-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

غزة تُقصف والعرب بلا موقف!

محمد بوالروايح
  • 1104
  • 0
غزة تُقصف والعرب بلا موقف!

ما جدوى سلاح البر والجو الذي تحوزه الدول العربية إذا لم يُسخَّر ليوم الوقيعة؟ وما جدوى أن يُبدي العرب والمسلمون من طنجة إلى جاكرتا حماسا فيَّاضا تجاه القدس والمسجد الأقصى وهم -على كثرتهم- كمن حبسه حابس الفيل لا يملك حولا ولا طولا؟ وما قيمة أن يجمع ثريُّنا المال ويعدده ثم يَضِنُّ به ولا يسلطه على هلكته في الحق؟ وما قيمة أن يكون لنا برلمان عربي وجامعة عربية ونحن فيها شذر مذر لا تتفق آراؤنا ولا تلتقي إراداتنا؟ ما قيمة كل هذا وإسرائيل تسرح وتمرح وتفعل ما تشاء في أرض غزة وسمائها، وفي حاراتها ومساجدها ومعابدها؟

كلنا مقصرون في حق غزة، بل كلنا مذنبون بالأحرى وخائنون لرسالة الأقصى إلا من رحم .لم يعد لغزة مناصرون كثّر بعد أن مزّق التطبيع الجسد العربي كل ممزق، ووحده الموقف الجزائري من فلسطين وبعض المواقف العربية والإسلامية المحتشمة من تصنع الاستثناء في راهن عربي وإسلامي مترهل لا يحسن فيه أكثرُنا إلا لغة التنديد والوعيد.

“إسرائيل” بارعة في التمثيل، فهي تفعل فعلتها في غزة ثم تسارع إلى تبرير جريمتها واستعطاف الرأي العام العالمي والتظاهر بأنها مستهدَفة ومن حقها الدفاع عن نفسها، إنها تحشد إعلامها لقلب الحقائق وتزييف الوقائع؛ فهي تُظهر حالات الهلع التي تُحدثها صواريخ المقاومة في تل أبيب وتعمى عن حالات الهلع التي تُحدثها صواريخها المدمرة في غزة وما حولها، إنها تتباكى على ضحايا ما تسميه “إرهاب المقاومة” وكأن ضحايا غزة أرقام مهملة لا بواكي لها.

بأي ذنب تقصف غزة برا وجوا؟ هل لأنها معقل للمقاومة التي تشكل خطرا على أمن إسرائيل كما تزعم هذه الأخيرة؟ أم لأنها رفضت قواعد اللعبة ورفضت التنسيق مع الكيان الإسرائيلي وقبول وجوده واحتلاله لفلسطين؟ أم من أجل إعاقة جهود الوحدة بينها وبين الضفة الغربية؟ أم لأن غزة تمثل تاريخيا منطقة عصية على الاحتلال وغير قابلة للتطويع؟ كل هذه الاحتمالات واردة ويؤكدها تسلسلُ الاعتداءات الصهيونية المتكررة على غزة العزّة إلى درجة أن الاستعداد الدائم للغزو الإسرائيلي لها أصبح أمرا متوقعا في أيّ لحظة.

تبرر إسرائيل في كل مرة عدوانها على غزة بأنها حرب استباقية لشل عمل المقاومة الفلسطينية التي تهدد حسب زعمها الوجود الإسرائيلي في عمق فلسطين المحتلة وعلى الحدود، وهذه أكذوبة لا تنطلي على المقاومة الفلسطينية طالما أنها مقاومة شرعية للدفاع عن الأرض والعرض؛ فوجود الاحتلال يحتم بالضرورة وجود مقاومة، وإذا زال الاحتلال زالت هذه الأخيرة بالضرورة، فليس من العقل ولا من المنطق أن ندين صاحب المنزل الذي انبرى للدفاع عن منزله ولا ندين اللصوص الذين تسللوا إليه، فالدفاع الشرعي حق تجيزه كل المواثيق والأعراف الدولية.

هل أخطأت الدبلوماسية الجزائرية في دعمها للمقاومة الفلسطينية؟ كلا إنها لم تخطئ بل تصرفت وفق ما تمليه المواثيق الدولية، فالجزائر التي اختارت التخندق مع المقاومة الفلسطينية كان اختيارها مؤسسا على دعم مقاومة شرعية وليس على دعم جماعة متفلتة أو عصابة قطاع  طرق، وهذه هي الحقيقة التي يقر بها كل عاقل ألقى السمع وهو شهيد.

إنَّ “إسرائيل” بارعة في التمثيل، فهي تفعل فعلتها في غزة ثم تسارع إلى تبرير جريمتها واستعطاف الرأي العام العالمي والتظاهر بأنها مستهدَفة ومن حقها الدفاع عن نفسها، إنها تحشد إعلامها لقلب الحقائق وتزييف الوقائع؛ فهي تُظهر حالات الهلع التي تُحدثها صواريخ المقاومة في تل أبيب وتعمى عن حالات الهلع التي تُحدثها صواريخها المدمرة في غزة وما حولها، إنها تتباكى على ضحايا ما تسميه “إرهاب المقاومة” وكأن ضحايا غزة أرقام مهملة لا بواكي لها.

منذ موقعة حطين التي انتصر فيها صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين لم تقم للعرب قائمة ولم يكتب لهم التاريخ موقفا واحدا موحدا حيال فلسطين، وحدة الموقف والصف العربي لم تعمر طويلا، فقد استعادت إسرائيل الكرّة عليهم وتمزَّق العرب وافترقوا بين راغب في المفاوضات مع الكيان المحتل ومتمسك بموقفه القديم المعادي لإسرائيل وجاء زمن التطبيع ليسدل الستار عن شيىء اسمه “الوحدة العربية”، وانطلت قصة طرفة بن العبد على العرب والتي ملخّصها أن طرفة خرج في سفر مع عمه وهو صبي ونزلوا على ماء فذهب طرفة بفخيخ له فنصبه للقنابر وبقي هناك كامل يومه فلم يصد شيئا فحمل فخه ورجع إلى عمه وتحملوا من ذلك المكان فرأى القنابر يلقطن ما نثر لهن من الحب فأنشد طرفة بن العبد:

يا لك من قنبرة بمعمر.. خلا لك الجو فبيضي واصفري.. ونقري ما شئت أن تنقري.. قد رحل الصياد عنك فابشري.. ورفع الفخ فماذا تحذري.. لا بد من صيدك يوما فاصبري.

قد يكون حال طرفة بن العبد أفضل من حال العرب فهو رغم مرارة الهزيمة في المرة الأولى، إلا أن هذا لم يفتّ في عضده بل حفزه على معاودة الكرّة، وفي العود ما يعين على الانتصار ورد الاعتبار، وأما العرب فإنهم لم يستوعبوا الدرس وتجرّعوا الهزيمة ورضوا بها وأخلدوا إلى الأرض وتركوا إسرائيل وحدها في الميدان تقتل النساء والولدان وتهدم البيوت على رؤوس ساكنيها.

ويظهر غياب موقف عربي حازم من العدوان الصهيوني على غزة في البيانات الباهتة التي تخرج بها الجامعة العربية والبرلمان العربي، لم يسجّل التاريخ للجامعة العربية موقفا صارما قولا وفعلا من الاعتداءات الصهيونية المتكررة على غزة؛ فغالبا ما تختتم جمعيتها الطارئة ببيان لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يشكل أي خطر على إسرائيل التي تنام ملء جفونها عن شواردها ويسهر المجموعة العربية جراها وتختصم.

إننا نعلق أملا كبيرا على عودة اللحمة العربية في الاجتماع المرتقب للجامعة العربية في الجزائر لسبب ظاهر وهو أن فلسفة الجزائر السياسية والدبلوماسية حيال القضية الفلسطينية تقوم على مبدأين يقضان مضجع إسرائيل وهما: مبدأ رفض مقايضة القضية الفلسطينية بما يسمونه “حل الدولتين” بالمفهوم الإسرائيلي، ومبدأ رفض البدائل من طرف واحد التي ترضي إسرائيل وحلف التطبيع، ولا تكترث لحقوق الفلسطينيين.

ولا يختلف موقف البرلمان العربي من الحرب على غزة من موقف الجامعة العربية وإن كنا نلتمس له بعض الأعذار، فهو يمتلك قوة التشريع ولا يمتلك قوة الردع، ولذلك قد تصدق عليه مقولة “العين بصيرة واليد قصيرة” خلافا للجامعة العربية التي تمتلك الآليات التي تمكِّنها من تشكيل قوة ردع عربية من شأنها أن تسهم ولو بأضعف الإيمان في تغيير موازين القوى بما يحفظ الأمن القومي للوطن العربي.

جاء في الملحق الخاص لميثاق جامعة الدول العربية في المادة الثانية المتعلقة بالانعقاد الدوري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة: “يقوم مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بالنظر في القضايا المتعلقة باستراتيجيات الأمن القومي العربي بكافة جوانبه وتنسيق السياسات العليا للدول العربية تجاه القضايا ذات الأهمية الإقليمية والدولية”.

لا أظن أن هذا الميثاق سيُصلح لإدارة شأن الجامعة العربية في هذه المرحلة وذلك في ظل الانقسام السياسي العربي والفجوة التي أحدثها التطبيع؛ فبعض البنود الواردة في ميثاق جامعة الدول العربية والتي تعد ركائز في العمل السياسي والدفاعي العربي المشترك لن يكون لها بكل تأكيد في مرحلة ما بعد التطبيع الصدى المأمول والأثر المنشود، وإلى أن يعاد ترميم البيت العربي ولمّ الشمل العربي ستظل غزة تُقصف ويظل العرب بلا موقف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!