-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سيناريوهات نهاية الأزمة التونسية

محمد بوالروايح
  • 1713
  • 2
سيناريوهات نهاية الأزمة التونسية

لا يتوقع كثير من المحللين السياسيين نهاية وشيكة للأزمة التونسية، لأن لهذه الأزمة تراكمات كثيرة ومعقدة أفرزت حالة من التشنج بين الشركاء السياسيين في تونس. فكل يحمل الآخر مسؤولية الوضع الاجتماعي المتردي في تونس، الذي ازداد ترديا في ظل جائحة كورونا. إن العلاقة المتوترة بين الرئاسة من جهة، ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة من جهة أخرى، منذ فترة، كانت توحي بما لا يدع مجالا للشك بأن القطيعة قادمة، وبأن لهذه القطيعة ما وراءها. لقد قطع خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد الشك باليقين بشأن هذه “القطيعة”، حينما أشار إلى أن هناك من يريد تسيير الدولة وكأنها ملك يمينه، في إشارة غير صريحة إلى حركة النهضة والمتحالفين معها. وقد دفعت الأحداث التي وقعت في البرلمان الرئيس قيس سعيد إلى التدخل بصفته رئيسا للجمهورية وحاميا للدستور، من أجل إنقاذ تونس وحماية الدولة، كما جاء في خطابه الأخير.

هناك خمسة سيناريوهات لنهاية الأزمة التونسية:

السيناريو الأول: اتخاذ الرئيس التونسي قيس سعيد مزيدا من القرارات لعل أخطرها حل المجلس النيابي اعتمادا على ما يخوله الدستور التونسي من صلاحيات في حالة وجود خطر داهم، كما جاء في خطابه الأول الذي تضمن جملة من الإجراءات الاستثنائية، منها تجميد اختصاصات المجلس النيابي، ثم تتبع هذه الخطوة -بعد انقضاء المدة الاستثنائية- بصدور الإعلان الرئاسي بإجراء انتخابات نيابية مسبقة.

إن سيناريو حل المجلس النيابي أمر مستبعد، ولكنه غير مستحيل، فتصلب مواقف الغريمين السياسيين يجعلنا نرجح طرح كل احتمالات التسوية بينهما. وبالتالي، لا يبقى هناك إلا احتمال واحد وهو استخدام الرئيس قيس سعيد صلاحياته الدستورية، ما يعني بكل بساطة قطع شأفة الخلاف من أساسه من خلال حل المجلس النيابي وتجميع كل السلطات في يده استثناء إلى غاية انتخاب مجلس جديد.

وصف رئيس مجلس النواب التونسي راشد الغنوشي التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد بأنها خاطئة وبأنها انقلاب على الشرعية وعلى الثورة وعلى الدستور، وهو الوصف الذي يمكن تكييفه دستوريا على أنه خرق للدستور وهذا رغم أن راشد الغنوشي قد آثر التلميح دون التصريح.

يقرر الدستور التونسي في الفصل 88 أنه “يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ولا يعفي ذلك من التتبّعات الجزائية عند الاقتضاء. ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى”.

لن يكون لهذا الفصل أثر ولن تستفيد منه حركة النهضة وحلفاؤها في ائتلاف الكرامة لأنه ببساطة لا يمكن تفعيل هذا الفصل لأن قرار الرئيس قيس سعيد بتجميد كل اختصاصات المجلس النيابي وأعماله لا يتيح لهذه الهيئة وهي في حالة تجميد الاجتماع أو اتخاذ أي قرار أو مباشرة أي عمل، وبالتالي، فإن الطرف الذي يمتلك التنفيذ من غير منازع في هذه الحالة هو رئيس الجمهورية.

السيناريو الثاني: الدعوة إلى مؤتمر وطني، تشارك فيه كل الأطراف السياسية والحزبية ويتوج ذلك بتوقيع هذه الأطراف على لائحة تفاهمات والتزامات، يتقرر بمقتضاها تصحيح المسار والعودة إلى الحياة المؤسسية من خلال إلغاء قرار تجميد اختصاصات المجلس النيابي والقرارات الأخرى المصاحبة له.

لا يعول المحللون السياسيون كثيرا على نجاح مبادة المؤتمر الوطني لأن الخلاف بين الرئاسة والبرلمان والحكومة قد بلغ أوجه ولا يحتمل أي تسوية، فقد قال الرئيس قيس سعيد بأن الرئاسة قد صبرت كثيرا على تجاوزات بعض الأطراف وأن صبرها قد نفد، ما يعني أن احتمال التسوية وإنهاء الخلاف في مؤتمر وطني هو احتمال ضعيف إلا في حالة حدوث تنازلات كبيرة من الطرفين، وهذا أمر مستبعد أيضا بالنظر إلى تعقيدات وخلفيات الأزمة.

السيناريو الثالث: أن تشتد القبضة بين السلطة التنفيذية العليا ممثلة برئيس الجمهورية قيس سعيد والسلطة التشريعية ممثلة برئيس المجلس النيابي راشد الغنوشي، حيث من المتوقع في هذه الحالة إخطار الرئيس الهيئات القضائية بمباشرة إجراءات حل حركة النهضة.

لا أعتقد شخصيا أن حنكة وروية الرجل الدستوري قيس سعيد ستتجه إلى حل حركة النهضة، كما أن الدستور التونسي يضع شروطا كثيرة للحل والسبب واضح وهو رعاية الديمقراطية الناشئة في تونس بعد عهود من الحكم الانفرادي للرئيس زين العابدين بن علي، ففرضية الحل إذن مستبعدة ولكن ما دونها ممكن، وهو أن يشتد تيار المعارضة الشعبية لحركة النهضة فتعزل نفسها بنفسها أو تعزل شعبيا أو تزحزح عن القيادة والصدارة، هذا ما يتوقعه بعض الملاحظين السياسيين ولكن لبعضهم الآخر رأي مخالف وهو أن الأزمة الحالية قد تقوي حركة النهضة لأنها قد تجد من التيارات الثورية والديمقراطية التي تتقاطع معها في رفض ما سمي “الانقلاب على الثورة” ما يشد أزرها، وكما قيل: “إن الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك”، هذا بالإضافة إلى الوعاء الانتخابي المعتبر لحركة النهضة التي تعد قوة سياسية لا يستهان بها في تونس ما بعد الثورة.

السيناريو الرابع: قيام السلطات العمومية- في حالة صدور قرار حل حركة النهضة- بعملية تصفية سياسية تطال قيادات من حركة النهضة وعلى رأسها راشد الغنوشي واحتمال أن تتبع هذه العملية بإجراءات قضائية في حقه وفي حق بعض القيادات الحزبية من داخل حركة النهضة ومن خارج الحركة. إن هذا السيناريو في اعتقادي مستبعد وممتنع لاستبعاد وامتناع فرضية حل حركة النهضة.

السيناريو الخامس: حدوث انتفاضة اجتماعية قوية مناهضة لقرارات الرئيس قيس سعيد تدعو إليها حركة النهضة والأحزاب المساندة لها في ما يعرف بائتلاف الكرامة كورقة ضغط على الرئيس قيس سعيد من أجل التراجع عن قراراته والعودة إلى الاحتكام إلى الدستور وتوقع إقدام الرئيس على تمديد حالة الطوارئ وتشديد الأحكام العرفية المرتبطة بها.

إن أكبر مكسب لتونس ما بعد زين العابدين بن علي هو ثورتها التي هي ثروتها الأولى ومرجعيتها الأولى ولذلك يخشى المتابعون للشأن التونسي من أن تؤدي هذه الانتفاضة إلى انقسام الشارع التونسي أو أن يصاحب هذه الانتفاضة الشعبية ظهور ثورة مضادة تسندها بعض الجهات يمكن أن يعيد تونس – لا قدر الله – إلى المربع الأول أو يربك ثورتها التي أخرجت قيس سعيد من مكتب المحاماة إلى قصر قرطاج وأوصلت راشد الغنوشي إلى قبة ورئاسة البرلمان بعد أن عاش لسنوات شريدا طريدا في الدول الغربية.

هذه هي السيناريوهات الخمسة المحتملة، ولكن من جهتنا، نتمنى أن يتجه الفرقاء السياسيون إلى الحل الأمثل المتمثل في التوافق الوطني حفاظا على تونس وصونا للحريات وحرصا على استمرار المؤسسات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • هشيم الهاشمي

    الكل اتفق على ألا يذكر اسم من أزمت الحال والأحوال في تونس الخضراء" عبير مو شى" التي تغولت الى أبعد الحدود عن اللياقة والأ خلاق ..؟، فما تلفظت به في المجلس ؟، لايليق ولا يحتمل مهما كنت متحكم في...؟، فالنقل الحقيقة بغض النضر عن ..؟، ... "كل شيء زاد عن حده انقلب الى ضده " ليصير تنطع والستهتار بالمكان وال...؟، فهي المتسبب .... فالم...؟ هههه

  • جزائري

    قراءة في المقال : 01 - ائتلاف الكرامة ليس متحالفا مع حركة النهضة ، بل هو ضد حركة النهضة ، وضد الغنوشي ياأستاذ . 02 - الرئيس هو من لم يوافق على حكومتين تقدم بهما البرلمان، بل اختار رئيسي حكومة من خارج الأحزاب، فمن يحاسبهم ؟ 03 - لم تشر إلى عبير موسي التي عطلت أعمال البرلمان لشهور دون محاسبة من أصحاب القرار . 04 - لم تبين من يريد تمزيق صف تونس الحبيبة من الداخل والخارج التونسي .