-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

عباس‮ – ‬بومدين

محمد عباس
  • 1316
  • 0
عباس‮ – ‬بومدين

أحيا المجتمع المدني – ممثلا في بعض الجمعيات والمنظمات والصحافة الوطنية – في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، ذكرى شخصيتين سياسيتين متميزتين جديرتين بالتذكر والاعتبار. ونعني بهما الفقيدين فرحات عباس وهواري بومدين.

  • لقد‮ ‬شغل‮ ‬كل‮ ‬منهما‮ ‬البلاد‮ ‬والعباد‮ ‬في‮ ‬مرحلة‮ ‬معينة‮ ‬من‮ ‬تاريخ‮ ‬الجزائر‮ ‬المعاصر،‮ ‬ما‮ ‬يدل‮ ‬في‮ ‬حد‮ ‬ذاته‮ ‬عن‮ ‬قوة‮ ‬شخصية‮ ‬الرجلين،‮ ‬وأهمية‮ ‬إسهاماتهما‮ ‬في‮ ‬معارك‮ ‬التحرر‮ ‬والبناء‮ ‬الوطنيتين‮.‬
  • فالعقيد فرحات عباس شخصية سياسية من الطراز الأول، تمرست بالعمل السياسي في ظروف مثالية: ظروف الاحتلال الفرنسي التي تضع رجل السياسة أمام تحديات صعبة تستوجب طرح إشكالية التحرر الوطني في معادلات موضوعية، والاستعداد الملائم والكفاءة اللازمة للبحث عن أنسب الحلول‮ ‬لتلك‮ ‬المعادلات‮ ‬المعقدة‮.‬
  • في ظل تلك التحديات الصعبة تعلم الطالب ثم الصيدلي فرحات عباس أبجدية النضال السياسي، وما يقتضيه من ارتباط وثيق بالشعب والاحتكاك اليومي بالخصوم المنافسين، هذا الاحتكاك الذي لقنه أن يتعلم الحساب مع الآخرين. أي أن يتقن آليات العمل، في مضمار التعددية السياسية والحزبية‮. ‬ويعني‮ ‬الارتباط‮ ‬بالشعب‮ ‬أن‮ ‬يرهف‮ ‬رجل‮ ‬السياسة‮ ‬السمع،‮ ‬لالتقاط‮ ‬نبضات‮ ‬الرأي‮ ‬العام‮ ‬وقراءة‮ ‬اتجاهاته‮ ‬قراءة‮ ‬سليمة‮.‬
  • وقد‮ ‬كان‮ ‬فرحات‮ ‬عباس‮ ‬رجل‮ ‬سياسة‮ ‬بهذا‮ ‬المفهوم،‮ ‬كما‮ ‬تدل‮ ‬على‭ ‬ذلك‮ ‬مسايرته‮ ‬لطفرات‮ ‬الرأي‮ ‬العام‮ ‬الجزائري‮. ‬فقد‮ ‬ساير‮ ‬شعبه‮ ‬في‮ ‬طفرتين‮ ‬فاصلتين‮:‬
  • أ‮- ‬طفرة‮ ‬الحرب‮ ‬العالمية‮ ‬الثانية‮ ‬التي‮ ‬انتقل‮ ‬عباس‮ ‬أثناءها‮ ‬من‮ ‬مرحلة‮ ‬إلى‭ ‬أخرى‮:‬
  • 1‬مرحلة‮ ‬رسالته‮ ‬إلى‭ ‬المرشال‮ ‬بيتان‮ ‬عام‮ ‬1941‮ ‬حيث‮ ‬يحدد‮ ‬المطالبة‮ ‬بحقه‮ ‬في‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬فرنسيا‮ ‬كامل‮ ‬الحقوق‮ ‬والواجبات‮.‬
  • 2‬مرحلة‮ “‬بيان‮ ‬الشعب‮ ‬الجزائري‮” ‬بعد‮ ‬أقل‮ ‬من‮ ‬عامين،‮ ‬حين‮ ‬أخذ‮ ‬يطالب‮ ‬بالاستقلال‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬الاتحاد‮ ‬الفرنسي‮.‬
  • ب‮- ‬طفرة‮ ‬الثورة‮ ‬التحريرية‮ ‬التي‮ ‬نقلته‮ ‬من‮ ‬خصم‮ ‬لدود‮ ‬للعنف‮ ‬الثوري‮ – ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬الوطنيون‮ ‬يتحفزون‮ ‬لخوض‮ ‬غماره‮ – ‬إلى‮ ‬ناطق‮ ‬رسمي‮ ‬باسمه‮!‬
  • والفقيد‮ ‬هواري‮ ‬بومدين‮ ‬شخصية‮ ‬سياسية‮ ‬عسكرية‮ ‬من‮ ‬نفس‮ ‬الطينة،‮ ‬رغم‮ ‬اختلاف‮ ‬المراحل‮ ‬والمهام‮.‬
  • لقد برزت هذه الشخصية أثناء ثورة التحرير، حيث اكتمل نضجها من خلال الإدراك العميق لطبيعة الطفرة الاجتماعية المواكبة لمعركة التحرر الوطني، وما تقتضيه من تثمين يتجاوز الكفاح المسلح، إلى كفاح من نوع آخر: الاستعداد لبناء الاستقلال المنتظر بتعبئة الطاقات التي فجرتها‮ ‬ثورة‮ ‬التحرير،‮ ‬بهدف‮ ‬التجاوب‮ ‬مع‮ ‬متطلبات‮ ‬الطفرة‮ ‬الاجتماعية‮ ‬على‭ ‬الصعيدين‮ ‬الاقتصادي‮ ‬والثقافي‮ ‬خاصة‮.‬
  • وقد‮ ‬عمل‮ ‬الرئيس‮ ‬بومدين‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الإطار‮ ‬ضمن‮ ‬برنامج‮ ‬تعمير‮ ‬طموح،‮ ‬لكنه‮ ‬واقعي‮ ‬تماما‮ ‬على‭ ‬ضوء‮ ‬الطاقات‮ ‬البشرية‮ ‬الجاهزة‮ ‬والثروات‮ ‬الطبيعية‮ ‬المتوفرة‮ ‬والكامنة‮.‬
  • وكدليل‮ ‬على‭ ‬واقعية‮ ‬هذا‮ ‬البرنامج‮: ‬
  • في شقه الصناعي خاصة – أن دولا متطورة – مثل ألمانيا واليابان – لم تكن تستكثر على الجزائر طموحها المشروع وباركت برنامج تنميتها بالمساعدة المالية، والتكنولوجية، لقد أقنع بومدين مثل هذه الدول، بجدية نظامه وحرصه الخرافي على المال العام، وتصديه الحازم لكل من تسول له نفسه محاولة البعث به، وبفضل ذلك استطاع أن يؤسس لقاعدة صناعية – في ظرف أقل من 10 سنوات – بإمكانات زهيدة، قياسا بما توفر للذين جاؤوا من بعده. فمداخيل الجزائر من المحروقات مثلا لم تتجاوز خلال الفترة ما بين 1971 و1978 – سنة رحيله – 28 مليار دولار في حين‮ ‬بلغت‮ ‬هذه‮ ‬المداخيل‮ ‬في‮ ‬الفترة‮ ‬ما‮ ‬بين‮ ‬1979‮ ‬و1985‮ ‬من‮ ‬عهد‮ ‬الرئيس‮ ‬الشاذلي‮ ‬بن‮ ‬جديد‮ ‬96‮ ‬مليار‮ ‬دولار‮..‬
  • ترى‮ ‬ما‮ ‬فعل‮ ‬الرئيس‮ ‬بن‮ ‬جديد‮ ‬بثلاثة‮ ‬أضعاف‮ ‬ونصف‮ ‬لما‮ ‬توفر‮ ‬لسلفه‮ ‬الراحل؟‮! ‬
  • بل‮ ‬ما‮ ‬فعل‮ ‬الرئيس‮ ‬الحالي‮ ‬بمداخيل‮ ‬المحروقات‮ ‬وقد‮ ‬تجاوز‮ ‬سعر‮ ‬البرميل‮ ‬قبل‮ ‬مدة‮ ‬140‮ ‬دولارا‮!‬
  • مثل‮ ‬هذه‮ ‬الإشارات‮ “‬العابرة‮ ‬حول‮ ‬فرحات‮ ‬عباس‮ ‬وهواري‮ ‬بومدين‮ ‬هي‮ ‬على‭ ‬سبيل‮ ‬التذكر‮ ‬والعبرة‮.. ‬فكلاهما‮ ‬خدم‮ ‬وطنه‮ ‬وشعبه‮ ‬بإخلاص‮ ‬بما‮ ‬توفر‮ ‬له‮ ‬من‮ ‬فرص‮ ‬وإمكانات‮.‬
  • وفي تقديري أن بين الرجلين تكاملا وتواصلا، رغم صعوبة إدراك ذلك أول وهلة: فقد كان عباس رجل السياسة والتعددية في وقته، وكان بومدين رجل البرنامج والمهام في زمانه، سواء كان ذلك في معركة التحرر أو في معركة البناء.
  • ومن نافلة القول، التذكير في هذه الظروف الصعبة التي يعشها شعبنا ووطننا، بحاجة الجزائر إلى شخصية سياسية ميدانية قادرة على مواجهة تحديات التعمير، بنفس الدرجة من الفعالية التي برهن عليها قادتنا في معركة التحرير. ولنا في أمثال الفقيدين عباس وبومدين نعم القدوة والعبرة‮ ‬في‮ ‬آن‮ ‬واحد‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!