-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صيف الجزائر…

بشير مصيطفى
  • 4104
  • 2
صيف الجزائر…

توسعت رقعة الاضرابات هذا الأسبوع لتشمل عمال مكاتب البريد على مستوى الوطن، ليصطدم الأجراء والموظفون بفصل آخر من المعاناة ساعات قليلة بعد اختتام اجتماع الثلاثية بداية الأسبوع الماضي، وجمد عمال الجامعات إضرابهم للسماح بإجراء امتحانات آخر السنة الأكاديمية ولكنهم مصممون على معاودة الاحتجاج قريبا…

  • ونقل الأطباء والمقيمون اعتصاماتهم الى مدينة وهران بعد أن ضاقت بهم قوات الأمن في العاصمة، وشل موظفو البلديات بلدياتهم في حركة احتجاجية رمزية قالوا إنها ستتكرر بانتظام، وعاد الأساتذة المستخلفون للإضراب لأن الوصاية لم تحسم نهائيا في ملف ادماجهم، وانضم أعوان الأمن والحراسة في مواقع شركة “سوناطراك” للحركة الاحتجاجية عبر الوطن رافعين الى الأعلى مطالبهم، وقال ممثلون عن نقابات الأساتذة بأن الدخول الاجتماعي المقبل سيكون ساخنا بكل تأكيد.
  • وعلى الضفة الأخرى من المجتمع، شهدت الأيام الأخيرة تصاعدا لافتا في عدد محاولات الانتحار وإحراق الجسد لتتأكد تقديرات هيئة رائدة في الجزائر في مجال الرصد الصحي والنفسي “فورام” والتي نشرت أواخر العام الماضي، مفادها أن المتوسط الوطني للانتحار لامس سقف محاولة انتحار واحدة في كل ساعة، وعملية انتحار فعلية واحدة كل 12 ساعة، والجديد في الأمر أن تنتقل الظاهرة الى مجتمع النساء وإلى المحاولات الجماعية، في رسالة واضحة الى أن دوافع الانتحار تطورت نفسيا وباتت تحمل مدلولا اجتماعيا.
  • وفي مشهد آخر، قبض على مواطن يسكن القصدير بتهمة سرقة الماء من حنفية هيئة عمومية بالعاصمة، ويعاني مواطن آخر الأمرين من أجل استرداد دين له على نائب سابق في البرلمان، ولو نشر القضاء أخبار المظالم وتجاوز الحقوق كما هي في المحاكم لاشتعل الرأس شيبا.
  • فماذا يعني أن يبلغ التأفف مداه في بلد يزخر بإمكانات الطبيعة والموارد؟ وما المنتظر حدوثه والبلد يتوسط رقعة جغرافية تشهد ثورة شعبية في بلدين على الأقل؟
  • التأفف الشامل
  • لكل شريحة من المجتمع انشغالاته، ولقد اشتدت حالة الانشغال حتى مست “الباترونا”، ورافع أرباب العمل في لقاء الثلاثية الأخير من أجل مطالب محددة تعكس وضعية المؤسسة الجزائرية وهي تحصي مشاكلها. ومل الاتحاد العام للعمال الجزائريين من تعداد مطالبه في جوانب: النظام التعويضي، الحماية الاجتماعية، حفز القطاع العام، حتى رأت السلطات تخصيص لقاء كامل للجبهة الاجتماعية الخريف المقبل. والتحقت الحكومة بصف المشتكين وقالت بأنها تعاني من اقتصاد مواز يحرم الخزينة من إيرادات مهمة، ومن حالات فساد تسيء لصورة الجزائر في الخارج، ومن أسواق فوضوية تسيء الى تقاليد التجارة، وفي نفس الوقت يقف التجار الفوضويون من الحكومة على طرفي نقيض، بل يرون في نشاطهم حقا مشروعا في انتظار أن تجد السلطات لهم مناصب عمل قارة.
  • ورافعت البنوك مؤخرا وقالت بأنها تعاني من ظاهرة فائض السيولة التي لامست مستوى 1700 مليار دينار، ما يزيد قليلا عن 21 مليار دولار، وأن الاستثمار في الجزائر لا يواكب الادخار، وألمحت السلطات النقدية الى أن الزيادة في أجور الوظيف العمومي ستلقي ظلالها على مستوى الأسعار -وهو ما أشرنا اليه غداة إعلان الحكومة عن اجراءاتها الجديدة بخصوص الأجور بداية السنة- وأن التضخم هذه السنة سيرتفع الى 4 بالمائة.
  • ولم تنجو الحياة السياسية نفسها من بعض التأفف بعد أن وصفت أطراف حزبية ووطنية مشاورات “هيئة التنسيق لأجل الاصلاحات” بغير المجدية، لأنها تعيد للذاكرة أسلوب الحوار الذي رافق الأزمة الأمنية للبلاد وتستثني فعاليات فكرية ونخبوية تمثل الجيل الجديد. وفي نفس السياق دخلت أحزاب “التحالف الرئاسي” في معادلة الانتقاد والانتقاد المضاد على سلم “الرأي الشخصي” وليس “البرنامج الحزبي” أو “اتجاه المعارضة” بما يوحي بدخول أول تحالف حزبي من نوعه في الجزائر خريف العمر.
  • وهكذا، عمّ التأفف من أوضاع هي نتيجة تراكم أخطاء تاريخية في الجانبين السياسي والاجتماعي، ظل السكوت يلفها لأسباب سيوسيولوجية كتلك التي رافقت الأوضاع في كل الدول العربية التي تشهد ثورات شعبية، ولكنه سكوت أخطر من التعبير في حالة تحول تلك الأسباب وتطورها.
  • من هنا نبدأ
  • لفت نظري تصريح لرمز ثوري في الجزائر ممثلا في المجاهدة “زهرة ظريفة بيطاط” بداية الأسبوع وهي تدعو لإصلاحات سياسية جذرية، ولو أنها مالت الى فكرة “المجلس التأسيسي” كبديل للمؤسسات القائمة، واللافت في تصريح المجاهدة هو موقفها المتميز والشجاع وهي القريبة جدا من دوائر القرار والرأي، وكلامها عن اجراءات ميدانية قريبة المدى تصب في خانة الرسائل القوية التي ما زلنا ندعو اليها والتي ينبغي على السلطات الفعلية للبلاد إطلاقها حتى يغادر الرأي العام اللا مبالاة وينتبه المواطنون -كلهم- الى أن مصير البلد قد يصنع هذه الأيام.
  • بالفعل، لا زلنا نعاني من الثقة المفقودة في وعود السلطات وفي وعود الحكومة، ولو كان الأمر غير ذلك لما علا سقف المطالب وتوسعت رقعة الاحتجاجات كلما وزعت القطاعات الوزارية وعودها. لنسافر الى العاصمة العميقة -فضلا عن الجزائر العميقة- لنقرأ اللافتات وهي تطالب بما يأتي: حضورالسلطات العمومية، حضور الولاة، رحيل بعض الوزراء، التحقيق في الملفات الاجتماعية، تطبيق العدالة، تسوية سكنات الأحواش.
  • أما داخل القطاعات الوظيفية فلا يزال الحديث في بعضها عن ترسيم موظفين قضوا 15 عاما الى 18 عاما في المنصب، وعن متابعات قانونية لإطارات أماطوا اللثام عن ملفات فساد، وعن نقائص في التسيير واستغلال للنفوذ وتعيينات تحت الطلب وتهميش للكفاءات.
  • تستطيع السلطات أن تلفت انتباه المواطنين الى مستقبل البلاد إن هي تمكنت من إحداث حراك في الاتجاه العملي والإيجابي وعلى المدى القصير جدا، كما يمكنها أن تحتفظ بمشهد التأفف الحالي واللا مبالاة وعدم التحسب لتطور المشهد الاجتماعي، ولكنها قد تفاجأ بوضعية شبيهة بوضعية الفريق الوطني لكرة القدم وهو يعد جمهوره بصيف سعيد قبل أن تنقلب الأمور الى جو ماطر وإنما بالأحزان.  
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • الأركيدة الجزائرية

    هيــهـات هـيـهـات .. إن موعد الصبح قريب

  • صابر

    تشخيص دقيق لوضعيتنا المتدهورة في جميع المجالات ولكن السلطة ومن بيدهم الحل يستهينون بمدى الخطر الذي يحوم حول البلاد ويهدد استقرارها .