-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

على بصيرة: أمة الهزائم، وشعوب السوائم

عبد الرزاق قسوم
  • 3159
  • 21
على بصيرة: أمة الهزائم، وشعوب السوائم

هل كتب على أمتنا أن تكون أمة الهزائم، وعلى شعوبها أن تعيش عيشة السوائم؟ وإلى متى يحكم على أمتنا، وعلى شعوبها أن تعاني الخسف والظلم، ومعاملة البهائم؟

لقد عانت أمتنا من الهزائم المتعاقبة، حتى لم تعد تعرف النصر أو تحلم به. منينا ونحن جيوش عربية كثيرة ضد جيش واحد من هزيمة  1948، بسبب الأسلحة الفاسدة، والقيادات الراكدة، والذهنيات البائدة، وعللنا أنفسنا، بأنها مجرد نكسة، أو نكبة، ولكننا ضيعنا بها فلسطين، ودُسَّتْ جباهنا، وأنوفنا في الطين.

ودخلنا الحرب في عام 1956، على وقع أناشيد الطبلة والمزمار، فضيعنا فرصة الثأر، واستعادة الأمصار، وقلنا إنه تحالف الصهاينة مع الاستعمار، فخرجنا بأنكى ما يمكن من الخراب والدمار، وظللنا نلعق جراحنا، ونعد العدة بتدريب جيوشنا، وتجديد أسلحتنا، فجاءت هزيمة يونيو 1965، التي جللتنا بالعار، وفقدنا فيها ما بقي من الكرامة ومن الأمصار.

ثم جاءت معركة العبور التي حسبنا أننا عبرنا بها نفسيا وعسكريا من مرحلة الهزائم، إلى مرحلة الغنائم، والخروج من المآتم والمظالم، ولكن ما راعنا إلا وأننا جددنا العهد بالهزيمة، وبؤنا بخسارة عظيمة، بسبب الخيانة اللئيمة، والقيادة السقيمة.

هكذا، إذن، تطل علينا هذه الهزائم برؤوسها كرؤوس الشياطين، لتذكرنا بدروسها التي لم نحسن الإصغاء إليها، لتقول لنا على لسان الشاعر العظيم نزار قباني:

لا تقتفوا آثارنا        لا تكتبـوا تاريخنــا

فنحن تافهـون        كقشرة البطيخ تافهون

لم تعد أمتنا العربية والإسلامية تكتفي بالهزائم على أيادي الأعداء، فنسلي أنفسنا، بقول صاحب الألفية النحوية: والحي قد يَغلب ألف ميت

إن الأنكى أننا أصبحنا نعاني هزيمة ذاتنا، فما كان نصراً باسم الربيع العربي، تحول إلى هزائم نكراء يطبعها الدم، والقتل، والانقلاب، والاضطراب، فكانت “الوخدة” في تمزيق الوحدة.

واليوم، وأم الهزائم، في يونيو تطل علينا، مذكرة إيانا بما فقدنا من بقايا الأرض، وبما ضيعنا من متطلبات الواجب والفرض. لم يعد لنا أي مبرر فتعلل به، أمام ما يتجدد في أرضنا من هزائم، بدءا بالعراق وما يعانيه من حرب الرفاق بسبب النفاق والشقاق، إلى سوريا الدامية ومحنتها الغالية، إلى ليبيا، الشقية بأبنائها، المغتالة بقادتها وزعمائها. ولا ننسى اليمن الذي كان سعيداً، فأضحى طريداً، ومصر الكنانة التي كنا ندخلها آمنين، فصارت مأوى ذئاب للمارقين والانقلابيين، تهزها الاعتقالات، وتطبعها الاعتداءات على الطلاب والطالبات، والمراهقين والمراهقات. وتونس الخضراء، التي كانت تؤنس من الوحشة، يأوي إليها الغريب للاستجمام، ويقصدها الشعراء والمثقفون، لينهلوا من زيت زيتونة جامعتها الذي يكاد يضيء، إن تونس المؤنسة، يريد الإرهاب أن يحولها إلى موحشة، إذ يشيع فيها  قتل الأبرياء، والسطو على منازل الضعفاء، فاللهم إننا نبرأ إليك مما يفعله بنا، وبأرضنا أمثال هؤلاء.

كنا نعلل النفس، بأن ما أصابنا من هزيمة، واندحار، إنما كان بسبب تسلط الظلمة، والمستبدين الفجار، فماذا عسانا نقول اليوم، وقد رفع شعار الربيع العربي، الذي “حرر” البلاد والعباد من الظلم والاستبداد، وأعاد الأمور إلى المعذبين والمعتقلين، وذوي الاستشهاد.

إن آثار الهزائم، التي كانت مقصورة على البلاد العربية وحدها، بسبب مكونات الفرد والأرض، قد امتد شؤمها وباسم الإسلام، إلى الصومال، وإلى مالي، وإلى نيجيريا، بعد “الطالبان”، و”بوكوحرام”.

لذلك، فإن، الأنتلجنسيا العربية والإسلامية، مدعوة اليوم، وهي تستعرض ذكريات الهزائم، أن تخضع الأحداث إلى مزيد من التأمل والتحليل، وأن ندخلها في مشرحة الطب النفسي، ومخابر الاستراتيجيات السياسية، بل وأن يخضع العقل العربي المسلم بالذات إلى تقنيات علم الأجناس والأنتروبولوجيا، عسانا نظفر بالسر الذي يكمن خلف هزائمنا الخارجية والداخلية.

فإذا كانت بلداننا تزخر بالأطباء الروحانيين، والرقاة المتميزين، وسادة الجن، الأحمر، والأخضر، وغيرهما من المتنفذين، كيف عجز كل هؤلاء، عن اكتشاف الداء، وفشلوا في العثور على الناجع من الدواء؟

لا نكذب على أنفسنا، ولا نخادع بعضنا، فنحن أمة القرآن، نحمل عوامل علاجنا في هذا القرآن بالذات. إن كل ما يتطلبه الدواء المنشود، أن نعود إلى القرآن، فنقرأه، بعقل مفتوح وقلب مشروح، لنجسدها في سلوكنا، وفي معاملاتنا، فتتحدد العلاقات، وتضبط الصلاحيات، و تقنين روابط العلاقات. لقد آن الأوان لأن نفيق مما نحن فيه، فنضع حدا لهزائمنا المتراكمة، ومأساتنا المتلاطمة، فبالرغم من كل ما قد يشوبنا من سلبيات، لا نستحق كل هذه الألوان من الجزر الذي نكابده.. بل إننا أمة قادرة على صنع الانتصار، لو تولت حكمها قيادات باقتدار.

فمتى نستيقظ من سياسات التخدير، والتبرير، والإنذار؟ ومتى نعيد، مقاليد الأمور إلى مستحقيها من أهل الكفاءة، النـزهاء الأطهار؟

إننا، بالرغم من كل السحب الدكناء التي تحجب سماء الدار نظل متفائلين، بأن نتمكن من تحويل الهزائم والانكسار، إلى انتصار وفخار.

مقالات ذات صلة
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
21
  • الأستاد/الرحمن سرحان

    قلوبنا مثله تتحرق شوقا لاستقلال فلسطين، نحررها من أيدي الغاصبين، كما قال.. لا يتأتى إلا باتحاد المخلصين ونبد الخلاف والموالاة للغربيين الذين شجعوا الاستطان في أرض الأنبياء والمرسلين

  • الأستاد/الرحمن سرحان

    مقال أستاذنا الدكتور إخباري مسجوع، محوره اجتماعي وطني مفجوع لتقرأه الربوع من خلال هذا الذيوع، حتى تتحد أمتنا فلا شعب فلسطين يجوع وتعود أرضه إليه بعد خضوع.
    أستاذنا ساخط يتألم. برسل من خلالكم الحسرات لما أصاب أمتنا من النكبات ويُعير الحكام ليُنهض همم الركام ربما يُحيي الخشب فتعود للحمية للعرب.

  • بنحاج

    لعلك قرات لعلماء البلاط واستنتجت هذه الاقاويل -اما السيد قطب انا قرات كتب الامام الشهيد و السيد قطب لكنك لا تفقه ما يقولون.

  • بدون اسم

    اذن المشكله في اللغه !!! والله عندما ينقرض امثالك لربما نخرج رؤوسنا من الرمال!!! عندما تسرقون و تكذبون و تغشون و تزورون في كل شئ.. عندما تحتالون لاجل الحصول على أي شئ دون جهد ولا كد كيف ستتقدمون ؟ كيف مشكلتكم كالنعامه تخبئ رأسها و تكشف عن ....

  • merghenis

    « فجاءت هزيمة يونيو 1965 »
    الحرب كانت في 1967 (من 5/06 إلى 10/06 )

  • الصيام جنة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    يكفي أن تقرأ كتب السيد قطب وحسن البنا وما قاله علماء أهل السنة والجماعة فيها -الكتب- لتعلم الضلالات وليس ضلالة واحدة الموجودة في منهج الإخوان .. وإن كنت لا تعرف بأن الإخوان يعتمدون على أفكار من ذكرت .. فأنت في وضع خطير لأنك تدافع عمن لا تعرف. اللهم اهدنا الصراط المستقيم. آمين.

  • طاقيني

    ان الذي جمع الشتات المتناثر في جزيرة العرب و إستخرج خامتها و رفع هامتها هو الاسلام و لا يصلح حال هذه الامة إلا بما صلح به أولها قد تسميه أنت تحنيط على النص او جمود بإعادة الامور إلى نصابها و لكن الغائب عنك هو أن هذه الامة لم تعرف الهزائم و الانحطاط إلا بعد أن أمزجوا دينهم بالفلسفة اليونانية يا استاذ نحن حملة رسالة و لن يمكن الله لنا إلا بعد عودتنا و رجوعنا للمنبع الصافي أقول لك إرجع إلى قصة طالوت كيف إبتلاهم الله بنهر و علق النصر به و ما علاقة النهر بالعدة و العتاد و النصر و الهزيمة.

  • سمير الساحلي

    يا أستاذ ...أنت تطرح واقعا وتنتقد أمّة بأكملها كالأمة العربية مافتيء أعداؤها وأعداء عقيدتها يتحرّشون بها : الله الله عليك لو قدّمت اقتراحا تكون لنا به من النّاصحين لنساهم جميعا وبعون من الله لبعث مجدنا التليد، وتتشبّب الهمم.ولك أجران.

  • بنحاج

    لماذا لم تذكر اسمك انت خائف -يا اخي هل تعرفهم هل قرات كتبهم هل سفرت معهم-هل جلستهم و تحدت معهم هل .........
    انت اما جاهل او حقود على من يحمل المشروع الاسلامي او مندس
    او ............و انت ماذا قدمت

  • حسان الشيخ

    تحيه للأستاذ لقد قدمت صوره حقيقه عن هذه الأمةوعن الوضع العربي الذي أصبح الآن يعيش على حد قول البشير الابراهيمي نوع من التفرق وهو شر كله.قال رحمه الله "أيتها الأمة! إن التفرق شر كله، وشر أنواع التفرق ماكان في الدين،وأشنع أنواع التفرق في الدين ما كان منشؤه الهوى والغرض،ونتيجته التعادي والتباغض، وأثره في نفوس الأجانب السخرية من الدين والتنقّص له واتخاذ أعمال أهله حجة عليه،وما أعظم جناية المسلم الذي يقيم من أعماله الفاسدة حجة على دينه الصحيح، وما أشنع جريمة المسلم الذي يعرض دينه الطاهر النقي للزراية

  • سعد

    هذه افتراءات وليست استنتاجات اذ كيف لأمة استطاعت ان توصل رسالة الاسلام مختلف الدول ومنها المغرب العربي وهزمت الفرس والروم تقول عنها امة منافقة اللهم اذا كان النفاق سلاحهم افق ولا تنخدع بالمؤامرات

  • بدون اسم

    و الدليل على ذلك أنها أمة هزمت الروم والفرس و فتحت أقاصي الارض.

  • حمورابي بوسعادة

    الأنثروبولوجيون الغربيون الذين تتحدث عنهم يا شيخ درسونا واكتشفوا أننا قوم نريد سياسة " خلطها تصفي " ليأتوا لنا ب" نظريات الفوضي الخلاقة "و"الفوضي المنظمة" التي أصبح كل من هب ودب يتمتع بسماعها ويمشي في ركبها ويتمناها تنفذ في أرض الواقع ...لله درك يا أمة محمد صلي الله عليه وسلم .

  • مشعل

    امة الهزائم لاننا تركنا الدين والجهاد واهتمينا في الدنيا الفانيه

  • عبد الرحمن

    بسم الله الرحمن الرحيم.أستاذنا المحترم!إن ما تسمونه ربيعا عربيا هو في حقيقة أمره فتنة أتت على الأخضر واليابس حيث دفع الثمن الأبرياء البسطاء من الأمة العربية وكأنهم هم العبء يجب التخلص منه لتخلو الساحة للسادة والكبراءفينعمون ويمرحون. أستاذنا الكريم!منذ ظهورمايسمى الربيع والخراب يزداد ويكبر والاستقلال يضمحل شيئا فشيئاوالاستدمار يعود رويدا رويدا باسم الديمقراطية وحرية التعبير.كم أحزنني وآلمني يوم ساندت جمعية العلماءالمسلمين الجزائريين(عمار طالبي)الناتو (ساركوزي) ضرب ليبيا وتدميرها للتخلص من قائدها.

  • الصيام جنة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    "ومتى نعيد، مقاليد الأمور إلى مستحقيها من أهل الكفاءة، النـزهاء الأطهار؟"مع احترامي لك واحترامي للجمعية التي تترأسها الآن.. إلى أن الإخوان المسليمن الذين تتمنى أن يعاد لهم الحكم في مصر ليسوا أهلا لذلك.. ففي منهجهم ضلالة ..وهو أخطر على الإسلام والمسلمين من منهج الانقلابيين ..على الأقل الانقلابيون واضحون أما الاخوان فهم يتخذون التقية في كل شيء المهم عندهم أن يستولوا على الحكم ولو على حساب العقيدة .والله المستعان.. أرجو أن تتحدث عن منهجهم وتبين لنا رأيك فيه.

  • algérien

    بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: لا أضن على حد علمي أننا في يوم من الأيام سنقلب هزائمنا إلى انتصارات مع كل إحتراماتي لك و للجميع و عذرا إن كنت شديد التشاؤم و لكنها الحقيقة و الله؛ ففي عهد الرسول صلى الله عليه و سلم كان أكثر العرب منافقين و كذلك كان الأمر بعد موته مباشرة حيث أن الكثير من القبائل العربية أعلنت ارتدادها و هذا دليل على أن هذه الامة ليست أمة إسلام و لا قرآن و لا هم يحزنون؛ و الدليل على ذلك الفسق المنتشر على مستوى جميع الطبقات الغنية و الفقيرة، المثقفة و الأمية، الحاكمة و المحكومة.

  • محمد رايس

    النخبة العربية و الاسلامية و علماء الدين في ارجاء العالم الاسلامي من اندونيسيا الى تومبوكتو , كلهم مدعوون لتجديد الخطاب الديني و نزع الركود و الجمود الذي وضعه فيه علماء عصر الانحطاط . آن لفلسفة ابن رشد و ابن سينا و التوحيدي و الفرابي و الراوندي و النظام و اخرون و هي الفلسفة التي حاربها الانحطاط و الجهل و التطرف اقول آن لها ان تنهض من تحت الرماد و تقوم بدورها مثلما قامت به في اوروبا التي سبقتنا سنينا ضوئية .. حرروا العقل المسلم من القيود المرئية و اللامرئية و سيقدم للعالم حضارة المستقبل.....!

  • عاشق الجزائر

    عندما نتخلص من العروبة المزعومة ونركب قطار العلم والمعرفة والتعارف والإنفتاح على جميع الأجناس دون عقدة ونتعلم كل اللغات دون تعصب للغة العربية وفرضها بقوة النار والحديد على الأجيال القادمة ونعطي للعلم أهمية دون الإكتراث باللغة التي يحملها ودون نسيان لغتنا الأم العربية والأمازغية طبعا عندئد سننطلق .

  • محمد رايس

    النخبة في الجزائر و التي تفكر بعقلية القرون الماضية و لا تجدد خطابها هي سبب التخلف و الهزائم و البلايا التي تعاني منها الامة العربية و الاسلامية. هؤلاء الذين يضعون انفسهم في مرتبة علماء الامة لا يجرؤون على الاعتراف ان خطابهم و تفكيرهم اصبح من الماضي و لم يعد ذو جدوى .العالم المتطور يخوض عباب السماء ليسكن اطراف المجرة , و علماؤنا يحاربون و يقاتلون بعضهم على من هو الاكثر تفقها و فهما للدين , و من هو من الفرقة الناجية و أي المذاهب على صواب و بعض الفتات من الدين كافيا لأن تسيل الدماء انهارا لأجله.

  • amor sebti

    يااستاذ فلنبدا من الاسرة اولا من هنا بدات الازمة نحن فاشلون حتى في تسيير عائلة فما بالك بدولة او وطن -رانا غاشي فقط-مانليقو لوالو .من قلة الاحرار يقودونا....لحراير.