-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الجزائر تتوجه إلى اعتماد آخر ابتكارات التكنولوجيا للتصدي للكوارث

عتاد ذكي لاستشعار ومواجهة حرائق الغابات

راضية مرباح
  • 1352
  • 0
عتاد ذكي لاستشعار ومواجهة حرائق الغابات
أرشيف

أضحت حرائق الغابات من أكثر الكوارث الطبيعية التي تهدد الجزائر في عمق رئتها، ما جعلها تسابق الزمن و”تتسلّح” بأحدث الطرق التقنية لمواجهة هذا “البعبع” الذي أتى على مساحات هامة من الغطاء النباتي وحوّلها إلى رماد خلال الصائفة الماضية التي وصفت بالمأساوية، لما خلفته من مآسي وخسائر في الأرواح “مدنية وعسكرية”، فضلا عن الخسائر المادية ” الممتلكات والثروة الزراعية والحيوانية للفلاحين الذين عوضتهم الدولة عن خسائر قيمت بالملايير” وهو ما يستدعي تسخير الرقمنة لمواجهة هذا الخطر الزاحف الذي عجزت عن محاصرته مختلف التدخلات التقليدية التي لم تعد كافية وملائمة للحفاظ على غاباتنا.
طائرات دون طيار.. أجهزة استشعار.. دبابات وغيرها من العتاد الرقمي والعصري الذي أوجدته مختلف الدول المتطورة كبديل مفروض لمواجهة الحرائق ومحاصرتها في أقل فترة زمنية، ربحا للوقت والجهد معا فضلا عن تجنب حالات الوفيات التي عادة ما تسجل في صفوف أعوان الحماية المدنية خلال تدخلاتهم التقليدية، وهي التكنولوجيات التي يتسابق العديد من الشباب الجزائري الطموح، من خلال مبادرات واختراعات متنوعة ضمن مؤسساتهم الناشئة التي تحمل حلولا واعدة في المستقبل تحتاج اليوم إلى مرافقة من طرف الدولة من خلال تذليل الصعوبات وتكييف القوانين لتسهيل تجسيد انجازاتهم حتى ترى النور وتركب موجة الرقمية، ضمانا لتأمين البلاد من “رعب” يتجدد كل صائفة..
“الشروق” نقلت بعض النماذج الحية لشباب مبتكرين أرادوا تحقيق أحلامهم من خلال اختراعاتهم التي تنتظر الدعم والموافقة من طرف الدولة.

برمجة جهاز استشعار طائرة لتحسس النيران والدخان
وتمكّن في هذا الصدد، الشاب كوّاش محمد أمين، مهندس في الهندسة الإنشائية والبرمجة الرقمية بالشركة الناشئة “انجينيوس ادلاين”، من تطوير بحثه الذي يريد إيصاله للسلطات رفقة الفريق العامل معه قصد التمويل والتجسيد واستغلاله في الفلاحة الذكية وقطاع الغابات.
ويتمثل مشروع البحث، حسبه، في إنشاء شبكة لمراقبة المساحات الفلاحية وحتى الغابية ضمن نظام رقمي يتحكم فيه بغرفة تحكم كبيرة وذكية بفضل حساسات استشعارية كنظام أمني لمراقبة النباتات ومراحل تطورها والمشاكل التي تعيقها في حالة مرضها ونفس الأمر ينطبق على المواشي التي يمكن مراقبتها وما إذا كانت مريضة أو لا، وهو النظام نفسه الذي يمكن استخدامه في الغابات ببرمجة جهاز استشعار طائرة يتحكم فيها عن بعد، يستشعر الأشعة التي أدخلت في لغة البرمجة وبمجرد استشعار حريق أو دخان أثناء تحليقها فوق المساحات الغابية تطلق إنذارا يساعد الحماية المدنية في التدخل الفوري ومحاصرة النيران قبل اتساع رقعتها.

دبّابات و”روبوتات” لمكافحة الحرائق
تكلّلت جهود الكثير من المهندسين الناشطين بالمؤسسات الناشئة شأن كل من يعقوب عوف وزين الدين براهمي، باختراع روبوت لإطفاء النيران وهو إنجاز جزائري الصنع مائة بالمائة، يشبه دبابة في شكل مصغر، تضم كاميرا للمراقبة من الأعلى تدور في كل الاتجاهات حيث يتم التحكم بالجزء العلوي منها عن بعد كما بإمكان هذا الاختراع السير في كل المناطق بما في ذلك تلك التي يعجز رجال الإطفاء في الوصول إليها لخطورتها كعمق الغابات وحتى داخل العمارات التي يمكن أن يصعد حتى سلالمها، إذ يمكن التحكم فيه على مسافة 300 متر، ويضم محرّك عال الجودة ذو قدرة على تحمّل حرارة 120 درجة ومزوّد بنظام تبريد بعد بلوغ المعدل الحراري المبرمج عليه، كما يمكن أن يعزّز بالذكاء الاصطناعي للتدخل في الحريق الأكثر خطورة في حالة تسجيل حريقين متقاربين.

الأقمار الصناعية والطائرات “الذكية”.. سلاح ذو حدين
يقول الدكتور عمر هارون أستاذ بجامعة المدية ومدير حاضنة دار المقاولاتية، لـ”الشروق”، إن مراقبة حرائق الغابات، يجرنا للحديث عن طائرات بدون طيار والأقمار الصناعية هذه الأخيرة التي تتطلب تدخل الدولة الشخصي من أجل المرافقة التقنية، أما التكنولوجية الأولى فهي قائمة بالجزائر تنتظر عقد اتفاق بين الجهات الرسمية وبين الشباب المبتكر أصحاب المشاريع، لأنها سلاح ذو حدين حيث يمكن استعمالها في إطفاء النيران كما تستخدم حتى في إشعالها، الأمر الذي جعل الدولة تمنع حركة طيرانها بهذا الشكل الفوضوي الذي لا يستند لأي قوانين، مذكرا أن العديد من الشباب تمكنوا من ابتكار هذه الطائرات ومنهم بجامعة المدية، فالقضية حاليا تتعلق، حسبه، بتقنين العملية فقط.

أجهزة استشعار حرارة الجو بالغابات حل من الحلول
ولم يخف رئيس التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات بشير تاج الدين، وجود العديد من الوسائل التكنولوجية التي يمكن استغلالها في تفادي حرائق الغابات، فهي تقوم على الإنترنيت وإنترنيت الأشياء حيث يمكن وضع المستشعر على سبيل المثال في كل زاوية من زوايا الغابة للحصول على درجات حرارة الموقع وحتى الهواء، فبدرجة الهواء يمكن أن يعرف إمكانية اندلاع حريق في منطقة ما دون أخرى، وهي وسيلة غير مكلفة، حسبه، لكنها تصبح كذلك نظرا لشساعة المساحات الغابية بالجزائر.

دبابات تصل مواقع الحريق وطائرات دون طيار.. ولكن!
تؤكد تصريحات المسؤول عن العلاقات العامة بمنتدى الشباب والشركات الناشئة حمزة حريز، لـ”الشروق” وهو شاب طموح حديث التخرج يرافق شباب المؤسسات الناشئة في كل معرض أو نشاط له علاقة بمجال معين، أنّ الجزائر تملك كفاءات عالية تعمل على تطوير وحماية القطاع البيئي بصفة عامة كعملية الغرس الاصطناعي، حماية الغابات من الحرائق ومن خلال اختراع طائرات من دون طيار وحتى الدبابات التي تقوم باستهداف المواقع الحرارية غير أن الإشكال الذي اصطدم به هؤلاء هي العراقيل القانونية للإدارة الجزائرية التي يفرض عليها –حسبه- دراسة الوضعية القانونية لها حول ملف حماية الغابات، نظرا لوجود اختلالات أمنية حسب القطاع المستهدف، معتبرا الأمر أكثر من هاجس يحد من تطلعات رواد الأعمال والشركات الناشئة والمخترعين.
وقال ممثل الرواد والشركات الناشئة، أن الكثير من المخترعين يشتكون من القانون الجزائري الذي يحد من تطورهم أو إحداث منظومة دفاعية لحماية الغابات، داعيا في السياق إلى ضرورة فتح الباب لهذه الشركات والمخترعين للمساهمة في حماية البيئة، من خلال استشارة عامة مفتوحة كتلك التي قامت به الأمم المتحدة أو المنظمة الدولية للصحة خلال جائحة كورونا وذلك بالسير على المبادرة نفسها عن طريق إعطاء الضوء الأخضر لمبادرات وأفكار الكفاءات الجزائرية من خلال تطوير واستقبال مشاريعهم التي تهم حماية البيئة على العموم والغابات بصفة خاصة.

العصرنة لرصد وإطفاء حرائق الغابات.. ضرورة
تؤكد رئيسة الجمعية الوطنية لترقية ثقافة البيئة والطاقات المتجددة وحمايتها، مليكة بوطاوي لـ” الشروق”، أن التعامل مع حرائق الغابات في عصر التكنولوجية الجديدة والأقمار الصناعية والرقمنة، يتطلب الذهاب إلى وسائل أكثر عصرنه في عمليات الإطفاء والترصد للنيران التي تعد السبب الرئيسي في التلوث البيئي الذي تعاني منه الجزائر بعدما جعلها تتصدر القوائم الأولى في هذا الملف، وقالت المتحدثة، أنّ الجزائر لديها طاقة شبانية قادرة على خلق الاستثمار في مجال البحث العلمي بإنشاء وسائل تكنولوجية عالية، لإخماد الحرائق أو التنبيه لها مع ضرورة التخلي عن الطرق التقليدية التي تعتبر محدودة المردود وتستغرق عدّة أيام لإخماد حريق واحد، وتطرّقت المتحدثة في السياق، إلى ضرورة استخدام الطائرات للتقليص من المشكل الذي يتطلب –حسبها- ضخ أموالا طائلة للقطاع، ضمانا لمواجهة مثل هذه الكوارث التي لها عواقب ومخلّفات وخيمة على صحة الإنسان والمحيط لغاباتنا التي تعد أهم أكسجين للحياة فوق الأرض.
وأشارت بوطاوي، إلى أنّ الإنسان أكبر متسبب في هذه النيران ما يتطلب تعزيز العلميات التحسيسية بإشراك مختلف الفاعلين وتكثيف دورات المراقبة على مستوى الغابات لاسيما ونحن في أوج فصل الصيف الذي تكثر فيه الحرائق، داعية إلى الرفق بهذه المواقع وجعلها البيت الثاني لنا لأنها في الأول والأخير المتنفس الطبيعي الدائم.

تغير المناخ ومؤشرات بارتفاع نسبة الحرائق.. فماذا أعددنا؟
تشير مختلف الدراسات والتنبؤات المناخية، باحتمالية كبيرة لارتفاع في درجات حرارة الأرض مستقبلا، ولنا أن نتصور كيف ستكون الأوضاع في غضون الـ10 سنوات المقبلة ومعها زيادة حدوث المخاطر الكبرى للمناخ، من بينها حرائق الغابات التي أصبحت أكثر ما يهدد النظام البيئي والإيكولوجي لاسيما وأن آخر اكتشافات الباحثين في المجال البيئي، تؤكد أنّ الأرض تعرف زيادة كبيرة في سرعة التعرض لموجات الجفاف المفاجئة بسبب الاحتباس الحراري الذي بدوره يؤدي بشكل سريع وكبير إلى القضاء على المحاصيل الزراعية في وقت قصير، وهو ما يخلف حتما تسجيل خسائر اقتصادية كبيرة، تفرض على الدولة مجابهتها باستغلال كافة الطاقات المتاحة وحتى التفكير في اختراعات باستعمال أحدث الوسائل والتقنيات العالمية..
فالجزائر التي أصبحت من ضمن أكثر الدول المتوسطية، عرضة للحرائق، تتطلب إستراتيجية وقائية على كل الجبهات من أجل الحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية التي توجد بعضها في طريق الانقراض، قد تزيد مستقبلا من خطر اقتراب التصحر من الساحل في حالة بقائنا مكتوفي الأيدي..

الجزائر فقدت 100 ألف هكتار من الغطاء النباتي عام 2021!
فقدت الجزائر خلال 2021، وهي السنة التي وصفت بالمأساوية، 100 هكتار، حيث أتت النيران التي كادت أن تحول غاباتنا إلى رماد كلي على الأدغال، الأشجار المثمرة وغير المثمرة والمحاصيل الزراعية، فيما فقد الفلاحون ماشيتهم وخلايا النحل المنصبة بالغابات، أما الحيوانات فقد أبيدت على بكرة أبيها فيما راح المئات من الأشخاص ضحايا للنيران التي وصلت إلى غاية مواقع سكناهم بالمداشر، حسب تصريحات مكتب الإعلام والإحصائيات للمديرية العامة للحماية المدنية على لسان الملازم الأول نايت إبراهيم الذي أكد أن المصالح ذاتها تبقى تعتمد على 4 حوامات التي استغلت العام الماضي في الحرائق المأساوية فضلا عن الأرتال المتنقلة التي تستغل في الولوج إلى وسط الغابات للمساهمة في الإطفاء.

51 بالمائة من الغطاء النباتي مهدد بالانقراض
تحصي مديرية الغابات من خلال مذكرة أعدتها العام الماضي، ما نسبته 51 بالمائة من الغطاء النباتي مهدد بالانقراض، 289 نوعا منه “شديد الندرة” و647 نوعا “نادرا” و640 نوعا “نادر جدا”، وأخيرا 35 نوعا “استثنائي”، أمّا الحيوانات فتتوفر الجزائر على 483 نوعا حيوانيا مسجلا منها 23 نوعا (13 من الثدييات و07 طيور و03 زواحف) مصنفة مهددة بالانقراض بمقتضى القانون رقم 06/14 المؤرخ في 14 نوفمبر 2006 المتعلق بالحماية والمحافظة على بعض الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض.

التصحر.. فقدان التوازن البيئي واختلال المناخ
ويصنف رئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم الحرائق ضمن المخاطر العشر الكبرى التي تهدد الجزائر، ويؤكد على ضرورة إيلاء الدولة أهمية لتسيير هذا الملف بعدما أتت النيران على مساحات هامة من الغطاء النباتي الذي تفقده الجزائر سنويا وآثاره على البيئة وصحة الإنسان وحتى على التوازن الإيكولوجي.
وأشار المتحدث أنّ الولايات المتحدة ونظرا لأهمية الخطر، أدرجت الحرائق ضمن الأمن القومي وليس لمديرية معينة.
أما عن الأسباب الرئيسية وراء تنامي الظاهرة، فتحدث شلغوم عن حرارة الطقس وغياب سياسة بالنسبة للإقليم ناهيك عن غياب تهيئة ومسالك للجبال تشرف عليها وزارتي الفلاحة والداخلية، فضلا عن الأيادي “الخبيثة” التي ومنذ 2003 وسّعت من رقعة الحرائق في الساحل الجزائري كبومرداس، تيبازة، البليدة، بجاية، الطارف وغيرها بغية الاستيلاء على الأراضي وهي الظاهرة التي ستأخذ أبعادا خطيرة على المناخ الذي سيفقد توازنه مع زحف الرمال والتصحر نتيجة غياب التشجير وفقدان ثقافة الغرس المرافقة لمختلف المشاريع بالطرقات والأحياء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!