الرأي

عربيّة أويحيى تصدح في باريس!

اختيار الوزير الأول أحمد أويحيى الحديث باللغة العربية في ندوة صحفية نهاية الأسبوع أمام نظيره الفرنسي إدوارد فيليب، وفي قلب باريس، موقفٌ لافت يستحقّ الإشادة والتنويه.

سواء اختلف أو اتفق البعض مع الرجل أيديولوجيّا وسياسيّا، ومهما كانت دوافع تصرفه المفاجئ عن قناعة مبدئيّة أم بحسابات براغماتيّة صرفة، ومع أخطائه السابقة في حق لغة الشعب الجزائري، فإنّنا نحيّي فيه هذه المرّة التزامه بالدستور وقوانين الجمهورية، واحترام مشاعر ملايين الجزائريين، ما فتئوا يتألمون من الدوْس على لغتهم المغلوبة من الأقليّة، أمام الفرنسيين والأوروبيين والأمريكان والأفارقة وكل الأجناس من فُرس وعجم!

 
خرجة أويحيى السارّة، صنعت الفرحة بين روّاد التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، خصوصًا أنّ المُضيف الفرنسي ظهر مرتبكًا، وهو مثل الأطرش في الزفّة، من دون ترجمة فوريّة، في موقف مفاجئ ومحرج، الأكيد أنّ “فيليب” لم يتوقّعه من مسؤول جزائري على هذا القدر من السموّ! 
ربّما لا يستسيغ البعضُ تثمين سلوك الوزير الأول إلى هذه الدرجة من المدح، وهو لم يصنع المعجزات لصالح التعريب في الجزائر، سوى الحديث لبضع دقائق باللغة العربيّة مع نظيره الفرنسي، لكن وضع الحدث في سياق الجدل الذي رافق زيارة إيمانويل ماكرون إلى بلادنا مؤخرا، وكذا شروع مؤسسة بريد الجزائر عمليا، نهاية شهر نوفمبر الماضي، في تعريب المراسلات الرسمية الصادرة عن مختلف مصالح المديرية العامة والوحدات البريدية الولائية والبيانات الصحفية وغيرها، سيجعل من المهمّ الوقوف عند هذه المؤشرات الإيجابية، التي ينبغي البناء التراكمي عليها، لاستكمال معركة استرجاع السيادة اللغوية في الجزائر، بعد عقودٍ من النضال المُضني، سجّل خلالها مُنحنيات مضطربة بين الصعود والهبوط، لكن ظلّت الإدارة، الاقتصادية والصناعيّة على وجه التحديد، قلعة مستعصية على الاختراق، مع وجود ترسانة من القوانين المكرِّسة للتعريب، يعلوها في الهرم دستور الدولة، غير أنها ظلّت معطّلة فعليّا، ولا تجد طريقها إلى التجسيد، حتّى أنّ كبار مسؤولينا صاروا يتباروْن في مخاطبة شعبهم ومساعديهم ومرؤوسيهم، ولا نعني ضيوفهم الأجانب لأنّ ذلك من نافلة القول، بلغة فولتير، والأمر عندهم لا يثير أي حرج، بل هو في خانة “العادي جدّا”!
عودًا على بدء، نؤكد أن عربيّة أويحيى التي صدح بها في أرجاء عاصمة المحتلّ القديم، في مشهد لا يتكرّر إلاّ نادرًا، إضافة إلى قرار الوزيرة هدى فرعون الشجاع بتعريب قطاع البريد، هي رسائل محفّزة، على دعاة الأصالة أن يتلقفوها بتفاؤل، ويشدّوا على أصحابها، لتفعيل مشروع التعريب غير المكتمل، ولكن برؤية متجدّدة ومنفتحة وعقلانيّة، بعيدا عن الانفعالات الإيديولوجيّة المحكومة بروح الانطواء على الذات، في محاولة عبثيّة للهروب والاحتماء من رياح العولمة التي تهبّ علينا من كلّ النوافذ.
منذ سنوات، ظهر وكأنّ معركة التعريب في الجزائر قد وضعت أوزارها، لأنّ المنافحين عن تمكين اللغة العربيّة في الإدارة والمدرسة والجامعة والمحيط الاجتماعي، قد نأوْا بأنفسهم في كثير من المواقف والمواقع، ربّما بعضهم صار مطمئنّا على مستقبلها مع الأجيال الجديدة، بينما نال اليأس من عزيمة آخرين!
الآن تبدو الفرصة سانحة لاستئناف الرهان حتّى تبسط العربيّة نفوذها في عقر دارها، لأنّ الاستقلال الوطني ما يزال منقوصًا، مثلما يستحيل التطلع لتحقيق وثبة نهضويّة، بينما ترزح “اللغة الأمّ” على هامش الحياة العامّة!  
مقالات ذات صلة