-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما تتحوّل العلمانية إلى واقع نعيشه!

سلطان بركاني
  • 1539
  • 2
عندما تتحوّل العلمانية إلى واقع نعيشه!

من أخطر ما بليت به الأمّة الإسلامية، في هذا الزّمان، شيوع الأفكار والدّعوات الهدّامة التي تناقض الوحي، وتقوم على استباحة الشهوات وتذليل سبل الوصول إليها، وعلى إثارة الشّبهات والتشكيك فيما جاء به الأنبياء، خاصّة خاتمهم نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وسلّم.. ولأنّه لم يبق في الوجود دين صحيح يستطيع في أن يواجه دعوات الإلحاد والمادية المعاصرة ويقف سدا منيعا في وجه سيول الشهوات والشبهات، إلا الإسلام، فإنّ المكر العالمي الذي يقوده إبليس وجنده يركّز حربه على هذا الدّين، وعلى المجتمعات المسلمة لكسر اعتزازها بدينها، وتحويل بوصلتها نحو الدعوات الهدّامة التي تقدَّم على أنّها دعوات علم وتحضّر وإنسانية!

لعلّ من أظهر الدّعوات المعارضة لرسالة السّماء، هذه العلمانية التي كان يُظنّ أنّها تهدف إلى إبعاد الدّين عن السياسة فقط، قبل أن يبيّن أنّها تهدف إلى إبعاد الدّين عن الحياة كلّها وحصره في المساجد وعلى سجادات الصلاة؛ هذه العلمانية الماكرة تحوّلت من ساحة السياسة والحكم، إلى ساحة المجتمع؛ فلم تعد مقتصرة على بعض الجاهلين الذين يريدونها عوجا في دواليب السياسة، بل تحوّلت بفعل مكر الإعلام، إلى واقع يعيشه كثير من المسلمين الذين أصبحوا علمانيين من حيث لم يشعروا، يطبّقون في واقعهم المبدأ العلمانيّ “ما لله لله، وما لقيصر لقيصر”.

أصبح الدّين عند كثير من المسلمين لا يخرج عن أحكام الطّهارة والصّلاة والجنائز ومفسدات الصيام، ومناسك الحجّ والعمرة، ولا دخل له في أعمالهم وتجاراتهم وأموالهم ومعاملاتهم ومظاهرهم.. تجد الواحد منهم يصلي في المسجد، ويتلو القرآن، ويحجّ ويعتمر، لكنْ عندما يتعلّق الأمر بالحلال والحرام فإنّه لا يبحث عن حكم الله وحكم رسوله، بل يبحث عن مصلحته الظّاهرة وما عليه النّاس، وإن علم الحكم الشّرعيّ ووجده موافقا لهواه ومصلحته فرح به، لكنّ الحكم إذا أتى مخالفا لهواه ورغبته وما يراه مصلحة له، يشكّك ويعترض ويتبرّم ويُعرض.. كمال قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُون﴾.

تجد الرّجل يصلّي ويصوم ويتطوّع بنوافل الصلاة والصيام، ويعتمر ويحجّ، لكنْ عندما يتعلّق الأمر بخلاف بينه وبين قريبه أو جاره فإنّه لا يجد أيّ حرج في دفع رشوة للقاضي وربّما يرشي الشّهود ليشهدوا له شهادة زور يكسب بها القضية.. يصلّي ويصوم ويتصدّق، لكن عندما يتعلّق الأمر بمنصب عمل يريده لابنه، فإنّه يستعين بالوساطات ويبذل الرشاوى لأجل أن يظفر لابنه بمنصب ليس من حقّه.. يعتمر ويتحدّث في الدّين وعنه في المجالس، لكنّه عندما يتعلّق الأمر بالرّبا ينسى الدّين وينسى حكم الله، فلا يسأل ولا يتحرّى، بل ينطلق من دون تردّد للتعامل بالرّبا، فيأخذ قروضا ربوية، أو يقتني سيارة عن طريق البنك، أو يستفيد من سكن تساهمي يساهم فيه البنك… وهكذا.

تجد المرأة تصلّي وتحضر الجمعات والأعياد التراويح في بيت الله، لكن ما أن يقع خلاف بينها وبين قريبة أو جارة، حتّى تهرع إلى ساحر من السّحرة أو مشعوذ من المشعوذين تطلب عملا سحريا تؤذي به قريبتها أو جارتها أو حتّى أختها، وتوقعها في محنة لا يعلم آخرها إلا الله.. تصلّي وتصوم لله، لكن عندما يتعلّق الأمر ببيع وشراء الذّهب فإنّها لا تسأل عن الحلال والحرام، بل تبادل وتزيد وتشتري بالقرض.. تهتمّ بمعرفة ما يتعلّق بالصّلاة والنّوافل، لكن عندما يتعلّق الأمر بزواج ابنها أو ابنتها فإنّها تقول بلسان الحال والمقال: “نديرو كيما يديروا النّاس”!

هناك في مجتمعنا الآن مسلمون كثر، يصلّون ويصومون لكنّهم لا يطيقون سماع كلمة حرام؛ يشمئزون وتنقبض قلوبهم من سماع هذه الكلمة.. ما أن ينصحهم ناصح بالكفّ عن حرام واضح حتّى يقولوا له: “الكل ولّيتو تفتيو”!!! مع أنّ الأمر يتعلّق بحرام مجمع عليه! وإذا قيل لأحدهم: اتّق الله، سارع بالردّ قائلا: “علاه واش درت؟! شفتني نحرق في الجوامع!”.

تجد المرأة تلبس لباسا سابغا عندما تقوم للصّلاة بين يدي الله، وتضع على رأسها خمارا واسعا عندما تفتح المصحف لتقرأ القرآن، لكنّها إذا أرادت أن تخرج، ألقت أمر الله وراءها ظهريا ولبست ما يصف ويشفّ، ووضعت من الأصبغة والعطور ما يحلو لها! ولو أنّ أحدا أنكر عليها فعلها لاشتطّت في وجهه غضبا وقالت: “حرّمتم علِينا كل شيء”، مع أنّ ما تفعله محرّم بنصّ القرآن وبنصّ حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.. وفوق هذا ربّما تجدها تكره الحجاب وتُعرض عن الآيات التي تأمر به، وتردّ بكلّ قسوة على من يحدّثها عنه! وتشمئزّ من المحجّبات وتتهمهنّ في دينهنّ، وهي التي تجزم بأنّها مسلمة وتقول إنّها تحبّ الله وتحبّ الدّين وتقبّل المصحف كلّما حملته بيدها!

إنّ الصّلاة التي لا تحملنا على التّسليم لله جلّ وعلا والإذعان لشرعه، ولا توقفنا عند حدود الله، لن تنفعنا عند الله.. بل إنّ أعمالنا ستحبط ما دمنا نكره بعض ما أنزل الله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾.. والله -جلّ وعلا- قد ذكر من أعمال المنافقين: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾.

الإسلام ليس لباسا نلبسه متى نشاء ونخلعه متى نشاء، وليس سلعة معروضة نأخذ منها ما نشاء أخذه ونترك ما نشاء تركه، وليس كلمات نقولها في مجالسنا ونكتبها على صفحاتها، ثمّ نخالفها في واقعنا.. الإسلام دين الله، يجب علينا أن نأخذ حلاله وحرامه وحدوده، كما نأخذه صلاته وصيامه.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.

إنّ الله -جلّ وعلا- قد نفى الإيمان عن أولئك الذين يُعرضون عن حكمه وحكم رسوله، فقال جلّ من قائل: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.. وهنا يكمن الفرق بين المسلم والمنافق؛ المسلم يرضى بحكم الله وحكم رسوله مهما خالف هوى نفسه ومصلحته، ويسلّم لله ولرسوله ويقول: سمعت وأطعت، أمّا المنافق فإنّه يجادل في حكم الله وحكم رسوله ويعرض عنه، حتّى إن رضي به ظاهرا فإنّ نفسه تضيق به.. وكم من عبد يظنّ في نفسه أنّه مسلم، ولكنّه يكره كثيرا من أحكام الشّرع ويجد في نفسه الحرج منها!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جمال

    الله يجازيك خير

  • abdallah

    شكرا لك استاذ