-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عين أعداء تونس على الجزائر

خير الدين هني
  • 1628
  • 0
عين أعداء تونس على الجزائر

الجزائر بوحدتها وتماسكها واستقرار الأمن بها، وقوة جيشها بعدده وعدته ورباطه على الثغور، وتدريبه العالي على فنون القتال والمباغتة والهجوم والردع، هو ما أصبح يشغل بال محاور الشر والبغي والعدوان، بغية كسر عزيمتها والتنازل على قراراتها ومواقفها في شأن التطبيع والقضايا العربية العادلة، وبيعها بالمجان كما فعلت دول التطبيع المنبطحة، استرضاء للصهيونية العالمية التي حلت محل الشعار الصليبي المقدس للغربيين في القرون الوسطى، فبعدما أبطلت الثورات الإصلاحية في أوروبا طقوس الكهنوت الكنسي المبتدع، وخرجت تكتسع العالم بحركاتها الاستعمارية، وما إن استيقظ الضمير العربي وأعلن ثوراته على الاستعمار المدمر، حتى أخذ الغرب الصليبي يبحث عن خطة يستبدل بها رمزية الصليب في حروبه المقبلة مع المسلمين والعرب بخاصة، فجاءته فكرة استبدال الصهيونية بالصليب لتناسبها مع ظروف المرحلة.

فسارعوا إلى غرس هذا الجسم الغريب في قلب الأمة، ليتخذوا منه ذريعة قانونية لتكسير وحدة العرب والمسلمين، وغرس دواعي الشقاق والمنافرة بينهم، وجاءت اتفاقية سايكس بيكو لتمزق الوحدة العربية، وتخلق كيانات سياسية وراثية رجعية في الغرب والشرق، لا تمت لروح العصر السياسي بأي صلة، فاعتبروا الصهيونية من جهة، والأنظمة الوراثية الرجعية وأحلافهم الانقلابيين من جهة أخرى، هم من ينوبون عنهم في تدمير أي بناء عربي، يمكن أن يحقق الوحدة والنهوض الحضاري.

ثم واتتهم الفرصة بثورات الربيع العربي، حيث قادت الشعوب ثورات عارمة، وتحررت من الأنظمة الفاسدة، واختارت لنفسها من تراهم مناسبين لمشاريعها النهضوية، ولكنّ الصهيونية العالمية وأحلافهم الرجعيين من حكام العائلة، اتفقوا على تدمير أوطان الأمة وتحطيم منجزاتها بثورات مضادة، وكان لهم ما أرادوا لأنهم هيأوا عصبا موالية لهم، وتعاونوا على إحداث انقلابات ليضمنوا حكم العائلات، ثم أجبروهم على التطبيع مع الكيان لتصفية القضية الفلسطينية، وتثبيت دولة الكيان في فلسطين السليبة، ولهذا السبب قبلت الدول الإفريقية انضمام الكيان إلى اتحادهم، لأنهم قالوا: لسنا أحرص على القضية الفلسطينية من العرب المطبعين.

وخطة تونس جاءت لتنهي عمليات الثورات المضادة، لذلك غزلوا لها غزلا محبكا، ظاهرها الانقلاب على حركة النهضة، وباطنها هو الالتفاف على الجزائر بالمد الصهيوني، غربا وشرقا وجنوبا من طريق قبول الكيان بالانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، لأنه غاظهم أن تبقى الجزائر محتفظة برشدها السياسي حيال القضايا العربية العادلة، ولم تقبل بالخضوع للهيمنة الصهيونية الظالمة، ولاريب في إن ما ينظم الكيان إلى هذا الاتحاد الضعيف، حتى يصبح هو الآمر الناهي في هيئاته المضطربة وقراراته الحاسمة التي تتعلق بسياسة المخزن التوسعية في الصحراء الغربية، وعلى ما اعتاد تسميته بالأقاليم الشرقية للمغرب، التي يقصد بها جزء من الأراضي الجزائرية الغربية، التي حررها الجزائريون من الاستعمار الفرنسي الغاشم، بدماء أبنائهم وأشلائهم وأعراضهم.

وأنا على يقين من أن انضمام الكيان إلى الاتحاد الإفريقي، سيخرب العلاقات الودية بين دوله وشعوبه، وسيبعث الفتن ويثير القلاقل ويوقد الحروب الأهلية والبينية، لأن ذلك يساعده على بسط نفوذه في التدخل للإصلاح بين المتنازعين، وهدفه ليس الإصلاح وإنما التغلغل والتحكم وتوجيه السياسات الخارجية لدول الاتحاد، بالإغراء والابتزاز أو بالتحذير والتهديد والوعيد، والموساد بارع في حبك الدسائس والمؤامرات، بالكيد والمكر والاغتيال.

وحينها يصبح صوت الجزائر وحيدا لا أثر له في الحسبة، وقيس سعيد حينما تجاهل الجزائر في خطته، أثبت للعالم بأن الجزائر لم تكن موافقة على ما يجري لأنها تعلم بأن ما وراءه شديد الخطورة على سيادتها ووحدتها وأمنها واستقرارها وقراراتها السياسية، وتعلم الطبيعة النفسية والغائية للأطراف المتآمرة على الشعب التونسي، ومن ورائه الشعب الجزائري، وأن ما يراد به هو خدمة الصهيونية العالمية، ومغامرات حفتر السياسية، ومصالح المخزن التوسعية، وإبعاد تونس وعصبة حكمها عن الإخاء الجزائري.

وما يؤيد هذا التحليل أن قيس سعيد استعان بضباط دولتين عربيتين، لتنفيذ العملية وحراسته، وتوقيف رئيس الحكومة وعزله في إقامة مفروضة، وأن دول المحور أغروا حكام قرطاج بمنحهم حفنة من الأرز والطحين والمعكارونا، وبعض المئات من الدولارات لتسديد العجز في الميزانية، وتسهيل حزمة من القروض (7 ملايير دولار) من المؤسسات المالية التي تشرف عليها الإدارة المتصهينة، وهدفهم غير المعلن إضافة إلى ما أشرنا إليه، هو إغراق تونس في مديونية خارجية ضخمة، تتجاوز طاقة مواردها المالية، مما يؤدي إلى فرض تنزيل العملة ورفع أسعار السلع والبضائع والخدمات، إلى مستويات تدخل البلاد في فقر مدقع، وبؤس وشقاء وعنت مثلما هو عليه حال مصر وسورية والعراق واليمن….

ومصر بعد 30 يونيو 2013 جوعت الشعب المصري، فرفعت سعر الرغيف من 1 إلى 8 وحدات محلية، وسعر السولار من 1 إلى سبعة، وأغرقوا البلاد في مديونية خارجية كبيرة، ارتفعت من 30 مليار دولار سنة 1913 إلى 130مليار دولار حاليا، وهذا ما سيقع لتونس لا قدر الله، مع الفارق في الموارد بين مصر وتونس، وتفقير تونس -كما يراد لها- ينعكس سلبا على الاقتصاد الجزائري، حيث الصلة بين الشعبين وثيقة، لاشتراكهما في الحدود وضعف الرقابة، وهذا ما ينبغي للجزائر وضعه في حساب هذا الوضع الطارئ.

وسياسة التفقير والتجويع في الإستراتيجية الصهيونية والمتصهينة، هو إضعاف مستوى التغذية للفرد العربي، لأن سوء التغذية يصيب الجسم بالهزال والفقر من العناصر المغذية، ويضعف القدرات الذهنية والإدراكية والخيالية والتصورية، فينتكس الجسم وينطوي على ذاته، ويتبلد الضمير ويفقد الإحساس بالوجود والماهية والكينونة وحب الانتماء والمسؤلية، ووصول الإنسان إلى هذه المستوى من الانهيار، هو ما يجعل لديه القابلية للعبودية والاسترقاق السياسي، ويصبح بليد العقل منتكس الشعور، لا يرى الكمال إلا في أسياد السياسة والمال، مثلما تعود الناس رؤيته لدى شعوب الأنظمة الوراثية التي أصبحت تؤمن بقدسية الملك أو الأمير.

وإستراتيجية التحالف بين الصهيونية العالمية، وبين عصب الحكم في بعض النظم العربية، هو كسر إرادة الإنسان العربي، وجعله إنسانا بليدا خامل الذكر، ضعيف العقل مستسلما لعواطفه وهواجسه، لا يعرف من ضروب الحياة إلا الأكل والشرب والتصريف والنوم العميق، والإعجاب والتنويه بما يفعله الأسياد، وهذه الأحوال النفسية المحبطة هي ما تهيئه إلى الشعور بالسلبية وعدم القدرة على التفكير والحركة، لأن هذا الإنسان نشأ في أجواء سياسية، هيأته للخمول والتماوت والركود، وعدم الإحساس بالمسؤولية والانتماء.

على نحو ما أصبحنا نراه -وبحسرة وألم- من سياسيين وأغنياء خليجيين، أصبحوا يتنافسون في التقرب إلى الصهاينة، ويلتمسون القرب من الحاخامات لنيل بركات التلمود، ويبذلون المال بسخاء كبير، لشراء عقارات المقدسيين التاريخية، ويمنحونها للقطعان المحتلين.

وما ينبغي على الجزائر فعله، ألا تترك بلد الجوار ميدانا تعبث فيه دول بعيدة عن مجالها الحيوي، وتأتي لتفسد الحياة السياسة فيه، والتدخل الاستباقي هو الحل الذي يحل المشكلة جذريا، لقطع الطريق على المحرضين والمشاغبين والفوضويين ممن فقدوا الإحساس بالانتماء.

وخير عمل سياسي منقذ، هو سياسة التحالف مع الدول الصديقة التي نشترك معها في وجهات النظر، وهم الأعداء التقليديون للمحور المعادي للجزائر، ومن غير هذا التحالف الاستراتيجي، فستكون الجزائر في وضعية حرجة للغاية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!