الرأي

شهود.. بخلاء وكسلاء!

جمال لعلامي
  • 3635
  • 8

لم يعد من السهل الممتنع، جمع شهادات واعترافات جديدة، والسبب معروف وموضوعي: إمّا أن “شهودا” تكلموا ولا يريدون تكرار ما قالوه واستنساخ القديم، وإمّا أن “شهودا” يرفضون الكلام أصلا من باب أن “الصمت حكمة” وأن “الكلام من فضة والسكوت من ذهب”، وإمّا أن “شهودا” آخرين انتقلوا إلى جوار الرحمان، تغمّدهم برحمته الواسعة وأسكنهم فسيح جناته، وألهم ذويهم جميل الصبر والسلوان.

لكن، رغم هذه المعطيات والوقائع، فإنه من “الخسارة” أن يضيع التاريخ وتأريخ الأحداث ويضيع معها الجيل الجديد، الذي لم يعش أحداثا مفصلية، في مسار الجزائر المستقلة، تاريخيا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا وشعبيا وثقافيا، وبطبيعة الحال، عندما يصمت “شهود الحقّ”، تصبح الأبواب والنوافذ مفتوحة على مصراعيها أمام “شهود الزور”، وقد يكون تحريف الحقيقة وتزويرها والتعتيم على صانعي الأحداث حتما مقضيا!

تعود ذكرى رحيل الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، ذات 11 جانفي 1992، لتصطدم بـ “انقراض” أو “تآكل” من هم أهل للشهادة في حقه أو ضده، ولتسجيل بصمات تلك المرحلة الحساسة والخطيرة، بعيدا عن التهويل والتأويل والتقليل، وبعيدا أيضا عن الأحقاد ونزعة الانتقام وتصفية الحسابات، أو تدوين التواريخ والوقائع بمداد “القيل والقال” بدل الدليل وصحّة الأحوال!

نعم، قد لا يكون الكثير من جيل الاستقلال مهتما بما حدث خلال الثورة، وغير مستعد لمتابعة خبايا وخفايا مقاومة الاستعمار وطرده بالدم والنفيس، كما قد يكون جيل الـ 2018 غير مبال بما حصل في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، ومنهم للأسف من لا يعرف “تأميم المحروقات”، ولا “أزمة” التسعينيات وسنوات “المأساة الوطنية” ومكافحة الإرهاب والانتصار عليه بالتحدّي والتصدّي!

لكن، مثل هذه الحقائق تخدم الجيلين، السابق واللاحق، القديم والجديد، الأحياء منهم والأموات؟ هل يُمكن التقدّم إلى الأمام إذا كانت المرآة العاكسة “مكسورة” أو حاجبة للرؤية نحو الخلف؟ أوليس مثل هذا التشخيص المؤلم، بإمكانه أن يوسّع القطيعة والمقاطعة بين جيلين لا ينبغي أبدا أن يتمزق الحبل السّرّيّ بينهما، وإلاّ لضاع الجمل بما حمل!

مثلما هناك وسط الجيل الجديد “كسلاء” لا يأبهون إلاّ لما يعيشونه اليوم، فإن هناك وسط الجيل القديم “بخلاء” لا يكترثون لنقل الماضي إلى الحاضر حتى يستقيم المستقبل بأضواء كاشفة لا يتيه فيها ولا يُظلم أحد، ويأخذ كلّ ذي حقّ حقه، شريطة أن يتقبّل كلّ طرف الآخر، ويقبل المتورطون والمذنبون في ما ضرّ البلاد والعباد “حكم القاضي” دون عقدة ولا خلفية، ولا تأخر في توبة المغرّر بهم والتائهين و”الخلاطين” والطمّاعين، مقابل ردّ الاعتبار لمن يستحق جزاء وشكورا، أو ضاع حقه لسبب من الأسباب!

مقالات ذات صلة