-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عناوين مذكرات الماستر للرضع في محاضن جامعية

عناوين مذكرات الماستر للرضع في محاضن جامعية

إذا كانت أزمتُنا أزمة فكرية، فمن أين نحصّل على الأفكار الحية ونستبعد الأفكار الميتة والقاتلة والمخادعة التي ملأتْ وما زالت تملأ –للأسف الشديد- فضاءات وسماء الجزائر؟ وإذا كانت الأزمة ثقافية، فمن أين وبِمَ نستطيع أن نكتسب ثقافة بانية ناهضة مُحْيِيَةً، ونستقبح الثقافة الهدامة ونسترذل زبائنها ومروجيها، التي عجَّ وما زال يعج بها الفضاء الفكري والثقافي الجزائري إلى اليوم؟

وإذا كانت الأزمة حضارية عمرانية مدنية، فمن أين يمكننا أن نبني عمرانا ونتحلى بسلوكات تعكس قيما حضارية عالية ونبيلة معا، تلك التي ما فتئت تشوه مدننا وقرانا وريفنا ومحيطنا العمراني والبيئي والمناخي؟

وإذا كانت الأزمة في حقيقتها أزمة تقصير وجهل وقعود وخورٍ عن الأخذ بالسنن والقوانين والنواميس الكونية التي يتأسس عليها كل جميل وتفوق وريادة في العالم، والتي لا يتعدى حظنا منها سوى الأماني والأكاذيب والتزوير والدعايات الكاذبة وشراء الذمم ومقايضة الصمت بالنزر اليسير لاقتناء السلم الاجتماعي الخامد؟

وبعد هذه التساؤلات الإشكالية العميقة الأربع نطرح تساؤلا إشكاليا خامسا، وهو كيفية تشخيص هذه الأزمات القاتلة والمزمنة التي تعاني منها الجزائر وكيفية إيجاد الحلول المناسبة والناجعة لها؟ والجواب سهلٌ وبسيط في نظر أهل العلم، ويمكننا أن نجيب عنه بسرعة وتلقائية ووضوح ومباشرة بأنه: طريق طلب العلم وتحصيل المعرفة والبحث العلمي الأكاديمي المجرَّد والمحايد. هذا الطريق – للأسف الشديد- المفقود والغائب من سماء وأفق جامعاتنا، ومتلاشي أيضا من مخيال وتوجُّه وقناعات وقيم نخبنا الجامعية. التي يُفترض في نشأتها وتأسيسها ووظيفتها أنها محاضن عوالم الأفكار ومنبع الثقافات وشلال المدنية وعطاء الحضارات والعمران.. ومحضن تلقي معارف السنن والنواميس الضابطة لصيرورة الحياة السوية.. وهي للأسف الشديد ليست كذلك، وسأبيِّن لكم ذلك من خلال القرارات الارتجالية وغير المدروسة والتي لا يعدّها الباحثون المتخصصون في الميدان..

وإليكم نتفا عابرة ومختصرة من هذه القرارات والقوانين الارتجالية وغير المدروسة، والتي لا يمكن أن تتحقق وتتجسد واقعيا وعمليا حسب خبرتي التعليمية التي قاربت أربعة عقود (1982-2021م).. وعلى رأسها فتح مرحلة الماستر لملايين الطلبة المتخرجين من الجامعة–دون أن ننسى قرار 961 الارتجالي وغير المدروس المتعلق بمسابقة الدكتوراة- .. والتي تكشف دونما عناء أن مقصدها الرئيس هو ذر الرماد في عيون الشباب العاطل والمهمَّش والمحطم وإطالة مدة أزمته وإلهائه وإسكاته عن مطالبه الحقيقية المتمثلة في العمل والسكن والأجر الكريم والحياة الآمنة والمستقبل المضمون.. لينشغل بها سنتين قادمتين ويريح السلطة من مطالباته الحقيقية العاجزة عن حلها تماما..

والأسئلة المطروحة الآن هي: أولها هذا السؤال المستنبط من صميم خبرتي التعليمية، كيف يمكننا أن نؤطر هذا العدد الهائل من الطلبة في قسم  الماستر تأطيرا علميا ومنهجيا فعليا وصحيحا وسليما؟ وكيف يمكننا أن نمتحنهم ونختبرهم ونقيِّمهم تقييما علميا صحيحا يُثبت جدارة الشهادة التي يحملونها أنها كِفاء كمية معتبرة من المعارف الدقيقة المساوية لها؟

ولعل من أهم الأسئلة المخجلة الحديث عن التأطير عن بُعد، وكيف يتم، إنه يتم بواسطة أن تضع مطبوعة ملفقة من شبكة المعلوماتية في موقع الكلية وتتراسل مع الطلاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني فقط.. هذا هو التعليم عن بُعد الذي نعرفه في جامعاتنا، لأن التعليم عن بعد له قوانيه وأساليبه وتقنياته التواصلية، وليس وضع مطبوعة في موقع الكلية.. وأهل الاختصاص يعرفون ذلك، فهل بالفعل ما نقوم به في جامعاتنا هو ذاته التعليم عن بعد؟ طبعا لا.

والسؤال الأكثر إثارة وتعاسة واستهزاءً وهو الذي يحمل عنوان هذا المقال، من سيضع لهؤلاء الطلبة الضعاف جدا -بل المنتهية صلاحيتهم المعرفية- ربع مليون أو حتى عشرة آلاف عنوان لمذكرات ماستر؟

أجزم بخبرتي العلمية وفي عالم الكتب والقراءة والكتابة والتأليف أن الذي يتخيل أنه سيضع ربع مليون أو حتى مائة ألف أو حتى خمسين ألف أو حتى عشرة آلاف عنوان لمذكرات الماستر أنه مجنونٌ يجب أن يساق إلى مصحة عقلية، ويُبعَد عن تأطير وتسيير أسمى قطاع في الحياة، إنه قطاع العلم والمعرفة والبحث العلمي.. لا يعرفه إلاّ من كابد البحث والقراءة وصبر على لذتهما ومرارتهما.

هذا الطالب الذي لا يستطيع أن يسرد لك أسماء خمسة أو عشرة كتب قرأها في تخصصه طيلة خمسة أعوام.. هذا الطالب الذي لا يكلف نفسه استعارة أو اقتناء كتاب من مكتبات الجامعات الزاخرة بالكتب.. والدراسات الميدانية كالتراب من كثرتها في هذا الفضاء الجامعي الهيكلي المخزي..

هذا الطالب الذي لا يعرف كيف يحرر فقرة صحيحة باللغة العربية العلمية خالية من الأخطاء، ثم ينال نقطة ثمانية عشرة في كثير من المواد وينجح في مؤامرة تصفيف الفشل في مراكز الردم الجامعي والاجتماعي المشلول.. التي تقوم بها نخب الجهل التي لم تعد تقرأ حتى الجرائد..

هذا الطالب الذي يجب أن يتخرج حافظا لربع القرآن من الكليات الإسلامية وهو لا يحفظ حتى حزب سبّح أو عمّ يتساءلون أو حزب الجن؟ والدراسات الميدانية مفتوحة أمامكم يوميا، يمكن أن تقوم بها القنوات الخاصة وتتخذها برامج ترفيهية وتسلوية ممتعة عن حال جامعاتنا ومعاهدنا وكلياتنا ذات المباني والهياكل الكبيرة الحجم الخاوية الروح والمعنى.

أرسل لي صديقٌ مجموعة من رسائل الماستر استدعي ليكون عضوا مناقشا فيها، فقرأها وكتب تقارير سلبية ومنحها نقطة الصفر، ولكن عميد الكلية تدخّل ليرفع النقطة إلى عشر، فأرسلها لي هذا الزميل لكي أطلع عليها، ولما قرأتها قلت: هذه ومشرفها والعميد الفاسد يستأهلون الطرد من الجامعة، لأن مشرفها لا يقرأ ولا يعرف البحث العلمي أصلا، فكيف نجح وصار بروفيسورا ديناصورا في الإشراف والمناقشات؟!

ولعلني أنقل لكم دراسة ميدانية أجريتها على هؤلاء الطلبة الذين ينالون النقاط العالية وهم لا يعرفون كتابة جملة مفيدة، ويمكنكم أن تجروها وتسألوا الطلبة هذا السؤال: (ماذا يقول الإمام في صلاة الصبح عندما يصمت قبل الركوع في الركعة الثانية لمدة دقيقتين؟) تصوّروا للأسف أنهم لا يعرفون دعاء القنوت!

هذا دون الحديث عن الأساتذة الذين لا يقرأون ولا يكتبون ولا يبحثون، فقد أرسل لي صديقٌ مجموعة من رسائل الماستر استدعي ليكون عضوا مناقشا فيها، فبعد أن وصله مقرر التعيين الرسمي والرسائل فقام بقراءتها وكتب تقارير سلبية ومنحها نقطة الصفر، ولكن عميد الكلية تدخّل ليرفع النقطة إلى عشر، فأرسل لي هذا الزميل هذه الرسائل لكي أطلع عليه وأعرف ما هو واقعٌ في تلك الجامعة، فلما قرأتها قلت: هذه ومشرفها والعميد الفاسد يستأهلون الطرد من الجامعة، لأنها مشرفها لا يقرأ ولا يعرف البحث العلمي أصلا، فكيف نجح وصار بروفيسورا ديناصورا في الإشراف والمناقشات؟!

ولي زميل آخر ُوضع في لجنة مناقشة بمقرر رسمي وأرسلت له المذكرة ليقرأها، ولما خاف منه المشرف الكسول استبدله بالتواطؤ مع الإدارة وناقشوا الرسالة في غيابه، ولما حضر صديقي هذا يوم المناقشة ليناقش لم يخسروا عليه سوى عبارة (أخطأنا) دون اعتذار، ولما ُرفع الأمر للعميد صمت وتواطأ على الفساد..

وأرسل لي زميل آخر مأساة أخرى ومفادها: أنه وضع نقطة عشرة لأكثر من عشر مذكرات ماستر حياءً من الجهد الذي بذله الطالب لوحده، ولكنه فوجئ ووجد أن أعضاء اللجنة والمشرف منحوه نقطه سبعة عشر، فأرسل لي تلك الرسائل ليطمئن قلبه، فلما رأيتها علمت من أين سنؤتى من مقاتلنا؟ ومن أين ستتدمر الجزائر؟ ومن أين ستنتهي فكريا وعلميا وحضاريا وثقافيا وسننيا.. هذا إن لم نكن قد انتهينا فعلا.

وحدثني  أكاديميٌّ كبيرٌ جدا أن دُعي لدراسة مشاريع البحث التي تدفع الدولة مقابلا ماليا لها كل عام للأساتذة، أنه طلب نسخا مصوَّرة عن تلك الإنجازات العلمية والبحثية التي تختزلها تلك التقارير، فوجد أنها لا يقابلها بحثٌ علمي حقيقي، وإنما هي مجرد استرضاء وامتهان لغريزة الطمع وحب المال لن يسمُّون أنفسهم باحثين، فلا بحث ولا إنتاج.. وعلى السلطة أن تطلب ممن سجلوا مشاريع بحث أن يحضروا أبحاثهم الحقيقية التي تقاضوا عليها الأجور ستكتشفون لماذا نحن أمة متخلفة وفي ذيل الأمم..

وقد حدثني صديقي الأكاديمي المحترم جدا عن آلية قذرة تتمثل في استبعاد الأساتذة الأكفاء لتدريس سنوات الثانية ماستر والسنة الثالثة وتسليمها لقليلي البضاعة والخبرة والتأليف، وهو للأسف موضوعٌ من مواضيع السقوط المعرفي الذي تتردى فيه جامعاتنا.

أصدقائي: أرأيتم أن حل الأزمة بالعلم، والعلم لا يوجد في الجامعات؟ فأين يوجد يا ترى؟ ابحثوا عنه من فضلكم وأخبروني هداني وهداكم الله..

هل حل الأزمة في سلوك رئيس قسم أو عميد فاسد؟ أم في تلك القوانين الصادرة عن غير المتخصصين والجاهلين بالواقع؟ أم في ذلك الأستاذ الذي لا يقرأ ولا يكتب ولا يبحث؟ أم في نوعية ذلك الطالب المتهافت؟

طبعا السلطة تعرف أين هو الحل الحقيقي، ولكنها لا تريد إلاّ إطالة عمر الأزمة لتسهل عليها عملية القيادة والتطويع. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • اميليا

    ا.ذا أوكلت الأمور لغير أهلها انتظر الساعة مسؤولا عن التعليم العالي لا يعرف قيمة لجائزة نوبل ومن يأتي بعده لا يعلم أن من الجهل ما قتل