الرأي

غموض..

محمد سليم قلالة
  • 3220
  • 6

سواء على الصعيد الاقتصادي أم السياسي أم الثقافي ـ الاجتماعي، يبقى الغموض سيد الموقف في بلادنا؛ غموض القوانين، وغموض الأرقام وغموض الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي.. صحيح إننا نمر بمرحلة تَحَوُّلٍ حرجة في تاريخنا المعاصر، ولكن هذا لا يعفينا من أن نكون أكثر وضوحا في سياساتنا المختلفة، لأن الغموض يُولِّد الشك، والشك يؤدي إلى انعدام الثِّقة، وانعدام الثِّقة يؤدي إلى مزيد من الإحباط واليأس…

إلى حد الآن لم أستطع أن أفهم الذي تتحفظ عليه وزارة التربية من مَطالب المُضربين، التي تقول عنها إنها “غامضة” و”غير واقعية” و”فيها كذب” و”مساومة” و”تعسف” و”تحرّش”…؟! لماذا لا تَذكرها بوضوحٍ تام مطلبًا مطلبًا، وتُعلِن للرأي العام ما تستطيع القيام به وما لا تستطيع، ليتحمل كل طرف مسؤوليته بِلا لفٍّ ولا دوران؟

نفس الأمر، يتكرر مع الأطباء المقيمين، كان الأجدر بوزير الصّحة أن يُقدِّم للرأي العام في شفافية تامة ما يستطيع أن يقوم به نقطة بنقطة، وما هو خارج عن صلاحياته أو لا يستطيع القيام به، وهكذا أيضا يتحمل كل مسؤوليته.

وفي السياسية، بدل أن تغوص بنا بعض الأحزاب في مزيد من الغموض بشأن الانتخابات القادمة، وتَفتح المجال أمام المبادرات “الغامضة” والخَرجات غير المنتظرة لفلان أو فلان، كان عليها أن تتحمل مسؤوليتها بوضوح في هذا الشأن، وتُصدِر بيانات سياسية دقيقة تُطمئِن من خلالها الرأي العام وتَمنَع عنه الشكوك المختلفة بشأن المستقبل.

بل حتى في الرياضة، لا يُمكن للمتتبِّع من خارج المحيط الضيِّق، أن يفهم المعارك الدائرة بين الاتحادية والرابطة، ولا يستطيع أن يُحدِّد بالضبط فيم هما مختلفان أو متفقان؟ وأي نقطة جوهرية هي سبب هذا الصراع القائم بينهما؟ وما هي الخلفية الحقيقية لذلك؟

وعلى صعيد تعاملاتنا الخارجية، لا أفهم كيف يأتي وفد منظمة مقاولي فرنسا (الميديف) بحجمه وقوته، لتُطرح أمامه، مرة أخرى، قضية 49ـ 51 وكأنه لا يعرفها أو لا يعرف موقف الجزائر منها، دون أن نعرف بدقة حقيقة ما جاء من أجله ولا قيمة الأموال التي حَوّلَّها إلى فرنسا، وتلك التي مازال يُطالب بتحويلها اليوم؟ ولماذا في هذا الوقت؟ وما هو الموقف الجزائري الصريح من هذا الأمر في شكل نقاط مُحدّدة وواضحة يفهما الخاص والعام؟

وهكذا ينعكس هذا الغموض على جميع مناحي حياتنا اليومية، ويُصبح جوهر سلوكاتنا المختلفة، حتى إننا لم نعد نلوم الإداري البسيط أو المسؤول المحلي إذا مارس معنا سياسة الغموض، حيث لا نعرف ما إذا كان هو أيضا لا يعرف أو لا يريدنا أن نعرف، أو يريد أمرا آخر غامضا، نحن لا نعرفه مثله مثل مَن هم أعلى منه.

فمَن يُزيل هذا الغموض من حياتنا لعلنا نرى بصيص الأمل القادم؟

مقالات ذات صلة