-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صفعة لأتباع السلطان.. أردوغان

صفعة لأتباع السلطان.. أردوغان

ما تزال زيارة الرئيس الإسرائيلي في 9 مارس إلى العاصمة التركية أنقرة والاستقبال الكبير والحافل الذي حضي به من قبل الأتراك وعلى رأسهم “رجب طيب أردوغان” الذي صدّع طويلا رؤوس الكثيرين بدفاعه عن القدس الشريف وعن فلسطين المحتلة، تثير الجدل والنقاش وبخاصة في عالمنا العربي والإسلامي الذي تفاعل أكثر من غيره حول هذه الزيارة، تفاعلٌ أقل ما يوصف إنه إمّا غباء أو حسن نية مبالغ فيه أو أنه امتدادٌ للأتراك، في موجة ردود فعل وكأنهم صُدموا أو لم يتوقعوا هذه الخطوة من الرئيس التركي، في حين لو انتزعت منهم عواطفهم سيدركون لا محالة بأنه رجلٌ انتخبه شعبه لتطوير بلده وبلده فقط وهو يقوم بالمستحيل لأجل تحقيق وعود ناخبيه، فليس الخطأ في اعتقادي في أردوغان بقدر ما هو  في أتباعه في المنطقة والذين لم تعترف لهم تركيا بذاك، فهو لا يعدو  أن يكون حنينا لأمجاد العثمانيين، لكننا في زمن غير الزمن وفي ظرف غير الظرف وفي عالم غير العالم.

وقبل تقييم الموقف التركي الرسمي وخلفيات هذه الخطوة وأغلب ردود الأفعال سأنبه إلى الملاحظات العشرة (10) المهمة التالية:

أولا: لا يجب تضخيم هذه الخطوة كثيرا لأنها أمرٌ طبيعي وعادي بين بلدين تربطهما اتفاقيات رسمية طويلة الأمد (وهذا التطبيع مدانٌ ومجرَّم مهما كانت مبرراته من قبل أي دولة)، ولعل واحدا من تجليات هذه العلاقات والاتفاقيات هي زيارات الدولة المتبادلة ولا نستبعد كذلك أن يقوم الرئيس التركي بذات الخطوة إلى العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، وهذا عُرفٌ ديبلوماسي معروف وعادي بين دول صديقة تربطهما مصالح مشتركة.

ثانيا: المنطقة التي تفاعلت والشعوب التي تألمت كالعادة هي شعوب المنطقة العربية، وخاصّة ما أسميهم أنا بأتباع السلطان الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما تفعله تركيا من سياسات تريد من خلالها تطوير تركيا لا تطوير العرب وزعامة العالم كما فعل أجدادهم لا لتمكين العرب الذين كانوا وسيظلون في ثقافة وعرف وسياسات الدول الكبرى أرض امتداد ومناطق نفوذ فيها أتباع إما بالقناعة أو الولاء أو العمالة لا أكثر ولا أقلّ، صحيحٌ أن خيبات الأمل في منطقتنا العربية وفشل أغلب تجارب التغيير جعلتنا نتفاعل مع أيِّ بلد صديق أو مسلم، ولكن ليس إلى درجة الارتماء في الأحضان، فنحن في زمن الدولة القُطرية التي تقوم على علاقات ندية مع أي بلد نظير لها في المكانة ومعدلات النمو  والتطور.

ثالثا: الذي تألم واحتجّ وغضب هو بعض العرب ممن صدقوا أكذوبة تحرير القدس من قبل العثمانيين الجدد، الأتباع الذين يدينون بالولاء لتركيا أكثر مما يدينون بالولاء لبلدانهم، في حين أن القضية لا تعدو حزبا حاكما وصل إلى السلطة في بيئة مضطربة جدا وفي مجتمع تركي منقسم بين العلمانيين والمحافظين، وقد يسقط هؤلاء في أي انتخابات مقبلة وتعود تركيا إلى حضن الجمهوريين والغرب وكأنك يا بوزيد ما غزيت كما يقول المثل الشائع، ولذلك أدعو صدقا أن يغيِّر العرب من نظرتهم إلى تركيا، لا للحقد أو الكراهية، ولكن للواقعية التي تفضي إلى التعامل مع الأحداث تعاملا موضوعيا قائما على المصالح المتبادلة مع الأتراك وليس تمني قيام حضارة تركية تحكم منطقتنا من جديد.

رابعا: هل احتج الأتراك على زيارة الرئيس الإسرائيلي؟ شخصيا لم أشاهد لا هبّة شعبية ولا غضبة جماهيرية، فلا العلمانيون انتقدوه ولا أتباعه من التيار المحافظ داخل تركيا انتقدوه، لأن التطبيع في تركيا ثقافة تربت عليها الأجيال المتعاقبة وفُرضت عليها فرضا من قبل الحكومات العلمانية السابقة.

خامسا: هذه ليست تركيا العثمانية ولا تركيا الخلافة التي كانت سابقا تقارع المحتلين وتقوم بالفتوحات البلد تلو الآخر وحمت الإسلام والمسلمين لقرون طويلة من الزمن مع بعض الانتهاكات التي لا تخلو منها حضارة أو بلد أو حكام في حق منطقتنا، ولكنها تركيا البلد الصغير والعلماني الذي تكاد تختفي فيه مظاهر الإسلام والتديّن، إضافة إلى أنه بلدٌ منقسم مجتمعيا وسياسيا وأيديولوجيا انقساما حادا وعميقا، فالتيارات العلمانية التي تعادي الدين وتعادي إسلامية الشعب وهوية البلد هي تياراتٌ متجذرة في المجتمع ومتأصِّلة في ثقافته وحكمها الذي امتدّ عقودا طويلة من الزمن نجح في مسخ الشعب التركي وتحويله عن عقيدته ومقدَّساته.

سادسا: “أردوغان” ليس السلطان “عبد الحميد الثاني”، ويجب أن يفهم الأتباع المعذبون بوهم الخلافة وتحرير القدس عن طريق الأتراك هذا التحول الذي شهدته تركيا خلال 100 سنة المنقضية، لا يجرؤ الرئيس التركي أن يتملص من الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني لأنه لم يحاول أصلا فعل ذلك، وحتى غضبته على إسرائيل كانت بسبب قتل الصهاينة لمواطنين أتراكا حاولوا رفع الحصار على قطاع غزة فيما يُعرف بأحداث سفينة مرمرة قبل سنوات خلت، ومع ذلك لم تقطع العلاقات ولكنها بردت شيئا ما لتخفيف توتر الأتراك في الداخل لحسابات سياسية كذلك وانتخابية بالدرجة الأولى، ولذلك كل محاولة لإيهام الرأي العام العربي والإسلامي بأن هناك سلطانا سيحرر القدس والأراضي المغتصبة هو وهمٌ غير حقيقي، ولا يلام الأتراك على ذلك لأنهم لم يصرحوا بذلك أصلا، ولكنه وهم تشكل في المنطقة العربية بقناعة وتسويق بعض الأتباع هنا وهناك أو ما يصطلح عليهم بـ”الجاليات التركية في البلاد العربية” وهم من أبناء البلد وليسوا لا أتراكا ولا مكلفين من قبل الدولة التركية بالتطبيل لهم أو مساندتهم.

سابعا: من قال إن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ليس مقتنعا بالتطبيع؟ وما دلائل رفضه له؟ وهل هناك على الأرض ما يثبت أنه ضد تطبيع بلده مع الكيان الصهيوني؟ لكن في المقابل هناك أدلة كثيرة على رغبة الأتراك في تطبيع علاقاتهم مع الكيان الصهيوني تصريحا وزيارة ومفاوضات وغزلا ديبلوماسيا متبادلا، لا بل ومبادلات تجارية ومالية واقتصادية مكثفة، فهل يعقل أن تبرير الزيارة من قبل “أردوغان” مفاده “أنني أخبرت الرئيس الإسرائيلي عن أهمية القدس وضرورة التعايش السلمي بين الجميع فيها”، معقولٌ هذا اللف والدوران؟! هذا هو التنويم الحضاري الذي يستخدمه الأتراك ويؤمن به العرب العاطفيون والحالمون أحلاما أغلبها أحلام يقظة لا وقائع على الأرض، لم يعط الأتراك أبدا ما يدلل على أنهم ضد التطبيع وإلا ما المبرر، لا أقول للزيارة، ولكن لهذا الاستقبال الحافل والمبالغ فيه لرئيس الكيان الصهيوني؟

ثامنا: هناك من يقول بأن “أردوغان” لا يلام على التطبيع مع الكيان الصهيوني وأنه يتعامل مع أمر واقع وجده هو وحزبه عند وصوله إلى السلطة، وهذا أمر صحيح لكنه ليس مبررا ولا حجة على ديمومة العلاقة مع الكيان الصهيوني بهذا الغزل والديبلوماسية المفرطة في الاستعراض، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن التطبيع هو ذاته سواء من أسَّس له لأول مرة أو من يرعاه ويحميه ويواصله، وهذا الذي يقوم به الرئيس التركي وبإبداع كبير وبلغة جسد تبدو مقتنعة جدا، ببساطة لأنه حاكم لبلد كبير ومهم وليس كبير دوار أو عرش أو قبيلة، ناهيك عن أنه لم ينتبه ولا يعير أي اهتمام بمن انتقدوه في منطقتنا العربية ولم يقدّم لا مبررات ولا إجابات ولا تساؤلات ولا عن مخارف من انتقدوه.

تاسعا: يمكن لأي بلد أن يقطع علاقته مع بلد آخر، وقد حدث ذلك كثيرا في العصر القديم والحديث، فلماذا لم يفعل “أردوغان” مع إسرائيل هذه الخطوة؟ ليس لأنه لا يستطيع ولكن ببساطة لأنه مقتنع هو وحكام تركيا، أفرادا وأحزابا ونخبا ومؤسسات، بهذه العلاقة.

عاشرا: كملاحظة أخيرة أن اللوم يقع على بعض العرب والمسلمين الذين ما تزال تسيّرهم أوهام الماضي وأحلام التاريخ في عودة العثمانيين على المسرح العالمي، وبدل هدر  هذه الطاقة وجب تصريفها في صناعة قصص نجاح داخل بلدانهم ليكونوا هم الحضارة المقبلة وليس لغيرهم أتراكا كانوا أو آخرين.

كل محاولة لإيهام الرأي العام العربي والإسلامي بأن هناك سلطانا سيحرر القدس والأراضي المغتصبة هو وهمٌ غير حقيقي، ولا يلام الأتراك على ذلك لأنهم لم يصرحوا بذلك أصلا، ولكنه وهم تشكل في المنطقة العربية بقناعة وتسويق بعض الأتباع هنا وهناك أو ما يصطلح عليهم بـ”الجاليات التركية في البلاد العربية” وهم من أبناء البلد وليسوا لا أتراكا ولا مكلفين من قبل الدولة التركية بالتطبيل لهم أو مساندتهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!