-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“علي”.. مات واقفا.. وسيظلّ!

قادة بن عمار
  • 3565
  • 4
“علي”.. مات واقفا.. وسيظلّ!
ح.م

كم نحتاج من وفاءٍ حتى نكتب عنك، وكم نحتاج من صبرٍ حتى نتجاوز فاجعة رحيلك، وكم نحتاج من صدقٍ حتى نوافيك مقامك، وكم نحتاج من إيمانٍ حتى نعترف بموتك!

علي فضيل، الأستاذ والإنسان.. نقول لك: إلى لقاء قريب ولا نقول وداعا إلى الأبد!

أعرف “السي علي” منذ 14 سنة وأكثر، بينها سنوات، لم ينقطع فيها التواصل والاتصال بشكل يومي تقريبا، يسألني وأتعلّم منه، يستفسر عن شيء فأجيبه، يطلب مني رأيا فأتبادله معه…

حصص وندوات ومقالات وبرامج لم تتوقف، ولن تتوقف، بينها تلك الحلقات المثيرة للجدل في سياق برنامج “هنا الجزائر”.. الذي حقق نجاحا كبيرا وواجه حملات مغرضة، واتهامات باطلة، ما كان لـ”الشروق” أن تتجاوزها دون فطنة علي وعبقريته وروحه العالية، وخلطته السحرية!!

لكن التلفزيون والعمل عموما في “الشروق” ليس سيّئا مثلما يتصور البعض، وإن ضاق المجال واشتد الخناق وانتصر الباطل للحظات، بل كان ولفترات طويلة، يمثل رحلة عمل ممتعة جدا، يكفي أن علي فضيل رافقنا فيها بصدق، وأسس لها بمهنية وصنع الكثير من الأسماء فيها بعناية شديدة!

لولا “علي فضيل” لما عرفت، مثل الكثير غيري، ومن أبناء جيلي، شكل التلفزيون ولا شكل الكاميرا، ولا ذقت طعم النجاح ولا عشت تفاصيل التجربة بحلوها ومرها!

لولا علي، لما كنت اليوم أتلقى تهنئة المهنئين ببرنامج ناجح أو حوار مميز أو تعليق قوي، وما كنت لأتلقى منذ يومين وأكثر، كل هذا العزاء في فقدان رجل متواضع في مقامه، طبيعي جدا في مساره!

لقد جعل مني علي فضيل إنسانا ناجحا، مثلما جعل مني والدي رجلا!

كيف يمكنني تصوّر “الشروق” من دونك يا علي؟ ! وأنت الذي أمضيت شهادة ميلادها مكررا لجميع من يسألك عن وقفها أو يتمنى اغتيالها، هل شاهدتم الشمس يوما قد انطفأت؟ هكذا هي شمس “الشروق”، لن تنطفئ، ألم تقل لنا يا علي، إن “الشروق زاوية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح خصومها في وقف مسارها!”.. لقد صدقت.. فالسنوات الصعبة التي عاشتها “الشروق” في فترة نظام بوتفليقة، ما كان لنا أن نتجاوزها دون علي فضيل، ففي كل مرة كان أحدهم يهدد القناة وعمالها بسبب تصريح أطلقه ضيف ما، أو تقرير أنجزه زميل ما، إلا وكان علي فضيل بالمرصاد، يمتص التهديد وكأنه لم يكن!!

واجه علي غضب “الجماعة اللي فوق”، وتألم من اتهامات بعض الناس، لكنه لم يتكلم، ولم يرد بل وفي كل مرة كنا نشعر فيها بضيق شديد أو خوف من الآتي، كان صوت علي يأتينا بسرعة، روحوا برك.. روحوا بالشويا وراني معاكم!

كيف لقلب إنسان أن يتحمل كل هذا الوجع وتلك الخيانات والمؤامرات والدسائس والحملات، لكن قلب علي كان يتحمل!؟

ربما، لأنه كان قلبا دافئا محبا لكل الناس، لا يعرف الحقد ولا يعترف بالحسد ولا الضغينة، قلب منفتح على الكل، يحتوي الكل، ومتصالح مع الكل!

قبل نحو عشر سنوات، تشرفت بالمشاركة في أسطول الحرية لدعم غزة، وهي القافلة التي ساهمت في التعريف بحصار هذا القطاع العزيز على القلب، يومها، لم يتوقف علي فضيل عن الاتصال بي والسؤال عني، خائفا ومشجعا ومتطلعا… خائفا من مصير قد ألقاه ولا يعرف كيف يواجه أسرتي به، ووالدتي تحديدا، ومشجّعا لي على خوض تجربة كبيرة مثل هذه، فالحياة تجارب والصحافة مغامرة جميلة، فكيف إذا التقت المغامرة بنبل فلسطين وما أدراك ما فلسطين!

وفي تجربة التلفزيون، كان صعبا على قلب إنسان أن يصمد بلا وجع ولا تعب، سواء عند التأسيس أم خلال مرحلة البناء والتشييد وفتح القنوات وتوظيف الآلاف وتنويع البرامج!

قلت له أكثر من مرة، كيف لرجل مثلك أن يتحمل كل هذه الخيانات التي تتعرض لها، والخيبات التي تلاحقك من أشخاص قربتهم منك، فخانوك، أكرمتهم فخدعوك، رفعت من مقامهم فأنكروك، لكنه كان يرد: “تركتهم لله وللزمن، ومن عاش ناجحا لا بد له من بعض التجارب الفاشلة حتى يتعلم”!!

علي فضيل لم يكن مسؤول عمل فحسب، ولا مالك جريدة أو قناة، علي كان أخا وصديقا وزميلا، فقدت برحيله الظهر والسند والدعم وشعرت عقب موته بغربة كبيرة..

إلى لقاء قريب يا علي.. أيها الرجل الطيب، والصحفي المهني، والإنسان المتواضع، سيكون لزاما علينا انتظار وقت طويل لنعثر على شبيهك مرة أخرى.. وللتعود على فراقك.

رحمك الله يا أستاذي العزيز، ويا صديقي، فقد هزمك قلبك هذه المرة لكنك هزمت فيه الفشل أكثر من مرة، يكفيك شرفا أنك مت واقفا.. يكفيك هذا الشموخ وهذا الحب وهذا الأثر الجميل من بعدك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • ملاك نور

    أولا بادئا ذي بدء أعزيكم أعزي نفسي في هذا المصاب الجلل، رحم الله الحاج علي وطيب ثراه وأسكنه فسيح جنانه، حقيقة لم أعرف الرجل شخصيا و لكن عرفناه من خلال مواقفه و قنواته، نسأل الله الصبر و السلوان لعائلته الصغيرة و الكبيرة ، عاش كبيرا و مات كبيرا.

  • بن الصيد بوجمعة

    لله ما اعطى وله ما اخذ وكل شيء هنده بمقدار اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اكرم نزله ووسع مدخله اللهم اغسله بالماء والبرد والثلج ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس اللهم ابدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من اهله عظم الله اجرنا واجركم واحسن عزاءكم اللهم اجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها انا لله وانا اليه راجعون

  • محمد قدور

    رحمه الله، أحسسنا فعلا أنه كان مع الشعب، والعديد من المواطنين تعلموا الحوار على قناتكم، عاش التضييق سابقا بقطع أموال الاشهار، وعاش التضييق الى أن توفي، فهو مسؤول على العديد من اعائلات ..

  • Aissa Elec

    نعم يموت الرجال وتبقى اثارهم رحمة الله عليه