-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
صفحات ناصحة من تاريخ الثورة التحريرية

عندما كانت الجزائر القضية المركزية للجامعة العربية

عندما كانت الجزائر القضية المركزية للجامعة العربية

إن الزخم الذي أخذته الثورة الجزائرية بسبب التطورات الداخلية التي بدأت بهجمات الشمال القسنطيني في 20 أغسطس 1955، ثم مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، وبعده حادث اختطاف الطائرة المقلة لقادة الثورة في الخارج، ثم وقوع اليخت “أتوس” الذي كان يحمل شحنة سلاح، بين أيدي الجيش الفرنسي، كل هذه التطورات جعل كفاح الجزائر يأخذ الأولوية في المحافل الدولية، وباتت جامعة الدول العربية تفتتح كل جلساتها بالقضية الجزائرية إلى درجة أنها أصبحت تُقدَّم على القضية الفلسطينية في تقارير الأمين العام للجامعة.

وفي تقرير الأمين العام المقدَّم في الدورة السابعة والعشرين لمجلس الجامعة المنعقدة في مارس1957، جاءت القضية الجزائرية في مقدمة القضايا العربية، وجاء في ديباجة التقرير أن “الحركة الوطنية الجزائرية (جبهة التحرير) مضت في عامها الثالث نحو أهدافها المرسومة للظفر بحق الجزائر الطبيعي في الحرية وتقرير المصير…ومضت الجامعة ودولها الأعضاء في مؤازرة هذا القطر الشقيق، وتعرّض العالم العربي، وتعرضت الجامعة من جراء هذه المؤازرة إلى شتى الهجمات الأجنبية وحشدت الدعاية الفرنسية جميع قواها للنيل منا والوقوف في وجه قضايانا العادلة والمشروعة”.

ويجزم الأمين العام للجامعة العربية في تقريره أن العدوان الثلاثي الفرنسي- البريطاني- الإسرائيلي على مصر شهر أكتوبر 1956، كان وثيق الصلة بقضية الجزائر، مستندا في ذلك إلى مضابط الجمعية الوطنية الفرنسية في جلسة 19 ديسمبر 1956، المخصَّصة لمناقشة اشتراك فرنسا في العدوان على مصر إذ صرح “غي مولي” قائلا “إن أسباب تدخلنا في الشرق الأوسط كانت جوهرية، وإن العلاقة واضحة بين قضيتي الجزائر ومصر”، ووصف مصر والدول العربية الأعضاء في الجامعة بأنها مندفعة لمساعدة الجزائر باسم الوطنية والدين والحرية.

وفي جلسة أخرى للجمعية الوطنية الفرنسية يوم 20 ديسمبر 1956، قال “إدغار فور رئيس الحكومة الفرنسية السابق، بأنه ليس هناك من أساس معقول للحملة على مصر من جانب فرنسا سوى منع تكرار أمثال الحادثة “أتوس”، وفي جلسة 7 نوفمبر 1956، قال النائب العام الفرنسي، “مارسيل بودير” إن الحكومة كانت تأمل من القضاء على مصر تسهيلَ مهمتنا في القضاء على الثورة في الجزائر.”

ويقول الأمين العام للجامعة العربية في تقريره أمام مجلس الجامعة العربية المنعقد في مارس 1957، إن “السلطات الفرنسية خُيِّل إليها أنها قادرة على تصفية مشكلة الجزائر، عن طريق الحملة على مصر، وقدَّمت لذلك باختطاف الباخرة “أتوس” وإعلان أنها محملة بالذخائر المصرية إلى الجزائر لإمداد الوطنيين، لكن الحملة كلفت فرنسا خسائرَ اقتصاديةً فادحة وأنزلت بها هزائمَ سياسيةً ودولية ظاهرة، وزادت الوطنية الجزائرية تثبيتا وإيمانا”.

وعلى الرغم من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المنصف للجزائر، وبرغم كل الضغوط التي مارستها الوفود العربية في الأمم المتحدة مدعومة من المجموعة الأفريقية – الآسيوية، فإن فرنسا واصلت حربها في الجزائر لاستئصال الثورة وإطفاء جذوة الكفاح المسلح، لكن تلك الإجراءات لم تزد الثورة إلا اشتعالا، وفي ظل هذه الأوضاع المشتعلة داخليا وخارجيا عقد مجلس جامعة الدول العربية دورته الثامنة والعشرين في أكتوبر 1957، بالقاهرة، وهي الدورة التي يمكن وصفها بدورة الجزائر، بالنظر إلى حجم الاهتمام بالقضية الجزائرية ويظهر ذلك جليا في تقرير الأمين العام الذي خصص 40 صفحة كاملة للقضية متناولا تطورها خلال ستة أشهر، من مارس 1957 إلى أكتوبر 1957.

لقد جاءت هذه الدورة بعد تطورات كبيرة على صعيد الكفاح خاصة بعد مؤتمر الصومام الذي أعطى بُعدا تنظيميا وجماهيريا جديدا للثورة، وانتقل بالثورة من مرحلة المبادرة الفردية إلى مرحلة التنظيمات الفعلية، ومن مرحلة الأشخاص إلى مرحلة النظام، إذ أصبح المجلس الوطني للثورة الجزائرية هو الذي يتمتع بالسلطة السياسية العليا، كما مكن تشكيل لجنة التنسيق والتنفيذ من تجنيد أعضاء المنظمات الجزائرية لخدمة الثورة، وتم إنشاء نظام موحد للجيش، وقد انعكست هذه الحالة الجديدة على صعيد المواجهة مع الفرنسيين وأصبح الطلبة والعمال وكل الفئات في قلب المعركة.

الجزائر.. أيقونة الكفاح والتحرر

بمرور أربع سنوات على الكفاح المسلح في الجزائر، باتت القضية الجزائرية على كل لسان ودخلت أسوار الأمم المتحدة، وباتت حديث الشارع العربي، ولم يعد هناك مجالٌ للغة التحفظ في أدبيات الجامعة العربية، ولم تعد مصطلحات مثل النضال السلمي ترِد في بيانات الجامعة كما رأينا غداة اندلاع الثورة التحريرية، فقد جاء تقريرُ الأمين العام في الدورة التاسعة والعشرين، لمجلس الجامعة المنعقد في مارس 1958، واضحا عندما قال “لقد أصبحت حركة التحرير الجزائرية حديث العالم كله، ونالت مكانة مرموقة في الجزائر، وفي سائر الوطن العربي وفي الأمم المتحدة، وفي الرأي العام العالمي وفي فرنسا ذاتها، ففي الجزائر أثبت المجاهدون الوطنيون أن الإيمان أقوى من كل سلاح، وأن قوة المناضل المؤمن الصابر لا غالب لها بإذن الله، وفي الوطن العربي أثبتت الأمة العربية أن قضية الجزائر العربية قضية العرب جميعا، وأن أبناءها مستعدون لجميع ألوان البذل والتضحية، في سبيل نصرتها وإعزازها”.

إجراءات عملية لدعم الثورة

لم يكن دعم الجامعة العربية لكفاح الجزائريين مجرد خطب رنانة في الاجتماعات والمؤتمرات على أهمية ما كان يقال لحشد الجماهير وكسب التأييد للقضية، وإنما اتخذت الجامعة إجراءات عملية في دعم كفاح الجزائريين، ففي 3 نوفمبر 1957، ألقى مندوب جبهة التحرير الوطني بيانا أمام اللجنة السياسية للجامعة، مطالبا بتخصص ميزانية سنوية للجزائر تقررها حكومات الدول العربية أعضاء الجامعة، فرأت الجنة استطلاع آراء حكومات الدول الأعضاء في الموضوع وفي 17 نوفمبر 1957، قرر مجلس الجامعة العربية الموافقة على توصية لجنة الشؤون السياسية بأن يتولى مندوبو الدول الأعضاء الاتصال بحكوماتهم في الموضوع على أن يُدرس الموضوع في دورة المجلس التي كانت في حال انعقاد، ووصلت عدة مذكرات من الدول الأعضاء بينها مصر التي قالت إنها قامت بجميع التزاماتها مع كفاح الجزائر وهي مستعدَّة للمساهمة في أي خطة عربية مشتركة.

وقد سبق ذلك ضغطٌ إعلامي كبير من الصحف العربية التي طالبت بالدعم المالي للثورة الجزائرية، وقد رصدت صحيفة المجاهد هذا الزخم الإعلامي الداعي إلى نجدة الثورة الجزائرية وذلك في مقال تحت عنوان:”المال للثورة الجزائرية…هكذا يهتف العرب” ركزت فيه على دعوة صحيفة “روز اليوسف” إلى الخروج من حالة الروتين المتمثل في الإعجاب بثورة الجزائر إلى فعل شيء ملموس لدعم كفاح الجزائريين. أما جريدة الرأي السورية فقالت: “هذه الحرب التي يخوضها شعبُنا هناك لم يعد السلاح وحده كافيا لضمان النصر فيها، بل تحتاج الحرب للوازم عديدة يأتي المال في مقدمتها لأنه مفتاح الحل لكل اللوازم والحاجات”.

وتلقت الجامعة في 13 جانفي 1958، مذكرة من السفارة العراقية جاء فيها أن العراق قام بجميع التزاماته، وقد خصص مبلغ 250 ألف دينار عراقي في ميزانيته القادمة لهذا الغرض، كما تلقت الأمانة العامة في 12 فبراير 1958، مذكرة من سفارة المملكة العربية السعودية جاء فيها أن الملك أمر بمساعدة الجزائر بمبلغ 250 ألف جنيه إسترليني سنويا، وتلقت الأمانة العامة للجامعة مذكرة من السفارة السودانية في 9 مارس تعلن فيها موافقة مجلس الوزراء السوداني على دفع عشرين ألف جنيه إعانة للشعب الجزائري، أما المملكة الليبية فقد أرسلت مذكرة في 23 مارس 1958، جاء فيها أن ليبيا قد قامت بالتزاماتها كاملة في الماضي والحاضر والمستقبل نحو الشقيقة الجزائر، وهي مستعدة للمساهمة في أيِّ خطة عربية موحدة، إلا أنها لا يمكنها المساهمة في الوقت الحاضر وذلك لضيق الإمكانات المادية، أما لبنان فقد ردت على طلب الأمانة العامة بأن مجلس الوزراء اللبناني يطلب من جامعة الدول العربية بحث موضوع مساعدات الدول الأعضاء للشعوب العربية المناضلة في سبيل استقلالها وأن توزع هذه المساعدات على هذه الدول بالنسبة المتكافئة مع التزاماتها.

موقف الجامعة من أول حكومة مؤقتة

في الثلث الأخير من سنة 1958 كانت القضية الجزائرية قد سجلت مكاسب كثيرة، سواء على الصعيد الوطني المحلي، أو القومي العربي، أو الدولي، ووصل كفاح الجزائريين إلى الداخل الفرنسي نفسه، وأسقط عدة حكومات فرنسية ومعها الجمهورية الرابعة ودستورها، وفي 19 سبتمبر من ذات العام، تشكلت أول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية، ونالت اعتراف الدول العربية، وهو ما اعتبرته الجامعة العربية مكسبا مهما في طريق تحرير هذا البلد العربي.

وقد رصد الأمين العام للجامعة في تقريره بدقة كل النجاحات التي حققتها القضية الجزائرية في ذلك العام ابتداء بالمؤتمرات الدولية في “آكرا” و”طنجة” التي ساندت القضية الجزائرية، وكانت القضية الجزائرية في صلب البيانات الصادرة عن الزعماء العرب في المناسبات المختلفة، كما أعلن قادة العالم تأييدهم لكفاح الجزائريين وأخذ الكتّاب والمحللون والمراقبون السياسيون، في الغرب والشرق يؤكدون على انتصار الجزائر ويؤيدون مطالبها المشروعة، ويستنكرون ادعاءات فرنسا بأن الجزائر جزءٌ منها.

الجامعة العربية ترعى ميزانية ثابتة للجزائر

أمام الزخم الكبير الذي حظيت به الثورة الجزائرية عربيا ودوليا، رأت الجامعة العربية أن تفعل شيئا في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة التي تتطلب مزيدا من الدعم والمؤازرة، فقد ضاعفت عنايتها بالقضية الجزائرية، من خلال تقرير ميزانية ثابتة بمساهمة الدول الأعضاء، وعرضت الأمانة العامة الموضوع على لجنة الشؤون السياسية في الدورة التاسعة والعشرين لمجلس الجامعة في 3 أبريل 1958.

وبعد استشارة المندوبين لحكوماتهم، أصدرت اللجنة توصية في 27 أفريل 1958، جاء فيها: “توصي اللجنة بأن تساهم حكومات الدول الأعضاء في ميزانية مبدئية لمعونة الجزائر مقدارها 2 مليون جنيه إسترليني، على أن تكون المساهمة بنسبة حصصها في الجامعة العربية” وحددت الأمانة العامة حصة كل دولة على النحو الآتي:

  • المملكة الأردنية الهاشمية: 56400 ج إ، بنسبة 2.82 بالمائة.
  • جمهورية السودان: 120000 ج إ، بنسبة 6 بالمائة.
  • المملكة العراقية: 319600 ج إ، بنسبة 15.98 بالمائة.
  • المملكة العربية السعودية: 391400 ج إ، بنسبة 14.57 بالمائة.
  • الجمهورية العربية المتحدة: 1005800 ج إ، بنسبة 50.29 بالمائة.
  • الجمهورية اللبنانية: 112800 ج إ، بنسبة 5.64 بالمائة.
  • المملكة الليبية المتحدة: 37600 ج إ، بنسبة 1.88 بالمائة.
  • المملكة المتوكلية اليمنية: 56400 ج إ، بنسبة 2.82 بالمائة.
  • المجموع: 2 مليون جنيه استرليني.

وقد شكلت لجنة من المندوبين الدائمين لمتابعة الدعم المالي، وعقدت أول لقاء لها في 20 مايو 1958، وحضر كل المندوبين ما عدا مندوب الأردن الذي اعتذر بحجة أنه لم يتلقَّ تعليمات من حكومته، وفي هذا اللقاء تدخل مندوب الجزائر أحمد توفيق المدني، واستعرض الوضع في الجزائر، وطالب بتوفير مبلغ 12 مليون جنيه إسترليني، لإعانة المجاهدين الجزائريين، وأبدى توفيق المدني رغبة الجزائر في أن تتلقى المعونات المادية عن طريق الجامعة العربية.

ورُفع مشروع الميزانية إلى اللّجنة السياسية، وأصدرت في ذلك توصية أقرها المجلس، إذ أكدت اللجنة بأن الجمهورية العربية المتحدة سددت حصتها، كما طالبت مندوبي الأردن والسودان بحثّ حكومتيهما على اتخاذ قرار عاجل بأداء حصتيهما قبل أول أكتوبر 1958، وأوصت اللجنة بقية الدول الأعضاء بالمبادرة بتسديد حصصها عن طريق الأمانة العامة قبل اجتماع المجلس في أكتوبر 1958.

وقد أبلغت الأمانة العامة للجامعة العربية قرار المجلس فور صدوره إلى الدول الأعضاء وأرسلت للدول التي لم تؤد حصصها تستعجل الوفاء به، وتابعت الأمانة العامة التعاون مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية، والتفاهم معها بشأن الجهود التي تُبذل لمؤازرة قضية الجزائر، وكان لتلك الجهود نتائج واضحة في دعم الثورة التحريرية التي حققت خلال المرحلة اللاحقة انتصارات كبيرة.

وخلال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، في دورته العادية في أكتوبر 1958، عرضت الأمانة العامة موضوع ميزانية الجزائر بمذكرة استعرضت فيها مراحل الموضوع، وانتهت اللجنة السياسة إلى توصية توافق فيها على طلب مندوب الجزائر أحمد توفيق المدني، بإقرار ميزانية سنوية للجزائر تقدر بـ12 مليون جنيه استرليني، كما أوصت بأن تبادر الدول التي أبدت استعدادها للمساهمة المالية العاجلة وهي الجمهورية العربية المتحدة، والجمهورية العراقية، والمملكة العربية السعودية، بدفع حصصها التي ستُقرَّر بعد إعادة النظر في توزيعها. وقد تابعت الأمانة العامة تطبيق ما قرره مجلس الجامعة العربية إذ استقبل الأمين العام في 2 يناير 1959، وفدا جزائريا مكونا من السادة أعضاء الحكومة الجزائرية المؤقتة، وهم: الدكتور أحمد فرنسيس، وزير المالية والشؤون الاقتصادية، وعبد الحميد مهري، وزير شؤون شمال أفريقيا، وأحمد توفيق المدني وزير الثقافة، وطلبوا من الأمين العام الاتصال بالدول التي لم تسدد حصصها في ميزانية 1958، والمقدرة بـ2 مليون جنية والمطالبة بتسديدها فورا، وكذا اتخاذ الإجراءات لضمان دفع حصص ميزانية 1959، والمقدرة بـ12 مليون جنيه.

وتبعا لهذا الاجتماع أرسلت الأمانة العامة مذكرات إلى كل من الأردن، والسودان، ولبنان، وليبيا، واليمن، لكي تبادر بسداد حصصها واتخاذ الإجراءات للالتزام بسداد حصة 1959، على النحو الذي طلبه وفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كما أرسل الأمين العام مذكرات إلى كل من الجمهورية العربية المتحدة، والعراق، والسعودية، وتونس، والمغرب، كي تبادر بالإجراءات اللازمة لسداد حصصها في ميزانية 1959، وتلقت الأمانة بعد ذلك الردود من سفارات الدول وكانت الاستجابة متفاوتة، بين دفع المستحقات، والوعود بدفعها قريبا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!