الجزائر
من السميد.. إلى الحليب والزيت

طوابير المواد الغذائية.. الإهانة

نادية سليماني
  • 19025
  • 33
أرشيف

جمعية الأمان: الظاهرة مسيئة للجزائر وتجرح كرامة المواطن
قوراية: الإشاعة واللهفة باتت هي من تصنع سلوك الناس

عادت ظاهرة الطوابير وبقوة إلى الجزائر السنتين الأخيرتين، بعدما غابت عن شوارع الجزائر منذ نهاية الثمانينات. والظاهرة مسيئة ومُذلة لكرامة المواطن، حتى وإن كان الأخير أكبر المتسببين في الظاهرة، بلهفته وعدم مقاطعته. لدرجة تسببت بعض الطوابير عشية رمضان، في فوضى وشجارات وأسقطت جرحى من المواطنين.
من طابور السميد إلى طوابير الحليب والزيت، ولا ندري ما ينتظرنا من طوابير مستقبلا.. فهل أضحت الطوابير علامة مسجلة بالجزائر السنتين الأخيرتين؟ لدرجة صارت المصالح الأمنية تتدخل لتنظيم تدافع المستهلكين على بعض المواد الغذائية وكأننا في حالة أزمة، وهل المواطن مجبر فعليا على الدخول في طابور طويل وعريض، ليظفر بحاجته، أم هو تقليد وتزاحم وقلة وعي منا؟.
شكّل مواطنون نساء ورجالا عشية رمضان، وعبر مختلف ولايات الوطن، طوابير طويلة للظفر بصفيحة أو كيس حليب، أمام مراكز التسوق الكبرى، أو أمام المصانع وفي الشوارع والأحياء، والمُؤسف، أن صور طوابير الجزائريين، والتي انتشرت بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي، عشية رمضان ومن أيامه الأولى ومن مختلف ولايات الوطن، أحدثت جدلا وبلبلة، وأساءت حتما لصورة البلد، خاصة وأن الأمر يتعلق بمواد غذائية أساسية لا يمكن للمواطنين الاستغناء عنها في يومياتهم، وجميعنا شاهد، ما أحدثه طابور الزيت بمدينة عنابة، أول أمس، حيث دخل المتزاحمون في شجارات وعنف، وصل حد الضرب والنتيحة سقوط جرحى من المواطنين. والظاهرة جعلت رواد “السوشل ميديا” يدعون لاحترام حرمة الشهر الفضيل، وأخذ الحيطة من فيروس كورونا، واتخاذ المقاطعة سبيلا للتخفيف من الطوابير الطويلة.

مواطنون بشعار .. “أنا والطوفان من بعدي”

ولا ننسى خطر فيروس كورونا، والذي لا يزال قائما، وهذه الطوابير أكبر متسبب لانتشار الفيروس بين المواطنين، مثلما عشناه السنة المنصرمة في طوابير السميد.
وفي ظل تراخي المواطنين عن اتخاذ تدابير السّلامة، فكثيرون تخلوا عن ارتداء الكمامات ونهائيا. وبالتالي فحصيلة المصابين مرشحة للارتفاع خلال رمضان، اذا استمرّت ظاهرة الطوابير.
وتأسف رئيس جمعية “الأمان” لحماية المستهلك، حسان منور لظاهرة الطوابير على المواد الغذائية والصناعية، والتي اعتبرها “مهينة للكرامة الإنسانية وللمواطنة”، خاصة وأن الظاهرة لم تعرفها الجزائر، وبهذه الحدّة منذ السبعينات.
وفسر محدثنا، الظاهرة، بأنها سوء تدبير وتنظيم وغياب رقابة من الجهات المختصة، مع غياب قوانين ردعية لبعض الشُعب، وأيضا عدم وجود تحفيز للمنتجين. إضافة للتذبذب الذي يعرفه السوق.
ورفض منور، تحميل المواطن مسؤولية الطوابير ، قائلا “من يحب الوقوف في طابور لأكثر من ثلاث ساعات، لو لم يكن محتاجا لهذا المنتوج فعلا؟”
ليناشد المتحدث، بعدم نشر صور الطوابير على وسائل التواصل الاجتماعي، لعدم استغلالها من جهات معادية للبلاد، وحماية لسمعة الجزائر، خاصة وأنها ظاهرة ظرفية وقد تتحسن الأوضاع قريبا.
ومن جهته، قسم المختص في علم النفس، أحمد قوراية لـ”الشروق”، ظاهرة الطوابير إلى قسمين، فهنالك طوابير تضم أقل من أربع أشخاص، وهي تحمل دلالة التنظيم والتعايش الجيد بين الناس، في احترام ادوارهم لقضاء الحاجة.
وهناك الطوابير كثيرة العدد، مثلما نعيشها اليوم في شتى الميادين، وفسرها بأنها ذات دلالة على “التخلف وحب النفس، عن طريق أسلوب المكيافلي.. انا وبعدي الطوفان”.
وفي حال كان المواطن الداخل في الطابور، ليس بحاجة فعلية إلى اقتناء ذلك الغرض أو يمكنه العيش بدونه، “فدخوله في الطابور يعتبر قمة الأنانية والطمع والجشع الإنساني”.
وقال قوراية، بأن بعض المواطنين ومن شدة لهفتهم، يشترون أكثر مما يحتاجون، دون التفكير في غيرهم. وهو سلوك وصفه بـ “الأنانية السلبية، التي تكسر التربية الأخلاقية للمواطنة”.
كما حمل محدثنا، المسؤولية في تزاحم الطوابير مؤخرا، الى ظاهرة انتشار الإشاعة في المجتمع، وقال “الإشاعات باتت تخلق أزمات اقتصادية، وتثير البلبلة في المجتمع.”
ليتأسف لتغير الذهنية الجزائرية بعد العشرية الدموية، أين اندثرت روح التضامن والتكافل بين المواطنين. وعلينا الاعتراف أن كثيرين منا، صاروا يكرهون التنظيم، ويعشقون الفوضى، على حد قوله. أما السبب الثاني، حسبه، فيرجع إلى صناع التنظيم في المجتمع الذي استقالوا عن تنظيم سلوكات الناس وعجز عن توفير حاجياتهم الأساسية.

مقالات ذات صلة