-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كتاب "أطفال ثورة نوفمبر يتذكرون"

شهاداتٌ حية وبريئة تدين الهمجية الاستعمارية (الجزء الأول)

بشير فريك
  • 706
  • 0
شهاداتٌ حية وبريئة تدين الهمجية الاستعمارية (الجزء الأول)

فكرة رائعة ومبادرة أروع تلك التي قام بها الدكتور محمد أرزقي فراد من خلال إعداد وإنجاز عمل جماعي فريد من نوعه تحت عنوان “أطفال ثورة نوفمبر يتذكرون”، ضمن منشورات وزارة المجاهدين، شارك فيه خمسةٌ وعشرون من أطفال الثورة بالأمس ورجالات اليوم من كتَّاب ومثقفين وإطارات في مختلف المستويات والذين استرجعوا ذكريات الطفولة التي حُرموا منها أيام الثورة فوجدوا أنفسهم “أطفالا رجالا” على حد تعبير الأديب المجاهد محمد الصالح الصديق أطال الله في عمره.

إن هذه الشهادات البريئة توضع كأدلة إثبات وتأكيد إدانة للمستعمِر على جرائمه ضد الإنسانية والتي لا ولن تسقط بالتقادم، آملين أن يطلع عليها السادة الأساتذة والدكاترة أعضاء لجنة الذاكرة لتكون لهم حافزا على مواجهة مناورات الطرف الفرنسي في طمس الكثير من جرائمه في الجزائر.

لقد اختار الدكتور فراد عيّنة من كل جهات الوطن شرقا وغربا شمالا وجنوبا، وأوكل إليهم استعراض ما خزنته ذاكرتهم من أحداث الثورة أو ما كتبوه في مذكراتهم حول مآسي ومحن الاستدمار الفرنسي خلال فترة الكفاح المسلح لتكون شهادات حية وبريئة وصادقة براءة الطفولة وصدقها، على ما اقترفه العدو من جرائم ومناكر ضد شعبنا الذي انتفض وثار ضد الهيمنة والاستبداد الاستعماري ليكون الردُّ بشعا عنيفا همجيا عدوانيا، لم ينجُ منه البشر والشجر والحجر، ومع ذلك سجل المجاهدون الثوار ومن ورائهم الشعب بفئاته أروع صور الصمود والبطولة والانتصارات رغم التفوق المادي العسكري للعدو عدة وعددا.

وفي الوقت الذي تم فيه تنصيب لجنة مشتركة جزائرية- فرنسية لمعالجة قضايا الذاكرة ونحن نسترجع مجازر 8 ماي 1945، وكيف غدرت فرنسا الاستعمارية بما يفوق 45 ألف شهيد في عديد المدن الشمالية للبلاد.

إن هذه الشهادات البريئة توضع كأدلة إثبات وتأكيد إدانة للمستعمِر على جرائمه ضد الإنسانية والتي لا ولن تسقط بالتقادم، آملين أن يطلع عليها السادة الأساتذة والدكاترة أعضاء لجنة الذاكرة لتكون لهم حافزا على مواجهة مناورات الطرف الفرنسي في طمس الكثير من جرائمه في الجزائر.

ولأن الكتاب متوسط الحجم بـ372 صفحة وطباعة راقية متميزة، ولأن الحيّز المساحي لهذا الموضوع لا يسمح بالإطالة، فإننا سنحاول إبراز أهم الأفكار وأسماء المشاركين في هذا العمل المتميز الذي بادر به الدكتور آرزقي فراد وتبناه وزير المجاهدين وتولت الوزارة طباعته.

وبعد الإهداء إلى شهداء الوطن من 1830 إلى 1962 وإلى الجيل الجديد ليدرك أن استرجاع السيادة الوطنية قد كلف الشعب الجزائري تضحيات جساما مما يتوجب الاستماتة في الدفاع عن سلامة هذا الوطن المفدى.

جاءت مساهمة الأستاذ الدكتور ناصر الدين سعيدوني في شكل تقديم الكتاب إذ اعتبر هذا العملَ بمثابة شهادة ضد النسيان، حيث أن صدق روايات وشهادة براعم الثورة رجال اليوم تعدّ بمثابة تأهيل لهم لأن يكونوا حراس الثورة لأنهم استعاضوا عن بنادق آبائهم بأقلامهم لإحياء مآثر الثورة، مضيفا بدوره شهادته بأن مخيلته عادت به إلى تلك الأيام العصيبة المشحونة بالمعاناة والألم والتضحيات التي طبعت حياة الجزائريين في تلك السنوات الحالكة، إذ سمع بـ”أحداث” الأوراس وكيف تم تجنيد المعمِّرين مع الشرطة والدرك عندما اهتزت قسنطينة في أحداث 20 أوت 1955، والمداهمات والتفتيش الذي تزامن مع محاكمة الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد في 11/11/1955 والتي تجددت بكثافة ووحشية إثر هروبه من سجن الكدية، بحصار كل أحياء مدينة قسنطينة، وقامت الشرطة ورجال الدرك والأمن باقتياده في سيارة عسكرية لمحافظة الشرطة بالكدية لتتكرر هذه العمليات وتصبح وجباتٍ يومية لسكان قسنطينة.

وينهي الدكتور سعيدوني تقديمه بالقول إن الكتاب عملٌ قيّم يتضمن عروضا تعيد الثورة إلى حياتنا وتوقظ ذاكرتنا من سباتها وتؤكد استحالة تصور ذاكرة مشتركة مع المعتدي، فالذاكرة سِجِلٌّ يعيد اللحمة بين الجزائريين ويؤسِّس لتجريم المعتدين ومحاسبتهم، ويشكل ذهنية جزائرية متحررة من ثقافة الاستعمار متحصنة من تأثير رواسبه المتعفنة.

أما الأستاذ الكاتب والمجاهد المجتهد محمد الصالح الصدِّيق أطال الله في عمره ورغم ظروفه الصحية والعائلية بوفاة ابنه رحمة الله عليه، فقد أدلى بكلمة استهلالية قال فيها إن أطفال ثورة نوفمبر قد فقدوا طفولتهم وكانوا “أطفالا رجالا” وكانوا صغارا كبارا، منوِّها بمبادرة الدكتور فرّاد بانجاز هذا العمل، وأكد من خلاله أن هؤلاء الأطفال عاشوا طفولتهم بين العواصف والأمواج الصاخبة ولكن برجولةٍ مبكّرة.

وكان الدكتور فرّاد، وهو صاحبُ الفكرة والمبادرة، قد كتب مقدمة مفيدة ذكَّر فيها بأهداف هذه المبادرة التاريخية، مستعرضا الأسماء المشاركة كعيِّنات، موضحا أنه تم الاتصال بالعديد من عيِّنات جيل أطفال الثورة، مراعيا البُعد الجغرافي الوطني ليشمل معظم جهات الوطن، وقد تحدّثوا عن أحداث الثورة بعيون الأطفال وهم الآن قاماتٌ سامقة في الثقافة والعلوم والآداب والإعلام وتبوأ بعضهم مناصب عليا في الدولة، وقد استرجعوا ويلات الحرب التي لم تفرق بين الكبار والصغار، وعن معاناتهم الشخصية كل من منطقته الجغرافية، وفي مدخل الكتاب أدرج الدكتور بدوره ذكرياته الشخصية عن أحداث حرب التحرير التي عاشها في قريته “عشوبة” بالقبائل.

وأوضح أن السبب الرئيسي لبروز فكرة الكتاب هو رسوخ أهوال جرائم الاستعمار الفرنسي في ذاكرته رغم مرور عقودٍ من حدوثها، وراح يصف مأساة ومحنة قَنْبلة الطيران الفرنسي B26، لقريته عشوبة في جوان 1958 وكيف عاشها وهو صاحب خمس سنوات وارتقاء 13 شهيدا، بين الأطفال والنساء والرجال، وهجرة السكان كل إلى وجهة معينة، إلى أن أقام الجيش الفرنسي محتشدا عاش فيه أربع سنوات يصف فيها معاناة الجوع والأمراض وانعدام أدنى شروط الحياة في المحتشد، ليعود إلى الحديث عن استشهاد والده رحمة الله إثر قصف آخر للقرية وكيف شاهده محمولا على سُلّم ورأسه يتدلى في صورة مؤلمة قاسية، متذكرا محاولة الجيش الفرنسي استماتة السكان من خلال عمليات العلاج وختان الأطفال وتوزيع بعض بقايا الأكل على الأطفال الخ…

بعد كل ذلك شرع الدكتور فراد في توزيع صفحات الكتاب على مجموع 24 كاتبا من أطفال الثورة ورجال اليوم وكفاءات الأمة كما أشار، ولأن المقام لا يسمح باستعراض تفاصيل ما كتبه كل واحد من المشاركين، فإننا سنحاول الإتيان على ذكر قائمة المشاركين كما أوردها صاحب المبادرة مع التوقف أحيانا عند بعض المقالات على سبيل المثال دون تفضيل عمل وجهد أحد على الآخر من السادة الذين استجابوا لدعوة ونداء الأخ أرزقي فراد لإثراء المكتبة الوطنية ودعم الذاكرة الوطنية بهذه الشهادات الحية البريئة التي توقظ من جديد الروح الوطنية لدى الأجيال الجديدة واللاحقة للمحافظة على هوية الأمة بأبعادها ومكوناتها وسلامة ترابها، وفيما يلي المشاركين بحسب التسلسل الأبجدي لأسمائهم:

1) “بعض صور الذاكرة خلال حرب التحرير” للأستاذ حبيب السايح من سعيدة، إذ تذكّر سبع صور من البيت الذي ولد فيه بين 1950 و1952 موزعة بين صورة المجاهدين وهم في ضيافة عائلته وقدوم العسكر إلى بيتهم، وقتل فتاة صغيرة بقنبلة الطائرة الصفراء، ولم يتذكر أنه عاش طفولته ولا يحتفظ بتذكارات فرح ولا بألوان الملابس الجديدة، مع تسجيل استشهاد أخيه البكر في أولاد بليل بينما اغتيلت أخته ليعيش محن الحرب ومآسيها.

2) “طفولتي بالأوراس خلال الثورة التحريرية” لكاتب هذه الأسطر بشير فريك إذ أوردتُ عدة محطات في عناوين فرعية وهي: طفولة معذبة شاقية، ومجاهدون يتجهون إلى تونس في شكل دوريات لجلب السلاح، ومعارك جبل الرفاعة نحو 20 معركة حسب المجاهد فرحات نجاحي في مذكراته، ومحرقة غار بن شطوح التي استشهد فيها 119 مواطنا بالغازات السامة ونجاة أخي عبد الله أطال الله عمره، واستشهاد الوالد رحمة الله في 1959 ومن ثمة رحلة الهجرة على دوار البيطامات قرب عين التوتة، وتم التذكير بتلك المغارة العجيبة التي كانت تأوي شباب الدوار، ولم يتم اكتشافها، وكان لابد أن استرجع مأساة استشهاد أخي عياش رحمه الله، وبكل ألم إلى اليوم، أتذكر كيف أقدم أحد المجاهدين على ابتزازي كابن شهيد وكيف هربت ليلا لتنهش الكلاب جسمي النحيف وأنا في الحادية عشر من العمر وتوقفت عند ملحمة لالة زينب بيطام البطولية التي أنقذت ضرتها وشرف زوجها والعرش والثورة عندما انتشلت بقوّة ضرتها الصغيرة الجميلة من أيادي الهمجية الاستعمارية.

3) “طفولتي في خضم أحداث حرب التحرير” بوجمعة عشير، استعرض فيها بعض الذكريات الطفولية في قريته وحياة البؤس والشقاوة لاسيما بعد وفاة الوالد وتولي الوالدة أعباء العائلة في ظروف الثورة سواء في الدوار أو في قسنطينة.

4) “من ذكريات الطفولة في مدينة قسنطينة” للسيدة حليمة جغرود، وهي المرأة الوحيدة المشاركة في هذا الكتاب “الجماعي”، وقد ولدت في بيت كُتب له أن يكون مقرا للفدائيين في مدينة قسنطينة، متذكرة انتشار العساكر في شوارع المدينة بكلابها وهي تقوم بمداهمات البيوت وتوقيف واعتقال المواطنين إلى الهجرة من قسنطينة إلى الجزائر العاصمة، وهي مقتطفات من كتابها “نفحات من قسنطينة” حليمة جغرود الأمل للطباعة.

5) أما الإعلامي خليفة بن قارة فكانت مساهمته تحت عنوان “كيف أحرق الفرنسيون قريتنا” ويروي فيها كيف قامت القوات الاستعمارية بقَنْبلة زاوية أولاد سيدي امحمد التي تقع على بعد نحو 30 كلم عن مدينة بسكرة بعد أن اغتالت سبعة من شبان القرية، وسقوط طائرة عسكرية عندما أعطيت لها الأوامر بقَنْبلة صومعة المسجد واستشهاد نحو 20 مجاهدا بعد أن كبدوا العدو خسائر فادحة إثر اشتباك بطولي مع عساكر العدو بالقرية المدمَّرة.

6) أما الأديب رابح خدوسي، وهو ابن منطقة الأطلس البليدي، فقد سرد ذكرياتِ طفولته من أحداث ومعارك وعمليات عسكرية من قَنْبلة وتمشيط ومحتشدات وقصف الأطفال بالطائرات، ويروي كيف انفجرت قنبلة يدوية بين يديه إذ كان يعتقد وهو طفل صغير بأنها لعبة أطفال، ليصف في النهاية بلغة الأديب فرحته الطفولية بيوم الاستقلال.

يُتبع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!