منه على المدرس، فجعلوه قطب الرحى في إدارة العملية التعليمية، فهو –وحده- من يقرر المادة  الدراسية، والآمر الناهي  فيسأل ويجيب، ولا يسمح بالاستقلالية في طرح السؤال أو النقاش في أي مسألة تُعرض عليه، وكان التلاميذ والطلبة لهم وظيفة واحدة، وهي السمع وحفظ المتون والحواشي والتعليقات والمنظومات النحوية والصرفية والبلاغية… فالشيخ وحده من يقدّر عمل التلميذ ويقدّر درجة تفوّقه، فإذا رضي عن أحد الطلبة أجازه، وربما أجاز الطالبُ نفسَه إذا أحسّ في نفسه القدرة والتفوق، والإحاطة بالعلم الذي طلبه، على نحو ما فعله واصل بن عطاء، حينما انتحى إلى عمود من أعمدة المسجد بالبصرة، وعقد لنفسه حلقة علمية مع من كان على رأيه من المعجبين وطالبي العلم.

وفي العصور المتأخرة وإلى وقت قريب، كان يشرف على ذلك لجنة من المشايخ، تجيز المتخرّجين من طريق التقويم الشفوي، والمحظوظ من الطلبة هو الذي تسعفه ذاكرته في ذلك اليوم، وكان له لسان لَذوق يتملق به مجلس المشيخة، فهو من ينال درجة التقدير والإجازة.

وكان العلماء قبل تأسيس مدارس علم النفس الحديثة، (1895- 1912)، يقصرون بحوثهم على طبيعة الذكاء والعمليات العقلية، كالملكات والتذكر والتخيّل والتصوّر والانتباه والإدراك، أما بعد أن أصبح علم النفس علما تجريبيا فأخذوا يبحثون في عوامل التعلّم وطرائقه، واستعدادات الأطفال ورغباتهم وميولهم ودوافعهم، فأصبحت هذه المرحلة تعدّ البدايات الأولى، لإعلان أفكار ثورية غيّرت مجرى التاريخ النفسي والتربوي، وقلّبت الأفكار التربوية السائدة رأسا على عقب، فبرزت أفكارٌ ثورية غيّرت فلسفات التربية وبناء المناهج وطرائق التدريس والتقويم، وأصبح العلماء أكثر تخصصا في ميادين بحوثهم، بعدما كانوا علماء وفلاسفة وأطباء وبيولوجيين، ومن هنا أصبح لعلوم التربية والنفس مجالاتٌ مخصوصة بهما في استقلالية تامة، وقد توسعت فيهما البحوث وتعمقت الدراسات بالتجارب والمقارنات والموازنات… وكان التعليم في هذه المرحلة يتم في الكتاتيب والزوايا والمساجد.

2.المقاربة بالمضامين بعد التأسيس:

في هذه المرحلة أخذ علماء النفس يركزون جهودهم على سيكولوجية التعلّم لدى الأطفال، (الحالة النفسية)، وعلى الوظائف الفسيولوجية والبيولوجية وتأثيرهما على النشاط العقلي، وتوصّلوا من خلال التجارب على الإنسان والحيوان إلى اكتشاف طرائق التعلّم والحوافز التي تحرُّك دوافعه، فلما تحقَّقوا من نتائج التجارب وضعوا أسُسا جديدة (مبادئ)، اعتمدت في بناء المناهج والطّرائق ونظم التقويم ومعايير القياس، وأصبح التعليم يشكّل منظومة متكاملة من المكونات الأساسية، (ثمان مكونات حسب تصنيف ريش تريش)، فانتقل محور الاهتمام إلى التلاميذ إذ يقوم عليهم مدار الأنشطة التعليمية التعلّمية. وتحوّل مجال الدراسات النفسية، من علم النفس النظري إلى علم النفس التجريبي. وقسّموا علم النفس إلى فرعين: علم نفس التربوي وعلم نفس الطفل، كل منهما له اختصاص.

وبعد أن أصبح المتعلّم هو مركز العملية التعليمية، وضع هيربرت الألماني طريقته الشهيرة، التي جعلها في أربع مراحل: 1. التمهيد 2. العرض3. التعميم والمقارنة 4. الخلاصة، ثم أضاف إليها تلاميذه المرحلة الخامسة، وهي: التطبيق. ومن مساوئ هذه الطريقة، إنها تهتم بتنظيم المادة الدراسية فحسب، وليس بنشاط المتعلمين واهتماماتهم ورغباتهم ودوافعهم وقدراتهم.

نمط التواصل التقليدي:

المرسِل (المدرِّس)، الرسالة (الدرس)،  المستقبِل (التلميذ)

  نلاحظ في هذا المخطط التقليدي انعدام التغذية الراجعة (فيدباك)، إذ إن اتجاه الخبر يسير في مسار أحادي.

مشاركة التلميذ في هذا المخطط منعدمة الأثر، فدوره سلبي في إثراء الخبر أو تعديل الرسالة، وينتج عن ذلك:

1.المعلم يشرح، والتلميذ يستمع.

2.التلميذ يخزّن المعارف ويكدّسها، والمعلم يسأل ويختبر، ويؤدي ذلك إلى:

1.انطواء التلميذ على نفسه وتحجّره وتقوقعه حول ذاته.

2.ضعف التفاعلات، وبخاصة على المستوى الوجداني، ما بين المرسِل (المدرِّس) والمتلقي (التلميذ).

مخطّط أهم عناصر النموذج التقليدي:

المدرِّس… يشرح… الدرس.  (المدرِّس ينجز الدرس وحده)، دور التلميذ هو: الفهم والحفظ والاستظهار.

نلاحظ على هذا المخطط التقليدي:

  غياب الأهداف، فهي ليست من مكونات العملية التعليمية.

– يركز التعليم على الحفظ والاستظهار، فهي تعوّض الأهداف.

– حصر أهداف التعليم في النطاق الذهني فقط. (غياب المكوّن الوجداني والجسدي).

– ينتج عن ذلك ازدهارُ المناهج بالمواد التعليمية. (كثافة البرنامج).

– إهمال الحالات السيكولوجية الأخرى للمتعلم.(المهارات الوجدانية والجسدية)

– ينتج عن ذلك عدم القدرة على الاندماج في الحياة الوظيفية وسوق العمل، لأن المعارف المكدّسة ذات طابع نظري فحسب.

– يمثل ذلك فشلا ذريعا في تحقيق أهداف التربية العملية التطبيقية.

مخطط النظام التقويمي في المقاربة التقليدية:

الامتحان له مخرجان، الأول: التفوق والجزاء = النجاح والانتقال. الثاني: الفشل والعقاب = الرسوب والطرد.

يتضمّن هذا المخطط:

– استهداف التفوق في أشكال ظاهرية فقط، تبرز في الحفظ والتكديس والاستظهار، لا تنعكس على سلوك المتعلّم العملي.

– لأن ذلك يؤدي إلى المكافأة بالنجاح الذي هو الانتقال من مستوى إلى آخر، أو بنيل الشهادة للتعبير عن التفوق، ويترتب على ذلك: فشل في الحياة الوظيفية للمتعلّم. (عدم القدرة على الاندماج في الحياة والوظيفية وسوق العمل و المقاولة.

– لأن هذا النظام لا يهتم بتنمية القدرات والكفاءات التي لها طابعٌ سلوكي ونفعي.

مقارنة بين النموذجين:

لكي تتضح الصورة بوضوح، فإنني أعقد مقارنة بسيطة بين النموذجين، ألخصها في التالي:

أ. مساوئ النموذج التقليدي قبل التأسيس:

  • الجهل بالنظريات النفسية التي تحلل نفسية الطفل وقدراته ومواهبه.

– لا توجد أهداف واضحة لإستراتيجية التدريس في هذا النظام.

– ارتباط التعليم بتنمية الملكات العقلية، بالمعارف النظرية.

– إهمال الجانب الوجداني و المهاري (الحس/ حركي).

– اعتبار الطفل صفحة بيضاء لا يصلح إلا للتلقي.

– الاعتماد على البرامج الدراسية المنفصلة ذات المادة الواحدة، من غير نظر إلى العلاقة التكاملية بين المواد الدراسية، التي هي محل نشاط التعلّم.

– تمركز النظام التربوي حول المدرس، من دون إحداث مقاربة بين المكونات التعليمية.

– غياب الوسائل والسندات التربوية، لجهلهم بقيمتها النفسية والتربوية.

– اعتبار الحفظ والتخزين واستعراض المعارف النظرية، في الاستظهار والمناظرات والمناقشات والامتحانات، هو أقصى ما تصل إليه أهداف التربية.

– انعدام مقاييس تقويم الأداء في بناء التعلّمات والمهارات والاختبارات. وللموضوع بقية…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!