-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كتاب "أطفال ثورة نوفمبر يتذكرون"

شهاداتٌ حية وبريئة تدين الهمجية الاستعمارية (الجزء الثاني والأخير)

بشير فريك
  • 1067
  • 0
شهاداتٌ حية وبريئة تدين الهمجية الاستعمارية (الجزء الثاني والأخير)

تطرّقنا في الجزء الأول من كتاب محمد أرزقي فراد “أطفال ثورة نوفمبر يتذكّرون” إلى ستّةٍ شهادات حيّة لعددٍ ممّن عاصرَ الثورة التحريرية في طفولته، وهم حبيب السايح وبشير فريك وبوجمعة عشير والسيدة حليمة جغرود وخليفة بن قارة والأديب رابح خيدوسي.

وفي هذا الجزء الثاني والأخير نتناول باقي الشهادات الحية، لتبقى وثيقة تاريخية في يد الباحثين والمهتمين بتاريخ ثورتنا المجيدة.

7) يروي رشيد وزاني ببراءة الطفولة كيف تم ترحيلهم من قريتهم في الوقت الذي كان والده في السجن الاستعماري ليعيش المحن والآلام اللا متناهية إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية، ليفضل والده بعدها العودة إلى قريته بالصومام في الوقت الذي كان فيه “الناس” يتهافتون على الأملاك الشاغرة.

8) من جهته، كتب السيد زهير عبد الحميد من قنزات بسطيف موضوعه تحت عنوان “طفولة في قلب الثورة”، بأسلوب روائي مؤثر يروي غياب الأب الشهيد وإحجام الأم عن إعلام الابن، ويصف عمليات التهجير والقَنْبلة والحياة المؤلمة للأهالي في تلك الأيام، ويذكر قيادة والده لمعركة في 8 مارس 1960 استشهد فيها جل المجاهدين وخلّدتها أمه بأبيات شعرية بالأمازيغية، واستطاع الأخ عبد الحميد أن يصف كثيرا من المحطات القاسية التي فرضها الجيش الاستعماري بتلك المنطقة قنزات.

9) وفي قرية بوالبلوط بعين قشرة، يكتب السيد سعد بوفلاقة عن ذكريات المعاناة والألم التي عاشها السكان من خلال إنشاء المحتشد الرهيب بالقرية ثم الهجرة وفظاعة الجوع والعري والفقر والألم، ويروي بإسهاب معاناة ونضال والدته المناضلة شريفة بوالكرشة رفقة زوجها المجاهد حسين بوفلاقة، واعتقال الوالدة وانتهاج سياسة التجويع والحرمان من التعليم إلخ…

10) أما الأخ الصديق سليمان جوادي، فقد استهل كلمته المختصرة بأبيات شعرية معبرة قائلا، ثورتنا أعظم الثورات، ويسجل مشاركته في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 بمدينة جامعة ولاية المغير حاليا وهو من عائلة منحدرة من قرية كوينين بولاية الوادي.

ويذكر كيف كان والده رحمه الله محل توقيف واعتقالٍ دوريٍّ هو وخاله، مما يؤكد أن الثورة عمت التراب الوطني باعتبار أن الجنوب كان تحت الإدارة العسكرية الفرنسية.

11) ويتذكر السيد طيب ناث سليمان في مقاله بعنوان: “مشاهد من ثورة نوفمبر في ذاكرة طفل” بدايات الثورة في بلاد القبائل “أقبو” واحتضان الشعب لها، وكيف أقحمت فرنسا جنودا سينغاليين في الحرب، وسجل أيضا بألم جرائم الحركى والخونة، وصولا إلى فاجعة استشهاد والده رحمه الله، ثم التهجير بإخلاء القرية، وكيف كان ابن الشهيد يبيع الحطب، وكيف ساهم الأطفال في الثورة…

12) ومن تلمسان يسترجع الكاتب عبد الجليل مرتاض ذكريات الثورة بعنوان “شاهد ومشهود” في العديد من المحطات والصور التي لا تختلف عن غيرها من صور المعاناة والمحن من اقتحام المنازل والتعذيب الجسدي والمعنوي للأهالي وصمود الشعب بفئاته.

13) أما عبد الرحمن عزوق فقد كانت مساهمته تحت عنوان “أحداث ديسمبر 1960 في ذاكرتي”، ويتذكر فيها مجريات المظاهرات البطولية والقمع الذي واجه به جنود العدو المواطنين العزل، وهو عمل مستخرَج من رواية له لم تُنشر، حسبه.

14) ومن قرية بير العاتر ولاية تبسة بعنوان “خدوش في الذاكرة”، استرجع السيد عبد السلام معيفي كثيرا من الأحداث والذكريات في منطقة مجاهدة كانت معبرا إلى تونس لجلب السلاح، وهي أحداث لا تختلف عن غيرها من تعذيب وحرق الدواوير وقتل، إذ كان والده من شهداء الثورة وكان على الأم إخفاء ذلك عن الابن، ولم يتم دفن رفاته إلا سنوات بعد الاستقلال.

15) من جهته، كتب طفل الثورة رجل اليوم عبد العزيز بوشفيرات تحت عنوان “طفل الحرب أثناء ثورة نوفمبر التحريرية” وهي كما يبدو مستمدة من رواية له توصف معاناة الأهالي في أعالي الشقفة بولاية جيجل المجاهدة.

16) أما الإعلامي والأديب عبد العزيز غرمول، وتحت عنوان “حين يحرمك الاستعمار من تاريخ ميلادك” ولا يعرف تاريخ ميلاده تحديدا لأن الأم تفضل عدم الإفصاح آنذاك عن ميلاده! ومع صغر سنه يتذكر صور العساكر الهمجية المخيفة، وكثيرا من آلام ومحن الحرب مثل التهجير من القرية والتي قَنبلتها الطائرات الحربية، وينهي مساهمته بالقول إن “ذاكرتنا كانت معسكرة وكنا أكبر من سنّنا”.

17) الطفولة والثورة التحريرية (معاناة ومساهمات) للدكتور عبد العزيز فيلالي، وفي مساهمته الطويلة نسبيا (22 صفحة) يصف بالتدقيق مرحلة الطفولة إذ كان عمره 10 سنوات حين اندلعت الثورة، وكيف عاش في القرية ظروف الحرب والثورة، وكيف انتقل مع والده إلى قسنطينة التي عاش فيها حادثة هروب مصطفى بن بولعيد من السجن، ومحاصرة العدوّ كل أحياء قسنطينة، وانتهاء بالتحاقه بصفوف المجاهدين ليكون أصغر كاتبٍ تحت قيادة سي محمد حجار قائد المنطقة وكان عمره 16 سنة، ليكون فعلا طفلا مجاهدا على غرار الكثير من المجاهدين والشهداء.

18) ومن بوابة الصحراء الأغواط يطل علينا الإعلامي الأديب محمد بوعزارة بمقالة بعنوان: “صور طفولة ثائرة صور طفولة معذبة”، وهو صاحب كتاب “من الخيمة إلى البرلمان”، وفيها يتذكر عدة محطات من أيام طفولة الثورة ومنها استقبال المجاهدين ضيوفا في دار والده، ويصف الطائرة الصفراء في صورة مرعبة في أذهان الأطفال لأنها “بياعة” ويسترجع استشهاد عمه عبد المالك لتوضع العائلة تحت الرقابة المشددة، ويصف بشجاعة والدته وهي تشتُم أحد التراجمة “روح روح يا امرأة فرنسا”، ويتذكر الذكرى الأولى لمظاهرات 11 ديسمبر والدبابة التي كادت تسحقه!

19) الهادي حارش يودّع شقيقه الطيب بنكهة ذاكرة الطفولة، إذ يصف فيها آلام الطفولة باستشهاد الوالد ومعاناة الفقر والحرمان في وادي الصومام من خلال عمليات التمشيط والقَنبلة والتهجير والتيهان من دشرة إلى أخرى لدى الأقارب هروبا من جحيم المباغتات التفتيشية وأخيرا الاستقرار في العاصمة.

20) الدكتور سليم قلالة ورغم صغر سنه خلال الثورة، إلا أنه ساهم بمقالة تحت عنوان “فرحة الاستقلال” اقتبسها من كتابه “حلم والدتي”، يتذكر فيها ما كانت أمه تلقّنه من روح وطنية لاسيما بعد استشهاد والده رحمه الله ومعاناتها خلال سنوات الحرب التحريرية، بما عرفته كل المناطق الجزائرية.

21) “الطفل والتهجير الجماعي”، هو عنوانُ المساهمة التي قام بها محمد ساري، وفيها يصف بأسلوب روائي شيق رحلة التهجير القسري الجماعي لسكان الدوار بعد أن تم قَنبلة وحرق مساكنهم ورحلوا جماعيا إلى مكان مجهول سيرا على الأقدام دام يوما كاملا تُوفي خلاله أخوه، وهو صاحب العام الواحد على ظهر أمه، ليجد المهجرون أنفسهم في محتشد أمرت به القوات الاستعمارية، وفرضت على الرجال إقامة الأسلاك الشائكة حوله، وقد اقتبس هذه المساهمة من روايته “نيران وادي عيزر”.

22) “طفولة معذَّبة في خضم أحداث الثورة” هو عنوان المساهمة التي قدّمها الأخ الصديق محمد يكن، القاضي المتقاعد، وفيها يتوقف عند عدة أحداث عاشها طفلا بناحية غسيرة بالأوراس، نذكر منها التهجير القسري إلى قرية أولاد ميمون، ومجزرة ذات القرية في 1957 إذ تم اغتيال أربعة أبرياء أمام أعين أهاليهم بكل وحشية.

إننا نشاطر أرزقي فرّاد الرأيَ بالقول إن الشهادات البريئة لأطفال الثورة كانت قواسمها المشتركة هي الجرائمُ البشعة ضد الإنسانية التي اقترفتها فرنسا ضد شعبنا، فلا ولن تسقط بالتقادم، حيث القتل الجماعي وتدمير القرى والتهجير والتدمير والاغتيالات والحرق والاغتصاب وفرض سياسة التجهيل وطمس الهوية الوطنية بمقوماتها، وهي كلها جرائم ستبقى وصمة عار في جبين دولة قيل إنها ترعى المدنية الحديثة وحقوق الإنسان.

ويتذكر سي محمد يكن مشاركة الأطفال في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 ومشاركة الأطفال في نقل الطعام إلى المجاهدين، وبالتبعية تعرّض هؤلاء الأطفال للسجن، ويروي وقائع عملية فدائية بطولية لينتهي إلى التلاقي مع جيش التحرير الذي كان ينظم لقاءاتٍ لشحن المواطنين بالإرادة والعزيمة لمواصلة النضال والصبر لأن النصر آت.

23) مأساة ابن شهيد أثناء عملية جومال “التوأمة” بجبال جرجرة، يستذكر السيد محند العربي سي يوسف مأساة استشهاد والده بعد عمه وكيف ظل والده الشهيد في ذاكرته ليؤكد أن أطفال الحرب ليسوا أطفالا من خلال ما واجهوه من محن وتحمُّل المسؤوليات العائلية.

ويتذكر كيف قرر عميروش إرساله للدراسة في تونس في رحلة لم تكتمل، ليعيش مأساة قَنبلة السوق الأسبوعية بينما كان يتجول فيها وكيف استشهد العشرات من الأبرياء العزل وكُتبت له النجاة، ويروي في محطات عدة الترحال من قرية إلى أخرى بجرجرة هروبا واتقاء لعمليات التمشيط والقصف والتفتيش والاعتقال والاغتيال ليحمد الله على سعادة استرجاع السيادة الوطنية.

24) “طفل الثورة التحريرية من أعماق أكفادو” ذلك هو عنوان مساهمة الدكتور مصطفى عشوي المطولة (18 صفحة)، وفيها أبرز بأسلوب سردي وصفي معاناة سكان منطقة أكفادو من جرائم الاستعمار بقتل الأطفال والنساء من خلال القصف المتعمد لهم في الحقول والمزارع، وكيف هُجِّروا لعزل الثوار عن الشعب، والواقع أن شهادة الدكتور عشوي تؤرخ لجهاد منطقة القبائل برجالها ونسائها شيوخا وأطفالا مما يؤكد عمق الرابطة بين السكان ووطنهم بالأمس واليوم.

وهكذا، فإذا كان الدكتور فراد قد ختم الكتاب بإبداء بعض الملاحظات بالقول إن الشهادات التي جاء بها أطفالُ الثورة رجالاتُ اليوم قد أكدت مصادرة الطفولة والبراءة، وأبرزت وحشية الاستعمار من قتل المدنيين جماعيا وأفرادا وتدمير القرى وتخريب أرزاق الأهالي واستباحة شرفهم، مما جعل كل ذلك يعري عزة وشرف فرنسا إذا كان لها شرف، ليضيف: كيف أقدمت فرنسا على تهديم بنية المجتمع الجزائري، مع إبراز جرائم الحركى الخونة، وانتهاءً باستعراض تضحيات وبطولات المرأة بعيون أطفال الثورة مع الإشارة إلى انكسار وجدان أبناء الشهداء غداة استرجاع السيادة الوطنية وإلى اليوم.

إننا نشاطره الرأي بالقول إن الشهادات البريئة لأطفال الثورة كانت قواسمها المشتركة هي الجرائمُ البشعة ضد الإنسانية التي اقترفتها فرنسا ضد شعبنا، فلا ولن تسقط بالتقادم، حيث القتل الجماعي وتدمير القرى والتهجير والتدمير والاغتيالات والحرق والاغتصاب وفرض سياسة التجهيل وطمس الهوية الوطنية بمقوماتها، وهي كلها جرائم ستبقى وصمة عار في جبين دولة قيل إنها ترعى المدنية الحديثة وحقوق الإنسان، وأخيرا أتمنى أن يطلع أعضاء لجنة الذاكرة على هذه الشهادات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!