فاطمة لبصايرة.. الفدائية التي عذبت في الشهر التاسع من حملها!
قصص الأبطال لا تملّ ولا تبتذل، هي الوشم البارز في الذاكرة الجماعية، لا تتقادم بالزّمن ولا تهتلك بالتكرار، وكلّما تحييها الأجيال يشع منها وهج البدايات، بحماستها وصدقها وعبرها ..وقصص أبطال الجزائر خير أنموذج نفتخر به ونفاخر.
قبل 56 سنة من اليوم، اِهتزت الجزائر على نبإ استشهادها، بعدما رصّعت سجلات التاريخ باسمها، وتركت مواقفها خير ميراث للأجيال، إنها ابنة الزيبان الخالدة فاطمة لبصايرة.
هي من مواليد 1932 بمدينة بسكرة، ترعرعت في بيئة ثورية على صوت الغاضبين والناقمين على فرنسا المحتلة، فقررت المساهمة في ثورة التحرير المجيدة، وتطوعت لخياطة البدلات العسكرية، والأعلام الوطنية لإخوانها المجاهدين وكل ما يحتاجونه من ألبسة.
وفي ديسمبر 1960، تلقت معلومات بوجود مسيرة يوم 11 ديسمبر تعبيرا عن رفض الجزائريين للإستعمار الفرنسي، وتأكيدا للاتفاف الشعب حول إخوانهم الثوار، فطُلب منها خياطة العديد من الأعلام الوطنية ليتم حملها في ذلك اليوم المشهود، فعكفت على آلة الخياطة لعدة ليال دون انقطاع، من أجل تجهيز ما طلب منها في الموعد، وقد اختارت لنفسها أحسن الأعلام التي خاطتها. من أجل ذلك اليوم الأغرّ.
لم تكترث لجنينها الأول الذي كان يتأهب للخروج إلى نور الحياة بعد أيام قليلة، لأنها كانت تدرك أن الحرية بذرة تسقى بدماء الأحرار، لقد قررت الخروج مع إخوانها للتظاهر دون تردد أو حساب، لم تكن تبحث عن مجد في كتاب، بل كان حلمها الأوحد عتق التراب.
وفي يوم 11 ديسمبر 1960 خرجت فاطمة لبصايرة من بيتها والتحفت بذلك العلم، وسارت في مقدمة المتظاهرين، صادعة بحب الوطن، ورفض الاستعمار. وعندما وصلت حشود المتظاهرين إلى حي الضلعة ببسكرة، تصدت قوات الإستعمار الغاشم لهذه المسيرة وفرقت المحتشدين واستعملت الرصاص الحي لقتل من يقود المسيرة.
كان الجميع يبحث عن مكان يختبئ فيه من رصاص العدو، لكن فاطمة لم تكن تملك القوة الكافية لتهرب وتنجو، لكونها حاملا في شهرها التاسع، فتمكنت قوات الإحتلال من القبض عليها، وأركبوها سيارة عسكرية وانهالوا عليها بالضرب المبرح بالأقدام على بطنها، ومع ذلك لم تكن تصيح من الألم، بل كانت تردد :” تحيا الجزائر” وهمّوا بنقلها إلى المعتقل، لكنهم رأوا حالتها الصحية ساءت أكثر، فنقلت إلى مستشفى ”لافيجري” أين أجريت لها عملية قيصرية، وأنجبت ابنها عبد الله، قبل أن تلتحق بالرفيق الأعلى جرّاء ما لحق بها من ضرب مبرح، وتعذيب وحشي. فرحم الله الشهيدة فاطمة وأسكنها فسيح جناته.