شرارة الإهمال تقتل أيضا!
المأساة الرهيبة التي وقعت في قسم الولادة بمستشفى واد سوف أمس، وفقدان مواليد جدد حرقا واختناقا، هي فاجعة حقيقية من الصعب احتواؤها بمجرّد كلمات أو بيانات، أو مواساة.
صحيحٌ أن الطريقة التي تتعامل بها السلطة مع الكوارث مؤخرا، تريد أن تكون مختلفة، إذ يتدخل الوزير الأول مباشرة فيأمر وزيرَ القطاع بالتحرك، كما تتدخل العدالة بلا تردد للتحقيق، لكن الشكل وإن اختلف، فإن النتيجة واحدة، إذ لا يعلم الجزائريون حتى الآن نتائج تلك التحقيقات، وما إن كانت العقوبات المسلطة، حقيقية أم لمجرّد الاستهلاك الإعلامي؟ كما يجهلون، ما إذا كانت تلك العقوبات ستطال المسؤولين المباشرين وغير المباشرين فعلا، أم ستكتفي بكبش فداء هنا وهناك، للتعتيم على الحقيقة وذرّ الرماد في العيون؟!
وقع هذا عقب فاجعة ملعب 20 أوت، وبعدها حادثة إطلاق النار على متظاهرين في واد ارهيو، وأخيرا، الفاجعة الرهيبة التي وقعت في قسم الولادة بمستشفى وادي سوف.
المعلوم أنّ نتائج التحقيق لن تساهم في عودة الضحايا إلى أهاليهم، وقد نقلت وسائل إعلام الكثير من المآسي عن آباء وأمهات انتظروا فرحة الولد سنوات، فانقلبت إلى فاجعة في غضون ساعات، لكن التحقيقات من شأنها أن تشفي الصدور قليلا، وتُنبّه المسؤولين إلى أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي تكرّر مثل هذه المآسي في أماكن أخرى، ولعل السؤال الذي يجب أن نعثر له على إجابة ملموسة، يتعلق بمدى توفير الصيانة وإجراءات السلامة والوقاية، في مثل هذه المستشفيات المنسية، تماما مثل توفير الطواقم الطبية اللازمة، حين يتعلق الأمر بحياة الناس صغارا وكبارا.
الغريب أنّ هذه الحادثة المأساوية التي وقعت في واد سوف، جاءت في الأسبوع ذاته الذي خصّصت فيه الحكومة عدّة إجراءات من أجل النهوض بقطاع الصحة في الجنوب والهضاب العليا، وهي السياسة التي يمكن القول إنها ليست جديدة، فقد سبق لحكومات عدّة أن غازلت المواطنين في هذه المناطق المنسية والمهمّشة ووعدتهم بالكثير من الإصلاحات التي لم تتحقق أصلا، إلا أنها تأتي لتكشف أيضا أن المطلوب من أجل ترقية قطاع الصحة، شمالا وجنوبا، لا يرتبط فقط بتوفير الموارد المالية الإضافية أو بتحرير المشاريع الموقوفة، وإنما يجب الاستثمار في الكفاءات الإدارية والطبية الحقيقية، والتي من شأنها الحرص على حياة الناس والتعامل معهم كبشر وليس كمجرّد أرقام، تدخل وتخرج في السجلات والملفات، وتتبدَّل بتبدُّل السياسات.