-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
موروث أصيل.. رغم تكلفته العالية يبقى الحاضر الأول

شباح الصفرا.. الطبق السلطاني الذي لا يستغني عنه القسنطينيون في رمضان

عبد العالي لرقط
  • 738
  • 0
شباح الصفرا.. الطبق السلطاني الذي لا يستغني عنه القسنطينيون في رمضان
أرشيف

لا يختلف اثنان في حجم التنوع الثقافي الخاص، بكل مناسبة دينية وفق عادات وتقاليد جد خاصة بمدينة قسنطينة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ والحضارات المتعاقبة على أم الحواضر، لترصع في كل مناسبة تلك اللوحة الفسيفسائية بقطعة فريدة التفصيل واللون، بما يمنح قسنطينة المدينة التربع على عرش الموروث الثقافي التقليدي في وطن تنوعت وتعدّدت فيه العادات والتقاليد.
إن كانت موائد الإفطار في الجزائر القارة تستقبل شهر رمضان بتنوع تحدده خصوصية كل منطقة وفق عاداتها وتقاليدها وتاريخها، فمائدة الإفطار في قسنطينة تستقبل أول أيام الصيام بطبق سلطاني يجمع بين لذة المذاق وجمال الطبق الذهبي اللون.

طبق بتاريخ عريق.. رغم الاختلاف في تأريخه ونسبه
تتعدّد الروايات والقصص حول تاريخ هذا الطبق، وهو الاختلاف الذي يزيد من قيمته كموروث ثقافي لمدينة تعاقبت عليها الكثير من الحضارات، ولعل القصة الأكثر شيوعا وذيوعا عن هذا الطبق هي أن أول من طبخه هي لالة عايشة باية بنت صالح باي الذي حكم بايلك الشرق في الفترة الممتدة من 1771 إلى 1792، التي أخفقت في يوم ما في صناعة حلوى أساسها عجينة اللوز، لتحول بحسب الرواية تلك العجينة لطبق آخر جملت وزينت به مائدتها لذلك اليوم، لينطق الباي بكلمته الشهيرة: “لقد شبحتِ سُفرتنا يا عائشة..”، ويحمل من يومه اسم “شباح الصفرة”، وبحسب الرواية فالصفرة ليست اللون وإنما المائدة.
كما تضاربت روايات أخرى حول أصل هذا الطبق الشهي، بين من أرجع نسبته للعثمانيين والأندلسيين وحتى من قال بخصوص ذلك إنه يرجع للعهد العباسي، فوفق ما ذكره عدد من الأكاديميين أن ربط الطبق بالحضارة العثمانية خطأ، إذ إن العثمانيين لم يتنقلوا لقسنطينة بعائلاتهم، فالعائلة الكرغلية الأب فيها تركي والأم جزائرية، وهو ما يبعد الطرح بالأصول التركية لهذا الطبق، ويبقي على أصله القسنطيني الثابت وفق رواية اختراعه من طرف عايشة باية التي كانت وفق كل الروايات ورغم مكانتها الاجتماعية الراقية كسيدة أولى للمدينة عاشقة للطبخ أو بمصطلحه المحلي عاشقة لبيت النوال.

هناك وصفة واحدة خاصة بهذا الطبق
وإن كانت السنوات الأخيرة قد عرفت إدخالا لبعض المواد في هذا الطبق الذي لا يغيب عن موائد رمضان في قسنطينة، بل يستحيل أن لا يرافق هذا الطبق كل الأفراح والليالي الملاح في عاصمة الشرق الجزائري.
ولعل أبرز ما تم إدخاله من مواد على هذا الطبق الفواكه المجففة من تفاح ومشمش وكيوي وأناناس، حيث أفادت الشاف سمية خلف الله وهي حكم دولي في الطبخ، أن طبق شباح الصفرة القسنطيني، يتميز بمكون واحد فقط، وهو عجينة اللوز المقلية بخصوصية فائقة العناية وببياض البيض فقط، ولا يمكن أن تتعدى تشكيلة العجينة وفق الطبق الأصلي لشكل مثلث يتم تصنيعه باليد وليس بالطوابع، وما يتم إدخاله على هذا الطبق لا يمت للطبق الأصلي بصلة، مضيفة في ذلك، أن مرق شبح الصفرة لا علاقة له بمرق طاجين الحلو، واعتماد المرق الخفيف في شكل شربات تسقى بها عجينة اللوز المقلية أيضا لا علاقة له بالطبق الأصلي، فمرق شباح الصفرة مرق خاص وبمواصفات دقيقة ومضبوطة، تراعى فيه حتى درجة حرارة المطبخ، بما من شأنه الحفاظ عليه، مضيفة في ذلك، أن عجينة اللوز المقلية لا تضاف للمرق ولا تسقى به، وفق الوصفة الأصلية، وفي المرحلة ما قبل الأخيرة لتقديمه، يتم طهي العجينة والمرق بتناسق وبطريقة خاصة تحول بين تجمده أو تسكره أو كرملته، كما أن طريقة تقديمه وفق الطريقة القسنطينية يتم بإضافة اللوز المقشر والمحمص والمرفق بأعواد القرفة كديكور وفقط، ولا علاقة لأي إضافات أخرى بالطبق الأصلي، فكل إضافة تقول بخصوصها الحكم الدولي في الطبخ سمية خلف الله تجعل منه طبقا مشابها وليس أصلي.

لا يغيب عن قوائم الطعام بفنادق قسنطينة
ويتعدى وجود طبق “شباح الصفرة” على موائد العائلات إلى وجودها على رأس قوائم ولوائح الإطعام في أرقى المطاعم بقسنطينة، في ترويج لثقافة المدينة وموروثها، يحمله بالذوق الجميل والأصيل ألاف السياح الذين يزورون قسنطينة من شتى بقاع العالم، بانبهار شديد لمدينة تتشابك فيها العادات والتقاليد بالثقافة الراقية، ولا أبرز من ضيوف حلوا بقسنطينة ضمن زيارات رسمية، ليعودوا مرفقين بعائلاتهم لزيارة مدينة الجمال واكتشاف مكنوناتها بعيدا عن التشريفات الرسمية، وهو حال الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط هيثم الغيص الذي حل بقسنطينة في زيارة مطلع شهر مارس الجاري، لينبهر بجمال قسنطينة، ويُسِر لواليها عبد الخالق صيودة أن جمالها خرافي، ورغم زيارته لمعظم دول العالم، إلا أنه لم يصادف بهذا الجمال الساحر الذي يأسر الألباب، مبرمجا في ذلك زيارة قريبة لقسنطينة بعيدا عن التشريفات الرسمية والبروتوكولات يكون فيها برفقة عائلته لاكتشاف جمال مدينة الجمال.

المغاربة يترصدون ملكية هذا الطبق للسطو عليه
وكالعادة، يبقى موروث قسنطينة الثقافي عرضة للسطو ومحاولات للاستيلاء عليه من طرف المملكى المغربية، التي باتت تحترف السرقة والبلطجة ومحاولات نسب ما لا يمكن أبدا نسبه لثقافتها وتاريخهما وحال طبق “شباح الصفرة” حال “قندورة القطيفة” القسنطينية وغيرها، فالجميل يبهر، والأكيد أنه مهما حاول لصوص الحضارة والثقافة السطو عليه، فالأصالة تفضحه، وتقنيات الصنع تحفظ حقوقه، مثلما حملته لنا سيدة قسنطينية مغتربة حاولت إحدى جارتها المنتميات أصلا لفضائنا المغاربي الكبير، أن تنسب طبق “شباح الصفرة” لبلدها، فعزمتها وأخريات على طبق شبيه، قالت بخصوصه أنه فاسخ ماسخ ذوقه، جعلها أضحوكة بين النساء المعزومات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!