صفر في “الحساب” ؟
أيام قليلة مرّت على تثبيت قانون المالية الجديد، الذي بنى كالعادة حياة الجزائريين على سعر مرجعي معيّن، لسلة النفط، كانت كافية لتؤكد بأن الذين “يحسبون” في البلاد، لا يعرفون لا فيزياء ولا كيمياء ولا علوم طبيعية ولا حتى عمليات الجمع والطرح، وتأكد مرة أخرى بأن الذين يخططون في الحكومة الجزائرية، لا علاقة لهم بالاقتصاد نهائيا، بدليل أنهم وضعوا سعرا مرجعيا بسبعة وثلاثين دولارا لبرميل النفط، وبعد مرور أسبوعين انخفض السعر إلى حوالي خمسة وعشرين دولارا، وقد يزداد انخفاضا، وقد يرتفع أيضا، كما تريده البلاد القوية مثل أمريكا واليابان وحتى البلاد الضعيفة مثل المملكة العربية السعودية وإيران، وتبقى البلاد التي “تحيا وتموت” على النفط مثل الغارق في أمواجه.
“سعر النفط الجديد يصيب الحكومة بالصدمة والحكومة مجبرة على قانون مالية تكميلي والوزراء ينظرون إلى بعضهم البعض”، كلها عناوين برزت إعلاميا، بعد أن سجل النفط رقمه القياسي في النزول، وبقدر ما تعني هذه العناوين حيرة الذين يسيّرون البلاد، بقدر ما تؤكد بأنهم فعلا بعيدون عن المأمول. فعندما يتبخر قانون مالية مبني على سعر معيّن في عشرة أيام فقط، وبهذا الفارق المالي الضخم جدا، فمعنى ذلك أن الذين يريدون حل مشكلة انهيار أسعار النفط، هم في حد ذاتهم مشكلة بالنسبة للجزائر.
أما المشكلة المعقدة، فتكمن في المعارضة التي راحت تنتقد الزيادات التي أقرتها الدولة ضمن قانون المالية الجديد، ولا واحد من هؤلاء استشرف انهيار سعر النفط بهذا الشكل المريع، الذي جرّ البلاد الآن إلى المقصلة الاقتصادية، حيث لا يسمح فيها للمشنوق حتى البوح بآخر أمنية مخزونة في صدره، قبل تنفيذ الحكم.
وستكون نكتة لو تجرّأت الحكومة بعد هذا الصفر الذي نالته في الحساب البسيط، ولجأت إلى قانون مالية تكميلي قدمت فيه سعر نفط جديد، نعلم بأن صعوده أو نزوله ليس بيديها، ولا حتى على خاطرها. وإذا كان الألم في كون قانون ماليتنا بقي الوحيد في العالم المبني على ما وهبه الله لنا من ثروة نفط، فإن المؤلم أكثر أن لا نتحكم في الخارطة السعرية التي تسافر عبرها هذه الثروة بين قارة وأخرى، وبين صباح ومساء، ويكون مؤلم أكثر لو رجعنا إلى صحيفة صهيونية لا يهمّها سعر النفط، ولا تبنى سياسة دويلتها التوسعية عليه، وهي يداعوت أحرنوت، التي كتبت في منتصف ديسمبر الماضي، بأن المملكة العربية السعودية، التي تريد عرقلة روسيا وإيران إقتصاديا ضمن مخطط أمريكي عبر انهيار سعر النفط، ستجد صعوبات اقتصادية كبيرة عندما ينزل النفط إلى حدود الخمسة وعشرين دولارا في منتصف شهر جانفي. وعندما تكون الدولة العبرية تعلم بأن سعر البرنت سيقرع الرقم العشريني وهي غير معنية بأرقامه، فلا نفهم لماذا لا تعلم حكومتنا الموقرة هذا المصير، وهي التي طلبت من الشعب منذ سنتين فقط بأن يرقص ويأكل بلا حساب ويحمد نعمة النفط، وهاهي الآن تطلب منه نسيان رائحة ولون الكثير من المأكولات؟