-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما تَـنْـسـِف وزارة التربية المشاريع الوطنية!

عندما تَـنْـسـِف وزارة التربية المشاريع الوطنية!

ليس سرّا أن السلطات العليا أولت منذ مطلع 2020 اهتماما غير مسبوق بتكوين النخب حين أعلن وزير التعليم العالي آنذاك شمس الدين شيتور عن نيّة وزارته فتحَ أكثر من 5 مدارس عليا لتكوين النخب في مختلف الاختصاصات. وقد عمل خلال عهدته على تجسيد ذلك، بالتعاون مع وزير التربية محمد واجعوط، حتى غادر الحكومة. وحسب علمنا، لم يحافظ خلفه سوى على مشروع مدرستين هما المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي والمدرسة العليا للرياضيات.

وكان وزير التعليم العالي قد عيّن في ربيع 2020 الأستاذ محمد السعيد مولاي على رأس مشروع مدرسة الرياضيات، فبذل أقصى الجهود خلال سنة ونصف بهدف تأسيس هذه المدرسة إلى أن تحقق ذلك الحلم خلال الدخول الجامعي 2021/2022، ثم انسحب بشرف بعد أن اجتهد وأصاب رغم ظروفه الصحية.

 تدريب تلاميذ الأولمبياد

ومن المعلوم أن تأسيس هذه المدرسة كان يرمي إلى جلب نخبة التلاميذ المتفوّقين في الرياضيات، ومنهم خرّيجو ثانوية الرياضيات والمشاركون في المنافسات الأولمبية العالمية. وتماشيا مع هذا المسعى كان الوزير محمد واجعوط قد عكف -منذ تولّيه وزارة التربية حتى نهاية عهدته- على إرساء أسس متينة للنهوض بمادة الرياضيات في قطاعه. كما كان له باعٌ قوي في مشروع المدرسة العليا للرياضيات إذ كان ينسِّق بطريقة مباشرة مع وزارة التعليم العالي خلال كل تلك الفترة.

ومن جهة أخرى، أولى الوزير واجعوط أهمِّية خاصة بثانوية الرياضيات وتكوين النخبة الرياضياتية. وفي هذا السِّياق، سعى إلى حلّ قضية التكفّل بالمنافسات الأولمبية العالمية فقرّر إنشاء لجنة وطنية خاصة بالأولمبياد في جميع فروع المعرفة (10 اختصاصات) وعلى رأسها الرياضيات. وقد أعلن بصفة رسمية عن تأسيس هذه اللجنة بمناسبة اليوم العالمي للرياضيات (14 مارس 2021)، وهي تتكوّن من 10 أعضاء ينتمون إلى سلك الأساتذة الجامعيين وسلك الأساتذة والمفتشين القدامى لهذه المادة في وزارة التربية. ووضع هذه اللجنة تحت وصاية المعهد الوطني للبحث التربوي التابع لوزارته.

لقد انطلقت هذه اللجنة في مباشرة عملها منذ تأسيسها رغم النقائص التي كانت تعاني منها كما هو حال جميع اللجان الحديثة التأسيس. ومن بين ما قامت به اللجنة هو العمل على انتقاء مجموعة من المتفوّقين في الرياضيات عبر الوطن لتدريبهم قبل مشاركتهم في المنافسات الرياضياتية العالمية التي تُجرى في جويلية من كل سنة في دولة من دول العالم. وقد أجريت هذه السنة عن بُعد في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية. ورغم المهلة القصيرة التي لم تتجاوز 3 أشهر، اجتهدت اللجنة بقوة لإجراء المسابقات لاقتناء أفضل التلاميذ وتدريبهم في ثانوية الرياضيات خلال تلك الفترة الوجيزة لتهيئتهم قبل موعد المسابقة العالمية.

ولا نذيع سرًا عندما نقول اليوم ما لم نقله بالأمس في موضوع التدريبات: فرغم التوجيهات الكتابية والشفوية لوزير التربية محمد واجعوط آنذاك من أجل إنجاح عملية التدريبات، لم تجد اللجنة التسهيلات المطلوبة لأداء هذه المهمة النبيلة من قبل المسؤولين المركزيين، بل كنَّا نشعر خلال متابعتنا للأحداث أن هناك عرقلةً مبيَّتة من جهة معينة داخل وزارة التربية أو من خارجها، فمثلا كان من الصعب على اللجنة الاتصال بالجهات المعنية عندما تطرأ مشاكل ينبغي حلُّها فورا، حتى يضطر الوزير إلى التدخل المباشر في أبسط الأمور، وكنا نستحي من اللجوء إليه في مثل هذه الحالات رغم أن لا ناقة لنا في الموضوع ولا جمل، لكننا كنا نخشى من توقف التدريبات ومن عدم مشاركة الجزائر في المنافسات العالمية.

 سلوك غير أخلاقي

ومن بين ما عرفته اللجنة من تقصير لدى الوصاية، أن الأساتذة المدرّبين -الذين كانوا يأتون من داخل البلاد متطوّعين- كانوا يقيمون في مرقد خاص بالتلاميذ في الثانوية رغم أعمارهم المتقدّمة ومكانتهم العلمية والمهنية! ولم يتغيّر هذا الوضع إلا بالتدخل المباشر للوزير واجعوط. وحدث ذلك حين انتفض أحد المدرِّبين من الأساتذة الجامعيين المتطوعين القادم إلى العاصمة بسيارته، إذ غادر المرقد ليقيم على حسابه في فندق قريب من الثانوية حتى يستكمل مهمة التدريب التي أوكِلت إليه. ولم يتمّ تعويض تكاليف إقامة هذا الأستاذ إلى اليوم رغم وعود مسؤولي وزارة التربية نحن شهود عليها!

ورغم كل هذه العراقيل واصلت اللجنة جهودها -في حالة توتر شديد نتيجة تعامل وزارة التربية معها- إلى تاريخ المنافسة العالمية في جويلية 2021. ونحن نعتبر -نظرا لظروف العمل وسرعة التدريبات التي لم تبدأ مبكرا- أن اللجنة نجحت في مهمتها وأن التلاميذ المشاركين في المنافسة العالمية شرّفوا بلدهم بالنتائج المرضية التي حققوها. ومع ذلك لم تلتفت إليهم الوزارة لا من قريب ولا من بعيد، فلم يتمّ استقبالُهم ولا تهنئتهم آنذاك من قبل كبار مسؤولي وزارة التربية!

وليس هذا فحسب، بل إن رئيس اللجنة الأستاذ حسن بلبشير –الذي يشغل حاليا منصب مدير المدرسة العليا للرياضيات- طلب مرارا اللقاء بمسؤولي وزارة التربية بعد انتهاء المنافسات في منتصف شهر جويلية، وذلك من أجل تقديم حصيلة عمل اللجنة، والإشارة إلى النقائص التي لازالت تعرقل أداءها، وكذا عرض برنامج السنة المقبلة (2021/2022)؛ لكن لا حياة لمن تنادي؛ فلا أحد يردّ على مسعاه إيجابًا أو سلبًا! وازداد التوتّر حين طلب رئيس اللجنة في مطلع شهر أوت الماضي من الأمين العام لوزارة التربية بكل وسائل الاتصال المتاحة (البريد الإلكتروني/ الرسائل النصية/ الهاتف…) اللقاءَ به فلم يردّ على أي اتصال، ولم يصدر عنه أيُّ ردِّ فعل، وكأن الأمر لا يعنيه، وحتى إن كان لا يعنيه فالأخلاق المهنية بين المسؤولين تستدعي أن يعبّر عن ذلك للسَّائل. والأدهى من هذا كله أن رئيس اللجنة فوجئ بالسلوك ذاته من قِبل وزير التربية نفسه.

وقد أدّى تمادي وزارة التربية، بكل مسؤوليها المركزيين، في تجاهل اللجنة الوطنية للأولمبياد، إلى تقديم رئيس اللجنة استقالته لوزير التربية في نهاية أكتوبر الماضي. لكن ذلك لم يحرِّك ساكنا لدى وزير التربية ومعاونيه؛ إذ تجاهل الاستقالة ولم يكن له أيُّ ردٍّ عليها!

بهذه الطريقة ينْسف وزيرُ التربية شخصيا مشروعا وطنيا واعدا بتألق المتفوِّقين من تلاميذنا، كان سلفُه قد شرع في العمل على تجسيده بكل ما أوتي من قوة تماشيا مع التوجّهات الحالية للسلطات العليا في البلاد. والدليل الآخر على التسيّب والتقصير، بعد التعامل غير الأخلاقي مع لجنة وطنية رسمية: أين هي اليوم عملية تدريب النخب وتحفيز الناشئة على التألق في مختلف الاختصاصات؟ لا شيء في الأفق! ولذا ستتوالى المنافسات العالمية وسيظل شبابُنا في أسفل القوائم، وهذا بفعل أيادينا؛ أيادي مسؤولينا في وزارة التربية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    إذا كان هذا مصير أصحاب المشاريع النهضوية الوطنية و هم أقرب إلى مراكز القرار(امن هم لحكومة و الرئاسة). فماذا يفعل تحت رحمة المسؤولون المحليون. و ماذا ننتظر من وزير كان مسؤولاً مركزيًا في نفس الوزارة منذ عهد قديم و مشارك في إفساد المنظومة التربوية.