الجزائر
الرئيس تبون في أول اختبار خارجي له

عقيدة الجزائر الدبلوماسية في مواجهة تطور الأزمة الليبية

محمد مسلم
  • 7456
  • 6
ح.م

لم تسعف الظروف، الرئيس الجديد للبلاد عبد المجيد تبون، فبعد الوفاة المفاجئة لنائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الراحل الفريق أحمد قايد صالح، أضافت تطورات الأزمة الليبية متاعب جديدة للوافد الجديد إلى قصر المرادية.

وبينما كان تبون يستعد للإعلان عن أولى حكوماته، جاءت وفاة قائد الأركان لتؤجل العملية اضطراريا، وقد زادت تطورات الأزمة الليبية لتفتح ملفات قديمة جديدة، بشكل استدعى انعقاد المجلس الأعلى للأمن، لأول مرة منذ نحو تسع سنوات.

وينعقد المجلس الأعلى للأمن عادة، عندما يكون أمن البلاد واستقرارها مهددين، ولأجل ذلك، انفض الاجتماع المنعقد أول أمس الخميس، باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الحدود مع ليبيا ومالي، لكن من دون أن يشير إلى طبيعة وماهية تلك الإجراءات.

الاجتماع حضره كل من اللواء سعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش بالنيابة ورئيس الوزراء بالنيابة ووزير الخارجية صبرى بوقادوم، ووزير العدل بلقاسم زغماتي، ووزير الداخلية بالنيابة ووزير السكن كمال بلجود، ومدير ديوان الرئاسة نورالدين عيادي، والمدير العام للأمن الوطني خليفة أونيسي، وقائد قوات الدرك الوطني، عبد الرحمن عرعار.

ووفق بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، فإن “المجلس درس الأوضاع في المنطقة وعلى وجه الخصوص على الحدود الجزائرية مع كل من ليبيا ومالي، وقرر في هذا الإطار جملة من التدابير يتعين اتخاذها لحماية حدودنا وإقليمنا الوطنيين وكذا إعادة تفعيل وتنشيط دور الجزائر على الصعيد الدولي، خاصة فيما يتعلق بهذين الملفين، وبصفة عامة في منطقة الساحل والصحراء وفى إفريقيا”.

ما يثير الانتباه في بيان الرئاسة، هي العبارة التي تتحدث عن “تفعيل وتنشيط دور الجزائر على الصعيد الدولي”، وهو توجه لم يسبق أن أعلن عنه من طرف أي من مؤسسات الدولة، في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

هل هي بداية التراجع عن العقيدة الدبلوماسية للجزائر والتي تقوم على النأي بالنفس عن كل ما يحدث خارج الحدود؟ أم أن طبيعة الظروف وخصوصية الظرف، دفعت السلطات الجزائرية إلى تعديل هذه العقيدة بما يسمح بحماية حدود البلاد؟

كان “نظام العصابة”على حد تعبير البعض، يبرر الانكفاء على الذات رغم التحديات التي واجهت البلاد في عهده، بوجود مادة في الدستور تمنع الجيش الجزائري من التدخل خارج الحدود، وهو المبرر الذي تم الدفع لمواجهة الإلحاح الفرنسي بالمشاركة في الحرب في مالي، وقد لقي هذا الموقف قبولا لدى الرأي العام.

غير أن تعميم هذا الموقف على حالات غير مشابهة ومنها الأزمة الليبية، أفقد الجزائر مكانتها كقوة إقليمية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بحيث أدى صمتها إلى تلاعب دول مجاورة وأخرى بعيدة وصغيرة فضلا عن فرنسا الاستعمارية، إلى الإضرار بالمصالح الجزائرية في دولة جارة شقيقة كليبيا، ما كان ينبغي أن تترك وشأنها.

ومعلوم أن الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، والتي يقودها فايز السراج، لم تتوقف عن مطالبة الجزائر بالانحياز إلى الشرعية الدولية من خلال دعم الحكومة المركزية المعترف بها، منذ أن أطلق الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الحامل للجنسية الأمريكية، والمدعوم فرنسيا ومصريا وإماراتيا وروسيا، حملة عسكرية على العاصمة طرابلس، منذ نحو ثمانية أشهر، مستغلا الظرف الخاص الذي تمر به الجزائر، إثر اندلاع الحراك الشعبي، وما أفضى إليه من إسقاط لنظام الرئيس السابق.

ويعتبر أقوى موقف جزائري بخصوص الأزمة الليبية، هو ذلك الذي صدر عن وزير الخارجية صبري بوقادوم، بعد هجوم حفتر على طرابلس، حيث دعا إلى الوقف الفوري للحرب في طرابلس: “لا نقبل أن يتم قصف عاصمة في دولة من المغرب العربي ونحن صامتون”.

بيان رئاسة الجمهورية عقب اجتماع المجلس الأعلى للأمن يوحي بوجود توجه جديد للجزائر خاصة في التعاطي مع الأزمة الليبية، وذلك بعد أن أصبحت هذه الأخيرة مسرحا لمرتزقة وملعبا لقوى أجنبية بحسابات مصلحية ضيقة على حساب الشعب الليبي واستقرار جيرانه.

مقالات ذات صلة