-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
3

سيناريوهات انتخابات 2012

سيناريوهات انتخابات 2012

أفسدت المدخلات المتتالية التي طرأت على المشهد السياسي الترتيبات المخبرية التي تحدّثنا عنها في المقالين السابقين، وجعلتها أثرا بعد عين. فالثورات العربية أسقطت ثقافة الاستخفاف بقدرات الجماهير، وهزمت حالة اللامبالاة بإرادة المواطنين، ومزقت غرور وتكبر الحكام، وأدخلت الشك في قدرتهم على فرض الإرادات الفوقية. ثم جاء صعود الإسلاميين في مختلف البلاد العربية، فأثبت للنخب الحاكمة وحلفائهم بأن مجهوداتهم المُضنية ونفقاتهم اللامحدودة ومخططاتهم المتنوعة، عبر عقود طويلة من الزمن، لصد الناس عن الإسلاميين في الساحة السياسية،‭ ‬لم‭ ‬تُجْدِ‭ ‬نفعاً،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬حسرة‭ ‬عليهم‭ ‬جميعا‭ ‬ثم‭ ‬هزموا‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬الفعل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬النزيه،‭ ‬ساحة‭ ‬بعد‭ ‬ساحة،‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا،‭ ‬وباقي‭ ‬الساحات‭ ‬معلوم‭ ‬مصيرها‭.‬

لا يمكن للجزائر أن تكون استثناء لو تُرك بينها وبين انتخابات حرة ونزيهة. ليست الثورات العربية وحدها التي تقول هذا القول، بل هو المنطق والعقل السوي. كيف يمكن أن يستمر نفس النظام في الحكم لمدة خمسين سنة في نظام جمهوري ديمقراطي؟ لو أخبرنا حكامُنا بأنهم اختاروا لبلادنا نظاما آخر غير النظام الديمقراطي واستطاعوا بهذا »النظام غير الديمقراطي« أن يُنمُّوا الوطن ويرفعوه لمصاف الدول المتطورة ـ كما هو حال الصين التي تقارع أمريكا على سيادة الدنيا مثلا أو روسيا التي تسترجع مجدها أو حتى  فنزويلا التي تنافس على قيادة أمريكا الجنوبية ـ لقبل الناس ـ ربما ـ بعدم تغيير النظام… مع أن عاشق الحرية لا يستعيض عن الحرية بشيء. فكيف وأن نظام حُكمنا يَجهد في وصف نفسه بالنظام الديمقراطي، بل يصدع بعضُ رموزه بأن ديمقراطيتنا هي على المقاييس الدولية… أي الغربية، ثم بعد ذلك يغتصب الديمقراطية ويعتدي عليها مرة بعد مرة، ومع ذلك يُترك الوطن تعصف به الاضطرابات الاجتماعية من ولاية إلى ولاية، يعيش تحت رحمة تقلبات أسعار المحروقات، ثم بعد ذلك لا يُشكر الله الذي سترنا وحفظنا بنعمة البترول والغاز التي لا فضل لنا فيها ولا نشتري غذاءنا ودواءنا ولا نبني مدارسنا ولا نشق طرقاتنا إلا بها. فكيف لا يطمح الناس بتبديل الأغلبية المعتادة في انتخابات 2012 والأمر على ما هو عليه بعد أن أعطوا هذا النمط السائد من الحكم فرصة دامت خمسين عاما، أي نصف قرن… وما أدراك ما نصف قرن!

لو يفهم حكامنا هذا الذي أقوله لهم، ناصحا لا متهكما ولا متشفيا، لعذروا قسوتي ولساعدوا في الانتقال الديمقراطي السلس الذي يحفظ الأمن ويفتح الأمل ويعلي الهمم، ولكن هل يفهمون؟ مرات عديدة انكسرت حساباتهم ولكنهم لا يعتبرون! انكسرت حساباتهم حينما انهارت تحالفات ما بعد الاستقلال، وانكسرت حساباتهم بنقض ما سمي بالتصحيح الثوري، وانكسرت حساباتهم في خامس أكتوبر 1988، وانكسرت حساباتهم في انتخابات 1991، وانكسرت حساباتهم في انتخابات 1995، وانكسرت حساباتهم في مسار انتخابي منحرف منذ 1997 أضعف الدولة والأحزاب في آن واحد.

إن أوان «التاغنانت» و«ما أريكم إلا ما أرى» قد ولّى. ولو أريد هذه المرة تثبيت سيناريو الحلول المخبرية في الانتخابات المقبلة لتثبيت مجالس منتخبة على شاكلة التي سبقتها ستكون عندئذ الداهية الكبرى، سيسير الوطن متسارعا نحو سيناريوهات موحشة لا تُحمد عقباها، وقد لا‭ ‬تثبت‭ ‬تلك‭ ‬المجالس‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬عهدتها‭ ‬وسنضطر‭ ‬للتصحيح‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬صعبة‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬تفاديها.‬

لا أتصور بأن أصحاب القرار يجهلون هذه المخاطر، ولكن لا أثق بأنهم سيتركون الأمور تمشي على حقيقتها، سيحاولون رسم سيناريو غير مسبوق يُظهر التغيير في شكله… ولكن دون عتق الرقاب، أي مُتحكّم فيه ومُسيطر عليه. سيبتكرون مشهدا سياسيا يُظهر منسوبا انتخابيا مرتفعا للإسلاميين أكثر من ذي قبل يوهم بأن الإسلاميين نجحوا في الجزائر كذلك، ولكن بمنسوب موزع بين »معاشر« الملتحين لا يؤهلهم لنيل أغلبية برلمانية ولا تشكيل حكومة إسلامية. وفي مقابل ذلك ستكون »زمر« أحزاب السلطة ومنتخبيها »المستقلين« بمقدورها، مهما تراجعت حصائلهم، أن تشكل أغلبية برلمانية. ووسط هذه الكتل المشتتة يَضعُ من أَلِفَ التّأمير والتفصيل نفسه في موقع صاحب الأمر والفصل. فإن قبل الإسلاميون التحالف مع أحزابه كان لهم ذلك، وقد يبدأ هاهنا بالمألوف لديه فيقصد حركة مجتمع السلم، وقد يرغب في التنويع فيأتي بإسلامي آخر طامع عريق في المعارضة، وقد يعمد لتوسيع قاعدته السياسية برهط كثير من الأحزاب، حتى يُؤمِّن مستقبله، فيركبُ السفينةَ من كل زوجين اثنين. وقد يبالغ الحكم في إرادة التحكم فيجعل على رأس الحكومة إسلاميا بالاسم والتاريخ، ولكنه خادم للحكم القائم مؤتمر بأمره. فإن انتفض الإسلاميون وبرئوا وتبرّأوا من هذا العبث السياسي، وترفعوا عن المزايدة عن بعضهم البعض من أجل مغانم موصوفة مسمومة ورفضوا الدخول في المدار فسيّتجه نظام الحكم إلى تشكيل أغلبيته وحكومته بالأحزاب الأخرى، فإن رفضت الأحزاب كلها فَلَهُ في حزبيه وفي المستقلين والنواب الزاحفين‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬التشكيلات‭ ‬السياسية‭ ‬الذين‭ ‬كَمَنوا‭ ‬فيها‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬مخرج‭. ‬

سيقدر نظام الحكم على تحقيق هذا السيناريو بالتزوير الذكي الذي تُحسُّ به وتُقسم على وجوده ولكنك لا تستطيع أن تُدلّل عليه، فما عسى أن تفعل الأحزاب بمحاضر الفرز إذا كانت لا تملك الآلية والكفاءة لفحص حقيقة الكتلة الناخبة؟ ولا تستطيع أن تتأكد من النسب الحقيقية للمشاركين في الانتخابات؟ ولا تحضر في قاعات جمع الحصائل التي تُدار في حواسيب الإعلام الآلي في القاعات المحصنة في مقرات الولايات ووزارة الداخلية؟ ولا تستطيع أن تحتج على أرقامٍ تُعلن أو تنتفض عليها؟ إنه يخطئ من يعتقد بأنه بمقدور أي حزب في الدنيا، مهما قوي، أن يمنع أي نظام سياسي من التزوير. لا تستطيع الأحزاب أبدا أن تواجه الدولة، إنما الذي يقدر على ذلك هو الشعب، فإن علم أي نظام بأنه سيدفع الثمن غاليا إذا زوّر لن يزور. ليست القوانين المعلنة ولا الضمانات الإدارية والقضائية التي تمنع نظام الحكم من التزوير، إن الذي يمنعه من ذلك إنما هو الإرادة السياسية لا غير، الإرادة السياسية النابعة من الروح الوطنية والخوف من الله أو من رهبة الجمهور والخوف من ردود فعل الشعب على مصادرة حقه. وهذا أمر لا شأن للأحزاب به ولا رغبة لهم فيه ولا قدرة لهم عليه… على الأقل في هذه المرحلة.

يستطيع نظام الحكم أن يحقق هذا السيناريو بطريقة أخرى أكثر ديمقراطية: يجند لها خصومه الشرسين، أولئك الذين يدعون لمقاطعة الانتخابات. إن نهاية مراد نظام الحكم أن تنجح أحزابه بلا تزوير وهو يعلم بأنه لن ينال ذلك إلا إذا هجرت الأصواتُ التي لا تحبه الصناديق ولذلك يهمُّه كثيرا أن تتحرك أو »تُحرّك« أقطاب المعارضة الإسلامية الجذرية لإقناع الملايين الساخطة بمقاطعة الانتخابات فلا تقصدها إلا الكتل الناخبة الراضية بالواقع، المتوائمة مع نظام الحكم لهذا السبب أو ذاك. فما أعجب السياسية إذ تتقاطع فيها مصالح الأضداد!

ولكن هل توجد سيناريوهات أخرى أقل ظلمة من هذه، تنجح فيها الانتخابات ولكنها تكون لصالح الجزائر أولا، لصالح واقع جديد مغاير لما ألفناه؟ نعم ثمة لهذا المقصد سبيل أو سبل. كنت أظن بأن مقالي هذا سيكون كافيا للوصول إليها فطوّحت بي دروب السياسة بعيدا وألجأتني لإضافة‭ ‬مقال‭ ‬أخير‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أطرق‭ ‬فيه‭ ‬أبواب‭ ‬الأمل‭ ‬بحول‭ ‬الله‭. ‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • سيف الحرية

    نتيجة المقال :
    المشاركة في الانتخابات او عدمها متسايان