-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" قاسمتهم أجواء رمضانية تضامنية وثورية حول مائدة الإفطار

طلاب فلسطينيون يروون “ألمهم” في غزة و”أملهم” في الجزائر

ب. ع
  • 859
  • 0
طلاب فلسطينيون يروون “ألمهم” في غزة و”أملهم” في الجزائر
ح.م

تزامنا مع ذكرى فتح مكة، في العشرين من شهر رمضان، فتح ديوان السياحة بقسنطينة، ونادي المتعاملين مع القطاع، وبعض الجمعيات والخيّرين، أبواب لقاء آخر مع أبناء فلسطين، من الذين ابتعدوا عن الأرض بأبدانهم، ولكن قلوبهم هناك في فلسطين تخفق ألما وأيضا أملا، في يوم قادم، لا يختلف عن أيام الحرية في الجزائر.
عنوان اللقاء فطور رمضاني بأطباق تقليدية قسنطينية، ومغزاه، إسراء من أرض الشهداء إلى أرض الأنبياء، حيث يصبح الإفطار، إصرارا على قهر من جوّعوك، والوحدة التي وحدها من ستمزق العدو.
تنوعت الأطباق التي كانت تسافر من قسنطينة إلى فلسطين، ولكنها بمذاق ثوري واحد، ترجمته المحنة المتبادلة ما بين فلسطيني ينتظر الحرية الكاملة، وما بين جزائري، ينعم بها ولم ينس ثمنها، ويشعر بما يبذله إخوانه من تضحيات.

العائلة هناك والإخوة هنا
يقول الطالب برعي جهاد، وهو رئيس الاتحاد الطلابي الفلسطيني في قسنطينة، بأن ما ينثره الجزائريون من كرم ومحبة للفلسطينيين، صار أمرا يثير الطمأنينة والسعادة لدى كل فلسطيني، صحيح أن أهلنا هناك في فلسطين يتألمون، ولكن إخوتنا هنا في الجزائر، وحدهم من يَدرون بأوجاعنا.
أما محمد مسلة ابن مدينة نابلس في قلب فلسطين، وهو طالب في معهد الطب فيقول: “الجزائر هو البلد الشقيق، الذي يجعلك تشعر بأنك مع أهلك، لا جدال في أن الحنين للبلاد وللأهل يعتصرنا، ولكن أصدقاءنا الجزائريين يرتقون بنا إلى ما نطمح من ألفة، خاصة أن تقاليد البلدين لا تختلف كثيرا، بل تكاد تتطابق”.

حديث عن الأحزان وآخر عن الأمنيات
ويأبى يوسف بريكة ابن مدينة غزة، وبالضبط هو من خان يونس، أحد أشهر مواقع القتال والمقاومة والشهادة في تاريخ الإنسانية، وهو طالب في كلية العلوم والاتصال، سوى أن يبصم على الروح المشتركة بين الجزائريين والفلسطينيين، وبكثير من الحنين إلى الأهل، والتثمين لتضامن الجزائريين يقول: “عندما بدأ الاجتياح البري لقطاع غزة، نزح أفراد أسرتي إلى مخيمات رفح، علمت بأن حارتنا في خان يونس نُسفت نهائيا، ولم يعد بيتنا أكثر من أطلال”، يتنهد يوسف حتى يكاد ينثر عبراته ويُكمل: “وجدنا بدلا عن رمضان فلسطين، رمضان قسنطينة، الصورة تقول بأنني طالب مغترب، لكني لا أرى ذلك، كرم الجزائريين وحبهم لفلسطين أقوى من صلة العروبة والدين، وبُعدي عن أهلي لا تطبيب له سوى هذه المشاعر النبيلة والأصيلة التي تأتينا من إخواننا هنا في قسنطينة، حيث أمام كل بيت كرم، بيت كرم، وبعد كل كريم، كريم”.
لا أزعم بأن تقاليد البلدين واحدة، فهي مختلفة بالتأكيد، ولكن أحيانا تنسف الألفة أي اختلاف، وتمنحك قوة للصبر والأمل أيضا.. هكذا يكمل يوسف بريكة كلامه.
وفي خان يونس أيضا، وفي كلية الإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة أيضا، يقطن ويدرس الطالب وسيم المصري، الذي فقد الكثير من الأهل والأصدقاء من الذين درسوا معه في الطورين الابتدائي والمتوسط، بفعل العدوان النازي على غزة، فيترحم عليهم ويحمد الله على أن عائلته نجحت في النزوح إلى رفح.
وتختلط مشاعر الافتخار بالجزائريين مع خوفه على أهله في رفح، وهو يحاول شرح ما يخالجه من مشاعر: “نقضي نهارنا وليالينا في الإبحار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بحثا عن أخبار أهلنا وأصدقائنا في غزة، نحاول أخذ الأخبار فقط من الصحافيين المعترف بمصداقيتهم، وبعد المواجع والفواجع، نعود لنستريح مع الحضن الجزائري الذي يمنحنا الإطمئنان، وهو أمر غير مفاجئ بالنسبة لنا”. ويصمت مطولا وسيم ثم يتنهد بقوة: “حسبي الله ونعم الوكيل، لم أسمع ولم أقرأ في حياتي، عن مدينة أو بلاد أو قطعة أرض أمطروها بالنار والحديد كما حدث لغزة، حرب غيّرت كل الموازين”.
تركنا يونس مع رفاقه يتبادلون حديث الشجن، بينما باشر القائمون على مطعم “البلاطان” بقسنطينة، مع اقتراب موعد الإفطار، وضع الأطباق على طاولات كانت تتزين بالعلمين الجزائري والفلسطيني، ومحاطة بمتطوعين أبوا إلا المساهمة في هذا الإفطار الجماعي على شرف الطلبة الفلسطينيين.

جميلات الجزائر وزهرات فلسطين
عُرفت الثورة الجزائرية بجميلاتها من جميلة بوحيرد وجميلة بوعزة وجميلة بوباشا، إلى جميلات أخريات صنعن بجمالهم أجمل قصص الكفاح، ونعرف حاليا فلسطين بزهراتها، بين طالبات رفعن التحدي، وغزاويات هناك تصنعن بصبرهن بطولات.
الطالبة الفلسطينية فاطمة الزهراء رصرص، التي باشرت رحلتها الجامعية في معهد الإعلام والاتصال، تحاول أن تتقمص دور الصحافية قبل الأوان، فقد كانت مثل الفراشة حول الطاولات، تقدم المعلومة لبنات بلدها ولأهلها في الجزائر.
ابنة الفلوجة في غزة، روت لـ”الشروق اليومي”، يومياتها الجزائرية ودقات قلبها الغزاوية: “عائلتي الصغيرة سافرت إلى الأردن، قبل العدوان، ولكن أقاربي من أعمام وأخوال، مازالوا هناك في غزة، للأسف فقدت الكثير من معارفي، لدي صديقة فقدت أسرتها، أتألم لأجلها هنا، وأخاف على تراب غزة فما بالك بنسائها وأطفالها ورجالاتها”.
ونحاول أن نبعدها عن حديث الشجن، فنسألها عن يومياتها الرمضانية في الجزائر، وعن الاختلاف في العادات والتقاليد، فتمسح حزنها وتطير قائلة: “لكل بلاد طقوسه الخاصة في رمضان، ما شدّني في الجزائر، هو التنوع الكبير في الثقافات والأطباق، في الجزائر هناك خصلة متميزة وهو كمية التراحم وتفقدهم لأحوال الناس، نحن لا نشعر أبدا بأننا غرباء، الكل يسأل عنا ويريد مساعدتنا”.
سألنا فاطمة الزهراء التي باشرت الكتابة وتمرين نفسها على الصحافة، عن أهم ما شدّها في رمضان الجزائر، وأهم ما افتقدته عند ابتعادها عن فلسطين فقالت: “بالتأكيد تنوّع العادات عندكم، أما ما افتقده فهو لمّة العائلة حول مائدة إفطار واحدة”، ويغلبها الشوق فتصمت، وتأبى زهرة أخرى من زميلاتها من كلية الطب إلا أن تعترف، بأن الكسكسي الجزائري، هو أحلى ما أكلته من أطباق في حياتها، وبين حديث الأطباق تعود الزهرات الفلسطينيات للحديث عن الألم المزمن الذي يوجعهن، ويجعلهن لا يكدن ينمن مطمئنات أبدا.

.. ولجمعية العلماء المسلمين بصمتها
بكثير من التواضع، أرجع الأستاذ عبد العزيز شلي رئيس المكتب الولائي لجمعية العلماء المسلمين بقسنطينة، شرف المبادرة والتنفيذ وجمع شمل الطلبة الفلسطينيين حول مائدة رمضانية لأجل رص الصفوف، إلى ديوان السياحة والمتعاملين في القطاع، وقال بأن جمعية العلماء ضيفة، تلبي الدعوات الخيّرة، ووصف في حديثه لـ”الشروق اليومي”، قضية فلسطين بالشأن الجزائري، ليس في الحروب الكلاسيكية أو في الحروب الأخيرة فقط، وإنما منذ أكثر من قرن، من عهد الشيخ عبد الحميد بن باديس، وخاصة في عهد البشير الإبراهيمي بعد النكبة وإعلان الصهاينة عن كيانهم المحتل سنة 1948، عندما أعطت بريطانيا ما لا تملك، لمن لا يستحق، ووصف عمل جمعية العلماء المسلمين باليد البيضاء.
ويلخص المسؤول الأول عن ديوان السياحة الأستاذ رشيد يايسي اجتهاد الديوان بالقول: “نسقنا مع متعاملين في قطاع السياحة، وجمعنا طلبة وطالبات فلسطين، وغالبيتهم يقطنون في غزة، وما أثلج صدورنا أننا، كلما طرقنا باب جمعية أو مسؤول أو أي مواطن وحدثناه عن المبادرة وارتباطها بفلسطين، إلا وكان الردّ بالإيجاب، فنجحنا بالتعاون مع الكثير من النشطاء والجمعيات، في ضم الطلبة الفلسطينيين البعيدين عن وطنهم الحبيب، إلى حضنٍ جزائري، ظل ينبض بقضيتهم.

“إغاثة” و”البركة” في خدمة أهل فلسطين
عدّ الأستاذ الشيخ عبد العزيز شلي، ما لا يقل عن خمسة قوافل عرّجت نحو قطاع غزة، في انتظار المزيد، إيمانا من جمعية العلماء المسلمين على أن الرحم الذي أنجب ملايين الشهداء في الجزائر، هو نفسه من أنجب المرتقين من أبناء فلسطين، وأصرّ على أن القضية الفلسطينية هي قضية دينية بامتياز، وستبقى جمعية العلماء المسلمين، تضخ ما باستطاعتها من أجل دعم القضية الفلسطينية وهدف تحرير أرض الأنبياء، إلى أن تطل شمس الحرية كما سطعت في الجزائر.
وتحدث ممثل جمعية البركة بقسنطينة عن جمعيتهم الخيرية الداعمة لفلسطين وأحصى 15 شهيدا من الجمعية، كانوا يتعاونون مع الأونروا قبل انسحابها، وعن إصرار الجمعية على أن تمدّ يدها إلى أبناء فلسطين.

أطباق تقليدية طائرة.. إلى فلسطين
شرح بكثير من الثقافة والحضارة صاحب مطعم “ليبلاطان”، اختياره الدقيق برفقة ديوان السياحة، للأطباق التقليدية المقدمة في الإفطار الجماعي، على شرف الطلبة الفلسطينيين، واعتبرها أطباقا طائرة، تحطّ رحالها في أرض فلسطين، من جزائر الثورة، فقد فضل أن يقدم الرغيف التقليدي الذي كان يسدّ رمق المجاهدين في الأوراس وجرجرة والونشريس، وحارات القصبة والسويقة، مع طبق الشربة المصنوع من”الفريك” وهو تراث فلاحي جزائري محض، مع قطع من لحم الخروف والدجاج، حيث يعتبر طعم لحم الخروف الجزائري الأشهى في العالم، وجمع أبناء فلسطين، على طبق من الشخشوخة اللذيذ، لأنه لا يختلف كثيرا عن طبقي المقلوبة والمسخّن الفلسطيني، في كثرة اللحم فيهما، ومع البوراك والسلطة ودقلة نور والبرتقال الجزائري، أبى إلا ان يتحف أبناء فلسطين، والضيوف بطبق شباح الصفراء، وهو حلاوة تبعث الأمل، لأجل أيام انتصار وحرية قريبة بحول الله.
عندما تمسح دمعة مظلوم ومكلوم، وتُشعره بأنك إلى جنبه، وتشد أزره، وتصله مشاعرك الصادقة، ويُدرك أنه ليس وحده يحارب العالم الهمجي.. عندها فقط، بإمكانك أن تحلم بحرية حمراء قريبة، بأيديه وأيديك المضرجة.. تدقّ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!