الرأي

عن التشفّي في العصابة!

قادة بن عمار
  • 4114
  • 6
ح.م

ما لا يعرفه كثيرٌ من الجزائريين أن الوزير الأول السابق أحمد أويحيى وبحجّة اعتماد سياسة تشجيع “صناعة” السيارات في البلاد، قام ضمن ما قام به، بخرق القانون أكثر من مرة، إذ مدّد فترة إعفاء المافيا الناشطة في نفخ العجلات، من دفع الضرائب، وألغى رسم القيمة المضافة على السيارات الجديدة، فأدى ذلك إلى نتائج سلبية أبرزها إفلاس صندوق دعم النقل!

وحسب تقارير رسمية في ذلك الوقت، فإن خسائر الصندوق المذكور بلغت أزيد من 13 مليار دينار، خلال سنتين فقط من إنشاء ورشة واحدة لتركيب السيارات وتمكين صاحبها من عدة امتيازات خارقة للقانون.

حينها، فكّرت السلطة في زيادة تذاكر النقل عبر وسيلتي “الميترو” و”الترامواي”، أي أنها فكرت مباشرة في خصم تلك الخسائر من جيب المواطن البسيط، تماما مثل فضيحة الضريبة على الثروة التي تم إسقاطها في البرلمان، بينما فشل النواب الأشاوس في تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي حتى لا نقول إلغاءها بالنسبة لذوي الدخل الضعيف أصلا.

نذكّر بهذا الكلام، ليعرف الجميع أن ما تشهده العدالة اليوم من فتح ملفات الفساد وأولها ملف ورشات نفخ العجلات، التي سُمّيت زورا “مصانع”، لا يرتبط فقط بمافيا من رجال المال والأعمال نشأت فجأة، ثم هيمنت على سلطة القرار السياسي في البلاد، لكن الأمر يتعلق بفسادٍ منظم تم ارتكابه على حساب طبقات واسعة من الجزائريين، تعرّض معظمهم لتجويع متعمد أو سرقة ممنهجة لقوتهم اليومي.. فكان بروز أي ثري جديد يقابله عددٌ من الفقراء الجدد أيضا، وهكذا دواليك!

هذه المحاكمة لا تتعلق أيضا بسياسيين أخطأوا في التسيير أو حاولوا جذب الاستثمار الأجنبي ففشلوا في ذلك، لكنها محاكمة أخلاقية لطبقةٍ سياسية مكّنت المافيا من رقاب المواطنين البسطاء وجعلت الجزائر تتراجع بمسافات كبيرة عن تحقيق الحد الأدنى من النزاهة والشفافية والديمقراطية!

وفي هذا الصدد، لا يمكن القفز على تصريحات بعض رجال الأعمال ممن يحاكَمون الآن، وقد كانوا يتباهون في الأمس القريب، بما حصلوا عليه من امتيازات غير عادية، حتى أن أحدهم قال يومها للصحفيين معترفا إنه حلّ مشكلة عويصة مع الضرائب وبعد فوات الآجال القانونية عن طريق اتصال هاتفي واحد مع أويحيى!

كيف لا تريدون إذن للجزائريين أن يتوافدوا بتلك الأعداد الكبيرة على محكمة سيدي أمحمَّد؟ جميعهم يريد مشاهدة أويحيى وسلال خلف القضبان، وذلك “أضعف الإيمان”، كما أن “التشفي” بهؤلاء بات حقا دستوريا غير مكتوب، بل لو أنّ الجهات الوصية مكّنت هيئة المحكمة من فضاء أوسع، لرأيت الأعداد وقد تضاعفت، وتحولت معها تلك المحاكمة إلى تاريخية فعلا، وهي تاريخية، وإن اختلف الجزائريون على آرائهم السياسية الأخرى أو اتفقوا.

مقالات ذات صلة