الرأي

طوبى للمشائين في الجُمع.. بشرط

حسان زهار
  • 916
  • 7

إذا لم يستخدم الحراك قوة العقل، في التعامل مع الواقع، خاصة مع الدخول الاجتماعي الجديد، فلن يجدي الجزائر في شيء هذا المارطون الأسبوعي، إلا في زيادة التوترات والابتعاد عن الحلول.

منذ قرابة الثمانية أشهر والحراك يتحرك، ورغم ما حققه في الأسابيع الأولى من نتائج هامة، إلا أن تراجع قوة الحراك خاصة خلال أسابيع الصيف الأخيرة، وعدم تحقيق مطالبه، يتطلب الأمر مراجعة أساليب النضال ونوعية الشعارات، وحتى الوجوه التي تحاول أن تقود.

الآن على الحراك أيضا، وليس الأفلان وحدها، أن يتعدد (في صور النضال) أو يتجدد أو يتبدد.

فمع عودة العمال إلى مناصب عملهم، والتلاميذ والطلبة إلى المدارس والجامعات، يحتاج الحراك أن ينظف نفسه من الداخل، وأن يلفظ النفايات السياسية التي شوهت طهره، وأن ينتج داخله حراكا داخل الحراك لتحرير نفسه.

لنتذكر كيف أن المنبوذين شعبيا، الذين كانت تطاردهم الجماهير في بدايات الحراك، وهم يحاولون ركوب موجة “التمثيل”، أصبحوا اليوم هم قادة تحملهم الجماهير المتبقية على الأعناق.

لنتذكر أن شعارات الأخوة والوحدة تراجعت كثيرا، ليحل محلها شعارات صدامية تتميز بالتخوين والتشنج.

لنتذكر (فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، حراك مدينة برج بوعريريج المليوني الرائع، أين اختفى.. وكيف تبخرت “التيفوات” التي كانت تنبض في كل الولايات، بمطالب الجزائر العميقة الحقيقية.

لقد اختفى الأطفال الذين كانوا يشاركون وهم على رقاب آبائهم، وتراجعت “ثورة الابتسامة” كما سميت، وهي ترتسم على وجوه الجميلات ذوات العيون الزرقاء والشعر الأصفر، لتصبح ثورة الغضب.. وأحيانا الكراهية، ضد “الجيش” وضد ابن باديس، وضد بن مهيدي، وضد الدستور والوحدة الوطنية.

لذلك على الشرفاء في الحراك.. الذين تحترق قلوبهم على الجزائر وليس على شيء آخر، أن يجيبوا على هذه الأسئلة المفخخة..

أين اختفى بربكم ثعالب الدولة العميقة.. إن لم يكونوا بينكم يقودون الجموع، ويحرفون المسارات ويشيطنون الشعارات، ويدخلونكم في حرب قذرة لاسترجاع مصالحهم التي داستها أرجل الشرفاء.

أين هم الفلول الذين تحركهم أيادي العصابة من سجني الحراش والبليدة؟ إن لم يكونوا بينكم، يقودونكم للمطالبة بإطلاق سراح العصابة التي أخرجتموهم في البداية من الباب الضيق، ويراد لهم اليوم العودة من النافذة الواسعة؟

أين هم أولاد فرنسا،أولئك الذين كانوا يخرجون لاستقبال هولاند وساركوزي وماكرون في العاصمة، إن لم يكونوا للأسف بينكم أيضا، وهم يهينون العلم الوطني علانية، بطمس معالم النجمة والهلال، وأنتم تنظرون كأن على رؤوسكم الطير.

أين هم الفاسدون المفسدون.. المرتشون من آكلي السحت.. إن لم يكونوا بينكم وقد أفزعهم صليل العدالة، واقتلعت قلوبهم جزعا من سيف الحجاج، وهم يقودونكم للمطالبة بوقف المحاكمات بوصفها (عدالة تلفون)؟

أين أعداء القيم والاختلاف، وأعداء الوحدة والائتلاف؟ إن لم يكونوا بينكم أيضا، وقد شهروا بالشرفاء وضحكوا منهم، حتى صار زنادقة “الماك” قادة أشراف، يقودون بعض شيوخ “الفيس” إلى الفجور في الخصومة؟

إذا تم تصحيح شعارات الحراك، واسترجاع البوصلة، فسيتواصل الحراك كما بدأ، بعيدا عن مطالب المراحل الانتقالية والتعيين والتفاوض.. فقط من أجل انتخابات نزيهة وشفافة بمعايير دولية، تضمنها هيئة مستقلة للإشراف وتنظيم الانتخابات، وتضمنها الملايين التي سوف تخرج بنفسها لحماية الصناديق.

ألا طوبى للمشائين في الجُمع، إن هم تخلصوا من الزنادقة والانفصاليين وتجار الدين وتصالحوا مع بقية الشعب.

وإلا.. فلا طوبى لهم. ولا طاب ممشاهم.. وبصحتهم حينها “طابو” وأمثاله.

مقالات ذات صلة