الرأي

عن النفاق والمنافقين!

قادة بن عمار
  • 2749
  • 10
ح.م

يكتب أحدهم متأسِّفا عن حالة التقزز التي يشعر بها نحو جزءٍ من النخب “تخصصت” منذ فترة، في الدفاع عن المسار الانتخابي والدستوري، مدّعيا أن ذلك لا يجوز، كما أن ربط الانتخاب بالإخلاص للوطن، أمرٌ بشع وخطير، رغم أن هذا “المتقزز” وفي نقده الاختزالي لتلك النخب، ربط أيضاً كلامه عن مقاطعة الانتخابات بالإخلاص للحَراك الشعبي وللتغيير الديمقراطي، ثم للوطن برمَّته.. أي أنه نهى عن خُلق وأتى بثلاثة أضعافه دفعة واحدة!

مبدئيا: إن كان هنالك رفضٌ شبه تام لعدم تمثيل الحراك الشعبي، أو التكلم باسمه، فالأولى أن يكون الرفض أكبر حين يتعلق الأمر بالوطن وبمحاولة البعض تعيين أنفسهم ناطقين باسم الشعب ككل.. بل، وباسم التاريخ أيضا.

ثانيا: مسألة الإخلاص للوطن، ليست حكرا على أحد، ولا هِبة يوزعها البعض على من يشاء ويسحبها كما يشاء.

ثالثا: وهذا هو الأهمّ، صحيح أنّ كثيرا من ممارسات النخب، باتت ومنذ مدة، تدعو إلى النفور والتقزز، إذ أن بعضها تخصَّص في تلميع كل شيء وفي تبرير كل القرارات، لكن هذا لا يمنع من القول إن بعضا من رافضي هذا السلوك ليسوا أقل خطرا ولا أحسن حالا من سابقيهم، فقد اختصوا وبالمقابل، في توزيع التهم الجاهزة من تجريم وتخوين وتحريض، وبلا مبرِّر في كثير من الأحيان.

ثم هل تعرفون ما معنى التقزز؟ ومتى يحدث حقا؟

إنّه يحدث حين يمارس هؤلاء وأولئك، نفاقهم المزدوج سرا، فيُلمِّعون ويتملقون ويستجدون في الخفاء، ثم يخرجون على الناس راسمين ملامح البطولة و”الثورة”، ملوّحين بشارة النصر كذبا وزورا.. هؤلاء جزءٌ أصيل من العصابة الحقيقية بل هم أتعس!

هؤلاء أخطر على الحَراك الشعبي ممن يكيلون له التهم ويحاربونه جهارا نهارا، ذلك أنهم دسّوا أنفسهم وسط المواطنين الشرفاء، رغبة في ممارسة عبثهم الأبدي وهوايتهم المفضلة في التموقع وتبديل المواقف، والتستُّر وراء الجموع للتحريض على المختلفين في الرأي ولو كانوا من أتباع السلطة ومريديها.

وللأسف الشديد، فقد أنتج المشهد السياسي والفكري والإعلامي بالبلاد مؤخرا، الكثير من الانتهازيين والمتملقين والمتلونين، وبقدر الخطر الذي يمثله هؤلاء على وحدة البلاد والعباد، بقدر ما بات اكتشافهم سهلا للجميع وفضحُهم واجبا وطنيا ملّحا لتحقيق الفرز والتمييز.

أحد هؤلاء، يقول إنه “يخجل من كونه جزائريا”، فيما يدعو آخر إلى “حرق العلم الوطني من أجل رفع سقف المعارضة”!.. ويتحدث ثالثٌ عن “العنف المشروع”، وغيرها من الأفكار العبثية المريضة كأصحابها ودعاتها، والتي لا تتناسب مع المنطق ولا مع سلمية الحراك ونضجه، حراكٌ انطلق شعبيا خالصا، وسيظل ثوريا ونظيفا أساسه أن الوطن ليس فندقا نغادره حين تسوء خدماتُه، ولا سيارة إسعاف نتصل بها عند الشعور بالخطر وفقط.. حراكٌ يؤمن بأن التغيير مسألة مبدأ، وبأن المبادئ مثل الأوطان، لا تزول ولا تتغيَّر.

مقالات ذات صلة