-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما تُظلم فريضة الفجر مرّتين!

جمال غول
  • 1910
  • 5
عندما تُظلم فريضة الفجر مرّتين!

فرض الله – تبارك وتعالى – على عباده خمس صلوات في اليوم واللّيلة، ولم يجعل لهم أيّ رخصة في تركها مهما كانت الأحوال والأسباب، صلةٌ بينه وبينهم لا ينبغي أن تنقطع أبدا، وجعل أوّل هذه الصّلوات صلاة الصّبح التي يكون وقتها مع طلوع الفجر، ليبدأ المصلِّي يومه بها بداية صحيحة موفّقة، وشرع الله -عزّ وجلَّ- صلاتها في جماعة المسلمين كبقيّة الصّلوات المفروضة.

وقد حبا ديننا صلاة الفجر فضائلَ كريمة جدّاً، وخصّها بأجور وفيرة وعظيمة، بشّر بها نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- الرّاغبين في الخير والمشمّرين المسارعين إلى أبواب البِرّ والفضل. ومن هذه الفضائل والبشريات أنَّ من صلّاها في جماعة كتب له أجر قيام ليلة كاملة، وكان في ذمّة الله ذلك اليوم، ومشمولًا بالبركة التي دعا بها نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام: “اللَّهمّ بارك لأمّتي في بكورها”، فيحصل لمصلِّي صلاة الصّبح من بركة النّشاط، وقوّة الجسم والفكر، وبركة الرِّزق والوقت ما لا يحصل لغيره، هذا دون أن نغوص فيما وصل إليه العلم الحديث من فوائد صحيّة ما أحوجنا إليها خاصّة في زمن الوباء الذي يضرب الصِّحة في مقتل. حيث اعتمد وقتها وقتا للمعالجة من أمراض معينة لاشتماله على غاز الأوزون (O3) الذي ينقشع مع طلوع الشمس، وجعلت بعض الدول من وقتها وقتا لانطلاق العمل الرسمي بعد تأخير الصلاة إلى وقت الإسفار حرصا منها على النشاط الجسمي والفكري، وغير ذلك…

ورغم هذه الفضائل والفوائد وغيرها ممّا لم نذكر إلّا أنّ المعتنين بهذه الفريضة العظيمة قلّة قليلة من النّاس، ومن يشهدها في جماعة تكاد صفوفهم تعدّ على الأصابع في معظم مساجدنا التي تمتلئ عن آخرها في صلاة الجمعة! فما أشدّ ما تعانيه هذه الفريضة العظيمة ممّن هم بمسيس الحاجة إليها في دنياهم قبل آخرتهم؟ فظلمت هذه الفريضة أول ما ظلمت من قِبل المصلِّين الذين هم عنها ساهون، ولخيرها مضيّعون، وفي فضلها زاهدون.

ظلمت هذه الفريضة وهي تدعو كلّ مذنب عاصٍ ليتضرّع بالمغفرة قبيل دخول وقتها منطرحا بين يدي ربّ غفور رحيم ينزل إلى السماء الدنيا معلناً: “هل من مستغفر فأغفرَ له؟”، ولكن كثيرا منا عن ذلك معرضون غافلون.

ظلمت هذه الفريضة وهي تدعو صاحب الحاجة أنْ هلّم إلى قضاء حاجتك، حين ينزل رب العزة خصيصا لذلك قائلا متكرّما: “هل من سائل فأعطيَه؟”، غير أنّ أصحاب الحاجات في لذات نومهم سادرون، بعد أن جرّبوا سبلا كثيرة كانوا فيها تائهين.

ظلمت هذه الفريضة وهي تهتف بالعباد لاستلام أرزاقهم وهم في سكرة الوسن والكرى يغطّون، دون أن ينتبهوا لقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: “عجبت لمن ينام عن الصبح كيف يرزق؟”

ظلمت هذه الفريضة حينما يُفوّت الغائبون عنها سانحة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبركة التي نحن في أمس الحاجة إليها.

فإذا كان هذا حالَ هذه الفريضة بين النّاس في زماننا هذا، فلماذا تظلم مرّة ثانية عندما يُعلّق أداؤها في المساجد بسبب الحجر المنزلي، لتعلّق بصفة كاملة بعد أن كانت معلّقة من كثير من المصلين؟ ليصدق فينا المثل: “سيدي مليح وزادولو الهوا والريح”!

أليست الأعداد التي تحضر هذه الصّلاة قليلة جدّاً، ولا يمكنها أن تسبِّب أدنى اكتظاظ أو زحام يُفضي إلى انتشار العدوى كما هو الحال في المنتزهات والشّواطئ التي تمّ إعادة فتحها؟ لماذا تُظلم هذه الفريضة من قِبل توقيت الحجر بعد أن ظُلمت من قبل المصلِّين المتهاونين؟ أليست حالنا تستدعي أن نجعل من وقتها المتفجّر خيرا وبركة ومن فجرها المتنفّس صفاءً ونقاءَ هواءٍ وأكسجين، أن نجعله دافعا لنشاطنا ونهضتنا ويقظتنا لا وقتا لنومنا وغفلاتنا وحجرنا؟ أليس حالنا يستحقُّ أن نوقظ النّائمين من المواطنين في هذا الوقت ليتزودوا بالنّشاط الطّارد للفتور والكسل الذي أصابنا؟ ألا يمكن أن يُكيَف توقيت الحجر بما يحفظ لهذه الشعيرة حرمتها وفضلها في بيوت الله حتى لا نُحرَم خيرها؟ ألا يمكن -إن كان ولابدّ من هذا التّوقيت- أن تُستثنى صلاة الصّبح من الحجر حتّى لا نكرِّس الزّهد المتعلّق بها، ولا نقطع كلّ محفِّز للعباد على النّشاط والبكور الذي يخدم الدِّين والوطن؟

إذا كان ظلم هذه الفريضة من المصلِّين قد أخّر عنّا خيراً كثيراً، وكان من عوامل عدم رفع هذا الوباء، فإنّ ظُلمها مرّة ثانية من قِبل توقيت الحجر قد يوقع علينا البلاء والنفاق الذي لا قِبل لنا بردِّه، ولا ينفع النّدم حينئذْ ويحق علينا قولهم “ولات حين مندم”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • حمبدوش

    سيُعرف المخلص من المرائي ..فالقيام لصلاة الفجر في البيت غير القيام لادائها في المسجد ..فاعتبروا

  • قبايلي إبن الجزائر الأبية

    كفيت و وفيت بارك الله فيك و لك و جعل ما كتبت في ميزان حسناتك يوم نكون هناك حيث لا هناك إلا هناك

  • إسماعيل الجزائري

    و الله صحيح!

  • مواطن

    بلدنا فيه كل الخيرات فقط يحتاج الى قليل من الحكمة و البصيرة و إلا كيف نمنع صلاة الفجر التي فيها كل الخير الذي بينه الشيخ جزاه الله خيرا رغم أن معظم الخلق نيام و الشوارع خالية. أضم صوتي لصوتك.

  • باتني

    صدقت شيخنا وجزاك الله خيرا