-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

طلبُ السلطة بكذبة التغيير!

طلبُ السلطة بكذبة التغيير!

إعادة تزكية لويزة حنون على رأس حزب العمال للمرة الثامنة على التوالي ليس مجرد خبر عابر يخص شأنا تنظيميا داخليّا لتشكيلة سياسيّة لا تعني سوى مناضليها، بل هو مؤشرٌ مهمٌّ في قراءة المشهد الحزبي والجمعوي الجزائري من زاوية الثقافة الديمقراطيّة ومدى التمثّل الفعليّ للقيم السياسيّة التي ترافع لأجلها باسم التغيير والتداول على الحكم.

 تجديد الثقة المقرّر في المؤتمر الثامن يخلّد حنون لأربعة عقود كاملة بين مرحلتي الأحاديّة والتعدديّة على رأس حزب العمّال، وهذا يعكس أحد أوجه الأزمة التنظيمية والسياسية وسط الأحزاب الجزائريّة، والأمر هنا لا يقتصر على الرفاق التروتسكيّين، بل هم نموذج لمعضلة التشكيلات العريقة والتاريخيّة أو الشموليّة بالتوصيف الأيديولوجي، إذ صارت هذه الأخيرة مرتبطة وجوديّا في أذهان مؤسسيها ومنخرطيها بالزعيم الروحي وجودا وعدمًا.

في الغالب، لا يتزحزح القادة المؤسِّسون للأحزاب والتنظيمات الجمعويّة الكبرى إلا بالنهاية البيولوجيّة أو الانقلابات القسريّة المبرمجة داخل السرايا، ومن النادر أن يكرِّس الزعيم، مهما كانت خلفيتُه الفكريّة من أقصى اليسار إلى أبعد اليمين، التداولَ على التنظيم في حياته، متخليّا عن موقعه الهرمي الأعلى، ليواصل المشوار مع رفاقه ضمن الهدف المشترك، ولو فكّر في ذلك لوجد في محيطه من يؤلّهُه عن قناعة أو غباء أو لمصالح خاصّة أو قطعا للطريق أمام الآخرين، لأنّ السلطة الأبويّة تحولت إلى عقيدة لا شعوريّة مقاوِمة تلقائيّا لكلّ أشكال التغيير.

هل من المعقول أن يظلّ حزبٌ لعقود في الساحة الوطنيّة، ينشط سياسيّا، إذ يخوض الاستحقاقات التنظيمية والانتخابية، كما يقيم فعاليات التكوين النضالي والتثقيف العامّ، ويقدِّم مرشحيه لكل الانتخابات من رئاسة الجمهورية إلى المجالس البرلمانية والمحليّة، لكن مقابل ذلك لا تتغير وجوهه القيادية في الصفّ الأوّل أكثر من أربعين عامًا، وقد يحدث الانتقال الإجباري من حزب إلى آخر، لكن يبقى الزعيم هو نفسه في المنصب الأوّل؟

إنّ هذا الواقع غير السويّ في أعراف الممارسات الحزبيّة المعياريّة يثبت الأحاديّة والشخصانيّة واستبدادية الرأي داخل الحزب، إذ يظلّ مرتبطا برأسه دون غيره، أو يبرهن على الفشل الذريع في اختراق المجتمع وصنع قيادات جديدة لحمل مشعل الفكرة السياسيّة، وفي كلتا الحالتين يصبح غير جدير على الإطلاق بطرح مشروعه بديلا لنظام الحكم السياسي في أي بلد.

في أحد البرامج الحواريّة الجزائرية، توجّه زميلٌ إلى قيادي في حزب العمال بسؤال عن خلفيّات تخليد حنون في منصبها التنظيمي، فردّ المعني دون حرج أن القضيّة لا تعني الرأي العامّ في شيء، ومثل هذا الجواب يلخّص الرؤية القاصرة وربما التحقيريّة لهؤلاء السياسييّن تجاه المجتمع، حيث يعتقدون أن علاقة المواطنين بالحزب تنتهي في مواسم الاستجداء الانتخابي، حيث يصبح الناخب المقهور والمتطلع نحو التغيير محور الخطاب السياسي والوعود المعسولة، لكن بعد ذلك لا يحقّ له إبداء رأيه في أداء الحزب وسلوكه السياسي.

إنّ تجليات التناقض التي تشوّه المؤسسة الحزبية في الجزائر تتجاوز مسألة التداول على المسؤوليات داخل التنظيم إلى سلوكيات الفساد الواسعة والتورّط في استغلال المواقع الشعبيّة التمثيليّة لتحقيق المآرب الخاصّة بمراكمة الثروات والعقارات والممتلكات، بعيدا عن أخلاقيّات التجرّد في الفعل السياسي، باعتباره خدمة عموميّة تطوعيّة، ومع ذلك تبني كل خطابها في انتقاد الواقع على محاربة الفساد والأخطاء.

أسوأ من ذلك، فإنّ كل محطات التنازع التنظيمي وسط الأحزاب الجزائريّة تؤكد عجزها عن إدارة الاختلافات السياسيّة والشخصيّة وفق الأطر القانونية وفي نطاق استيعاب تعدد الآراء والأفكار، فكيف يمكن أن تكون محلّ ثقة لدى المجتمع في فتحها لمجال الحريات الفردية والجماعيّة لو قُدِّر لها الوصولُ إلى السلطة؟ ومثل هؤلاء لن يبرحوا الحكم لو بلغوه، ولن يتركوا الفرصة لغيرهم للتعبير عن أنفسهم.

متى يدرك الممثلون فوق مسرح العملية السياسيّة والديمقراطية في بلادنا أنّ الانفصال بين الخطاب والسلوك في الممارسة الحزبية من الأسباب الرئيسة لنفور المواطن من الانخراط وراء مشاريع التغيير والعزوف عن صناديق الاقتراع، لأنه لا يثق في وعود المرشحين، ويعتبرهم مجرَّد متعطشين لنفوذ السلطة ومزاياها الماديّة.

طالما لم تقدّم الأحزابُ ورموزها القيادية القدوة السلوكيّة والأخلاقية في التزام المبادئ التي تنشدها، أو تستعملها في تنافسها السياسي مع شركائها وفي مزاحمة القائمين على شؤون الحكم، فإنها ستبقى في منظور الرأي العامّ مدعيّة إصلاح تطلب الجاه والسلطة بشعارات التغيير إلى أن يثبت في حقها العكس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!