-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما يتأبّى الإنسانُ التكريم!

جمال غول
  • 237
  • 0
عندما يتأبّى الإنسانُ التكريم!
ح,م

خلق الله بني آدم وصوّرهم في أحسن الصور، قال تعالى: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”، كما كرّمهم ربّهم سبحانه وتعالى على كثير ممن خلق، وفضّلهم تفضيلا، فقال تعالى “ولقد كرّمنا بني آدم. “

غير أن كثيرا من بني آدم يتأبّى على هذا التكريم لينتكس عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فضلا عن أن يرتقي ليكون مُصلحا مُنتجا ينفع البلاد والعباد، ويلهث وراء سراب تكريم البشر، فتجده من أجل ذلك يمتلك قابلية للاستعباد أكثر مما هي عند العبيد أنفسهم الذين وُلدوا كذلك، فترى وجوههم تعلوها الذلة والمسكنة وهم لا يشعرون من سوء ما طبع على قلوبهم بما كسبت أيديهم.

ورغم أن أمهاتهم قد ولدنهم أحرارا ـ وتلك من أجلِّ النعم ـ إلا أنهم أبَوا إلا أن يعيشوا عبيدا على طريقة (العبد المأمور) الذي لا يملك أمام سيده حولا ولا قوة، فضيّع تكريم الله تعالى له، ولم يزل في الحضيض يتدحرج بحثا عن تكريم البشر.

صنفٌ من هؤلاء لا يضعون عن كواهلهم (الشيتة)، فتجده يبذل وُسعه في محاولات بائسة لتزيين وجوه خائنة، وتبييض أخرى مُسْودّة قاتمة، من خلال التصفيق والتطبيل لأصحابها الذين وإن أظهروا البِشر في وجوههم إلا أنهم مستيقنون بأنهم مجرد كائنات وصولية من المتزلفة والمنافقين المتملقة، استعبدهم لهم طمعهم وقابليتهم للذل والهوان. لقد شبّوا على ممارسة رذيلة الشيتة وعليها اكتهلوا وشابوا.

يمتاز هذا الصنف من الكائنات الآدمية بصفاقة في الوجه وفقر مدقع في الحياء وشحّ فظيع في موارد المروءة والشهامة، كل ذلك يجعله خزّانَ رزايا وخزايا، كفيلا بتحقيق اكتفاء ذاتي في الخسَّة والحقارة مع تصدير الفائض عن حاجته إلى أشباهه من المبتدئين. وهذا الصنف مدفوع بقوى العبودية والصَّغار لارتكاب الموبقات كالكذب الصُراح إرضاءً لسيّده، كذاك الذي كان في رحلة صيد مع سيّده فلما أخطأ سيّدُه الصيد قال له:

أحسنت! فقال سيده: أتستهزئ بي؟ فقال المتزلّف: أحسنت إلى الصيد عندما أعطيته فرصة أخرى للحياة!

بل إن منهم من قد يصل إلى درجة الكفر كذاك الشاعر الذي خاطب الأمير قائلا:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار… فاحكم فأنت الواحد القهار

ومثل ذلك ما فعله عرابو العهدة الخامسة من خلال تأليه الرئيس أو رفعه إلى مرتبة النبوة.

وإذا دارت الدائرة على أسيادهم فإنهم يتحوّلون كأكبر ما تكون درجة الزاوية، مبدؤهم في ذلك (مات الملك عاش الملك). وهؤلاء شرُّ الخلق بشهادة سيد الخلق، عليه الصلاة والسلام القائل: (شر الناس ذو الجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه).

وصنفٌ ثان من هؤلاء لم يتّسع لهم مجال “الشيتة” رغم فساحته، لشدة طول طابور الشيّاتين، فسلكوا طريقا آخر لا يقلّ نذالة عن الأول وهو طريق النيل من الشرفاء وأرباب المروءات الرافضين لمنهج التطبيل محاولةً منهم لجرّهم إلى صفوفهم من باب (ودّت الزانية لو كانت نساء الأرض كلُهن زواني)، وذلك من خلال هدر الجهد وتضييع الوقت، في محاولات بائسة لتغيير الحقائق البيّنة، وتزييف المواقف القيّمة، ونسف المشاريع المثمرة، في ثوب تقديم النصيحة وتنوير الرأي العام، لتثبيط أصحابها وتنفير المجتمعين وإبعاد الملتفين حول تلك الحقائق أو المواقف أو المشاريع، وما علموا أنهم بصنيعهم ذاك لا يزيدون تلك الحقائق إلا وضوحا، وتلك المواقف إلا ثباتا، وتلك المشاريع إلا نجاحا، ولا يزيدون أصحابها إلا قناعة واطمئنانا وعزما، وقد قال الحكماء (لولا العقبات لشككنا في الطريق).

ولأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، فإنك ترى التناقض في كل ما يكيدون، والتردد فيما إليه يميلون، ثم لا يجنون إلا الندم والحسرة فهم خائبون.

وهؤلاء رضوا أن يكون حالُهم كحال الذباب الذي لا تقع عينه إلا على القذارة والنجاسة ليجلب عليها بخيله ورجله، من خلال تتبع العثرات والهفوات إن وُجدت وإلا اختلقوها، حتى يصير أحدُهم غير قادر على

مفارقة مجمع الزبالة والعفن، طمعا في منصب ذليل لا يدوم، أو ثمن بخس لا يُغني، أو نظرة نفاق من مسؤول تُفرحه ولا تنفعه، ولله في خلقه شؤون!

وصنفٌ آخر من هؤلاء هم خلاصة النذالة، يقومون بما يقوم به الصنفان المتقدِّمان، ولكن بتستُّرٍ جبان وبأسماء مستعارة، ولا يجرؤون على إظهار وجوههم، فيمارسون مهنة “الشيتة” ومهنة الذباب مستخفين متنكّرين من وراء حجاب، وفوق ذلك يتظاهرون بمقت تلك المهنة ورفضها ولعن من يمتهنها، ليقعوا في الدرك الأسفل من النفاق ويعيشوا بوجهين أو ثلاثة، يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي، وما علموا أن عاقبتهم ستكون بخلاف قصدهم فسرعان ما يُفضح ما دارَوْا من أمورهم، ويُكشف ما وارَوا من مستورهم، ثم يُفضحون على رؤوس الناس وتكون فضيحتهم بجلاجل كما يقول المصريون.

وأسوأ منهم جميعا ذلك المسؤول الذي يسعى بمنصبه ترغيبا وترهيبا، لشراء ذمم رخيصة من هؤلاء، لتلميع صدأٍ قد علق به وعلاه، وتبييض سوادٍ قد حاط أعماله ومواقفه وكساه، وسحر أعين الناس لينطلي عليهم فشلُه وفساده وخسّته،أو رفضا منه لمن ينتقده ولو كان بحق، أو حسدا من عنده وبغضا، ثم يزعم أنه من المنتمين لقطاع الدين!

فويل ثم ويل له ولهم من يوم الدين “وما أدراك ما يومُ الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئا والأمر يومئذ لله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!