-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عقدة الجزائر تلاحق المخزن!

عقدة الجزائر تلاحق المخزن!

علاقات النظام المغربي مع الكيان الصهيوني قديمة منذ نشأة الاحتلال الإسرائيلي وليست موقفا طارئا ضمن مشروع التطبيع الجديد، ويكفي اعتراف صحيفة “هآرتس” أنّ جهاز الموساد للاستخبارات الخارجيّة أقام ممثليةً له في الرباط منذ عدوان 5 جوان 1967.

لكن لم يكن متوقعا، عند أكثر المتفائلين بتطور العلاقات المغربية-الصهيونية المعلنة منذ 10 ديسمبر 2020، في إطار المقايضة الأمريكية بالحق الصحراوي، أن يرتمي المخزنُ عاريًا بهذه الصورة في حجر الكيان الغاصب، ليُثبت تقدّمه على مسار الخيانة أمام محور التطبيع التقليدي.

لم تتوقّف الإرادة المغربية في تشبيك التطبيع عند المستوى الأمني، بصفته المستهدَف الرئيس، بل وصلت إلى إدراج اللغة العبرية في منظومة التدريس، وقبلها توقيع اتفاقية لنقل عمال مغربيين لبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، ناهيك عن الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والتحضير لإنشاء مناطق صناعية.

التنازلات المغربيّة، وفي ظرف قياسي، إلى أبعد الحدود المتخيلة لصالح إسرائيل تجد تفسيرها في حالة التفكك التي يواجهها العرش العلوي بسبب التطاحن القائم داخل البلاط العائلي نفسه، وبين أركان المخزن، على خلفيّة صراع محمد السادس مع المرض، وغيابه العملي عن المملكة منذ فترة طويلة، إذ يتخذ من باريس إقامة شبه دائمة، منقطعا كليّا عن مهامه الداخلية والخارجيّة.

بالمقابل، يبقى الأهمّ، بإجماع المراقبين، في خلفيات الانبطاح المغربي لعدوّ الأمة التقليدي، هو عقدة التفوّق الجزائري ضمن موازين القوى الإقليمية، وعلى كافة المستويات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، ناهيك عن الحضور التاريخي والإشعاع الثوري الدولي منذ خمسينيات القرن العشرين.

يريد المخزن اليوم، وبعد عقود من الصراع غير المتكافئ مع الجارة الكبرى، اختصار الزمن، مُستقويًا بالتحالف الاستراتيجي مع الكيان ضد “العدوّ المشترك”، باعتباره خياره الأخير والمتوهّم للانتصار، أو على الأقلّ ضمان الحد الأدنى من التوازن معها.

وقد كشف وزيره المنتدب للدفاع، عبد اللطيف لوديي، أن الرباط “مهتمة بإقامة مشاريع مشتركة مع إسرائيل في مجال الصناعات العسكرية، لإرساء أسس الصناعة الدفاعية”، وهو ما شكّل محور مباحثاته مع رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني، أفيف كوخافي، في زيارته الأخيرة للمغرب.

ونقلت “هآرتس”، بالمناسبة، أن “الدولتيْن ربطتهما علاقاتٌ أمنيّةٌ سريّة خلال عشرات السنين”، ما يُثبت مجددا الرغبة الملحّة في تسريع التعاون العسكري والأمني، خاصة في مجالات التكوين ونقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات والتجارب، بحسب بيان عن هيئة الأركان المغربية نفسها.

تجدر الإشارة كذلك إلى الزيارة الأولى التي قادت شهر مارس الماضي مسؤولين صهاينة كبار إلى المغرب، لتوقيع اتفاق تعاون بغرض إنشاء “لجنة عسكرية مشتركة”، تطبيقا لاتفاقية إطار وقعها وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، خلال شهر نوفمبر من عام 2021 بالرباط.

وتنص الاتفاقية بشكل خاص على التعاون بين أجهزة الاستخبارات، وتطوير الروابط الصناعية، وشراء الأسلحة والتدريب المشترك.

كما تمت زيارة أخرى لقادة الصناعات الجوية الإسرائيلية، ناهيك عن مشاركة إسرائيليين لأول مرة أواخر جوان الماضي في مناورة “الأسد الإفريقي 2022” العسكرية، وهي الأكبر إفريقيّا، بتنظيم مغربي أمريكي.

وسبق ذلك شراء المغرب من إسرائيل في 2014 ثلاث مسيّرات من طراز (هاروب)، بقيمة خمسين مليون دولار، بينما اقتنى في شهر نوفمبر 2021 مسيَّرات من إنتاج الصناعات العسكريّة الإسرائيليّة.

ويسعى الإسناد العسكري المقدَّم للمخزن بوتيرة عالية منذ نهاية 2020 إلى إحداث “محور مغربي إسرائيلي جديد لإعادة تشكيل التوازن الإقليمي”، وفق قراءة مجلة “لوبوان” الفرنسية.

لا شكّ أنّ استقواء المخزن بإسرائيل يحقق مصلحة مشتركة للطرفين؛ إذ أشار معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS) (، في تقرير سابق، إلى متابعة حثيثة لما يجري في المغرب العربي من أجل مراقبة الجزائر، والتي يعدّها الإسرائيليون “مانعا من تعميق التغلغل الصهيوني في المنطقة، كونها دولة محورية وبسبب تراثها الثوري”.

غير أن مؤامرات المخزن المتصهين، مع أخذ السلطات الجزائرية لمخاطرها على محمل الحيطة والحذر، فإنها لن تشكّل خطرا وجوديّا فعليّا على الجزائر، بحسب المتابعين لشؤون المنطقة، لاعتبارات كثيرة، أبرزها فارق القوى الاستراتيجي لصالحها وتحالفاتها المتشابكة هي أيضا مع أقطاب عالميّة مؤثرة، وعلى رأسها موسكو والصين، فضلا عن تغلغلها القارّي والإقليمي وحتى الأوروبي، زيادة على إمكاناتها الواعدة طبيعيّا واقتصاديّا وجيوسياسيّا.

وكشفت مؤخرا، مجلة أمريكية مختصة بالشؤون العسكرية “ميلتيري ووتش” أن الجزائر تملك المقاتِلة الأقوى إفريقيًّا “سو 30” الروسية الصنع ذات المواصفات العالية، والتي تمثّل العمود الفقري للقوات الجوية الجزائرية.

وأشارت المجلة إلى أن 60 مقاتلة من هذا النوع موجودة في الخدمة ضمن القوات الجوية الجزائرية، مؤكدة أن “سلاح الجو الجزائري يُعدُّ منذ فترة طويلة أكبر مخزون قتالي في إفريقيا، وهو الأسطول المقاتل الوحيد في القارة المكوَّن بالكامل من تصميمات الجيل الرابع الحديثة مع تسع وحدات من طائرات Su-30MKA و MiG-29 و Su-24M.

وكانت الجزائر أول دولة تحصل على أسلحة روسية نوعية للغاية، مثل منظومة الدفاع “أس- 400” قبل الصين، بل حصلت على نظام الضرب بالغواصات من قاع البحر ضد أهداف برية منذ سنة 2019.

وتشير التقارير المتتالية لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام أنّ الجزائر تخصص ميزانية أكبر من المغرب مرتين، وتوقع صفقات أسلحة بفارق كبير عن خصمها، لتتحوّل بذلك إلى الدولة العسكرية الأولى في شمال إفريقيا، وضمن القوى الرئيسية في البحر المتوسط.

وتُبرز التقارير المتخصِّصة أنّ الجزائر ستبقى الدولة الأكثر قدرة على الإنفاق العسكري، مما يمكِّنها من استثمارات كبيرة ومستدامة في اقتناء الأسلحة، بخلاف جارتها التي تعاني من الضائقة الاقتصادية وتظل رهينة الدعم الغربي والصهيوني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!