-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صمود أسطوري للشعب الفلسطيني

صمود أسطوري للشعب الفلسطيني

لا أظن أن هناك منطقة في العالم تعرّضت لما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم، وصمدت بهذه الطريقة الفريدة من نوعها ومازالت. ليس فقط على المستوى العسكري، إنما على المستوى الشعبي والمدني. لا المدني سلَّم في الأرض ولا العسكري أوقف الدفاع عن النفس. كل الظروف تدفع بالمواطن الفلسطيني إلى الرضوخ للإرادة الاستعمارية وقَبول شروط العدو..

إلا أن ذلك لم يحدث.. يضرب في مكان، تحطَّم مساكنه، يقتل أبناؤه، تشرّد عائلته، يبقى أفراد منها تحت الأنقاض.. ينتقل إلى مكان آخر من أرضه ووطنه، وإن كان بلا سقف ولا ماء ولا مؤونة ولا أدنى متطلبات الحياة.. ويصمد! أيّ إرادة هذه وأيّ شعب هذا؟ وأيّ إصرار على التحدي والبقاء والانتصار؟ بلا لقمة عيش يقاوم، بلا مأوى يقاوم، بالحياة يقاوم، بالموت يقاوم، بالضحايا وبالأشلاء يقاوم، بالألم يقاوم، أيّ شعب هذا، وأيّ إرادة هذه؟
وفي الجانب الآخر، باليد الأخرى التي تحمل السلاح لا يمل ولا يستكين ولا يتوقف عن الفعل وليس ردّ الفعل.. أمام عدو غادر، متعطّش للدماء، منتقمٍ، منكسر، يحاول ردّ عذرية افتقدها، يتلقى كل الدعم من أمريكا والغرب ومن والاهم ماليا، وعسكريا، وسياسيا، وإعلاميا، وحتى نفسيا ليفعل ما يفعل، ومع ذلك، وأمام كل هذا، تجد الشاب الفلسطيني بسلاح صنعه بيده، يخيف عدوّه، يرعبه، يقضي عليه من مسافة الصفر، يجعل آلياته العسكرية الضخمة، التي أوهم دولًا بأكملها بقدراتها الفائقة، تبدو كلعب أطفال بين يديه، يقترب منها بثقة، يلصق به “الشواظ” المتفجّر بثبات، ويفجّرها كقشة تأكلها النيران.. أيّ مجاهد هذا؟ وكيف سيهزم وهو الطالب للشهادة المنتظر لها في أيّ لحظة، الرافض للبقاء تحت سلطة الاحتلال مستعبدًا.. لقد قرّر واختار بين أمرين لا ثالث لهما: النصر أو الاستشهاد.. في كل بيان عسكري يختم بها أبو عبيدة بيانه في ثقة من أمره لا نظير لها . “إنما هو جهاد: نصر أو استشهاد”، بديلان لا ثالث لهما.. أيّ رجال هؤلاء؟ وهل يحقّ لآخرين التحدث باسمهم أو التفاوض بديلا عنهم؟ هل يحقّ للأشقاء أو الأصدقاء أو الوسطاء تقديم البدائل لهم؟ من يفيد من في مثل هذه الحالات؟ هم أعلم بما يعانيه أسراهم، وهم أعلم بما يعانيه أطفالهم ونساؤهم وبناتهم وآباؤهم وأمهاتهم، فمن يستطيع ادّعاء حق تقديم مقترحات حلول لهم أو التفكير نيابة عنهم؟ لم يبق لهم ما يخسروه.. تم تحطيم مساكنهم وتهجير أهاليهم بقصف لم تعرفه الحروب من قبل، وتم جرف حتى الشوارع التي يمشون عليها، وجعل المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء ركاما مسوّى بالأرض، ما الذي بقي للعدو يفعله لكي يتم التفاوض معه وعلى أي شروط، وهو مازال يقصف ويدمّر ويمنع الغذاء والماء والدواء ويسجن ويعذب الأبرياء  في المعتقلات والسجون القديمة والمستحدثة اليوم؟ كيف يقبل التفاوض مع من يضع البندقية على رأس مفاوضيه ولا يتردّد في قتلهم الواحد بعد الآخر حتى وهم يتفاوضون؟!.. لم يبق أمام الشعب الفلسطيني بعد هذا كله سوى أن ينتظر الإبادة الجماعية أو النصر الأكيد، لا حلول وسطى بين هذا أو ذاك.. لذا هو اليوم يقاوم بما لديه من إمكانات وقدرات وإرادة وصبر.. فدعوه يقاوم وقد علم أنه وحده في الميدان.. وهو يعلم أنه قادر على افتكاك حقوقه بنفسه.. ويفرض على عدوه الحلول.. وهو يفعل ذلك كل يوم، وكل يوم يزداد إصرارا على تحقيق هدفه، وكل يوم يزداد ثقة في نفسه لا شعورا بالهزيمة، عكس ما يحدث بداخل عدوه المدجّج بالسلاح، المهزوم داخليا، المعتدّ بقوته الجوية الظالمة وبحليفه الأمريكي والغربي الحاقد، الذي مازال يفقد كل يوم توازنه ويسحب جنوده من ساحات المعارك مهزومين مدحورين أو أشلاء.. هذا العدو الظالم الذي لم يرد التوقف عن ظلمه منذ أن وطئت أقدامه أرض فلسطين الطاهرة، بلا شك هو مهزوم إن اليوم أو غدا، وأنّ أصحاب الأرض الشرعيين منتصرون اليوم أو غدا، وذلك وعد من الله حقّ.. “فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون”، إنما النصر صبر ساعة، وقد اقترب موعد هذه الساعة… وسيدحر العدوان الصهيوني ويخرج مهزوما مدحورا يجر أذيال الخيبة والهزيمة… ويومئذ يفرح المؤمنون…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!