الرأي

فتنة المداخلة.. من الجامع إلى الجامعة!

أرشيف

حادثة المروحة، التي يدندن حولها “المداخلة”، هذه الأيام، في جامعة وادي سوف، بزعم بصْق أستاذٍ جامعي في وجه طالبته، مؤشرٌ خطير عن مآلات التطرُّف الذي يمارسه أفراد هذا التيّار الخبيث ضدّ مخالفيهم، وهم القطاع الواسع وسط المجتمع الجزائري.
ذلك أنّ حملة التشهير القذرة والترهيب النفسي واللفظي الذي يتعرض له مؤخرا البروفيسور يوسف عبد اللاوي، بسبب موقفٍ عارض مع طالبة مدخليّة لا يستهدف الرجل بمفرده، بل هو في الواقع اعتداءٌ بشع على نخبة التعليم العالي في بلادنا، ومن ورائها كل رجالات العلم والمعرفة والإرشاد الديني.
وحسب الروايات المتواترة من داخل الحرم الجامعي، فإنّ الطالبة المعنيّة تطاولت في حضرة أستاذها المرموق على علماء فطاحل وأعلام أمجاد من رموز الأمّة، والأخطر أنها أساءت الأدب والأخلاق مع مدرِّسها، دون أدنى اعتبار لموقعه التعليمي ومكانته الأكاديميّة، ومع ذلك، فلا دليل ولا بيّنة حتّى الآن تثبت ادّعاءهم على ردّ فعله المتشنّج في حقها، لكن القوم فجَروا في الخصومة، وراحوا يرْمون قامةً سامقةً بأشنع الأوصاف، في تحاملٍ محموم، مزج بين الحقد البغيض ضدّ الرجل وتصفية حسابات دنيئة مع انتمائه الفكري والدعوي.
إنّ سلوك الطالبة المنافي لآداب المتعلّم وحملة التشويه التي يخوضها المداخلة ضدّ واحد من علماء الجزائر في حقل المعرفة الشرعيّة لا يخرج في الحقيقة عن منطق وتصرفات الجماعة التي لا يتوانى شيوخها ومنتسبوها إطلاقا عن تبديع وتضليل وتفسيق بل حتى التكفير المبطّن لكل من يخالفها الرأي، ولو في أبسط القضايا الفقهيّة والمنهجيّة، إذ يظهر العنف اللفظي والنفسي في مواجهة أفراد بعينهم مجرّد صغائر أمام تلك الكبائر التي يصدمون بها عموم المسلمين.
لقد ظنّ الناس أنّ زمن العنف بين التيارات والجماعات قد ولّى، لأنّ فضاءات التعبير عن القناعات والتوجُّهات صارت مفتوحة على مصراعيها، وأضحى في متناول كل مذهب أو فرقة أن تتواصل مع الجميع دون حواجز ولا موانع، ما من شأنه أن يفكك ألغام التوتر ويحول دون حدوث الصدامات الناجمة عن التضييق والاستبداد بالرأي، لكنّ نبتة السوء المندسّة تحت عباءة السلف عليهم الرضوان لا تسعها رحمة الاختلاف ولا تحويها رحابة الشرع، فتعمد إلى ترهيب غيرها، في محاولةٍ عبثية لفرض فهمها السقيم للنصوص الشرعيّة على المجتمع، وتمرير طعنها اللئيم في جهابذة الإسلام منذ العصر الأوّل!
هذه الجماعة المتنطعة، لم يكفها شرّا ما صنعته في بيوت الله من فتن هوجاء، وصلت حدّ العراك والسّباب وتنزيل الخطباء من المنابر، فضلاً عن بثّ الفرقة والشقاق بين المؤمنين، بداعي “التمسّك بالسنّة الصحيحة”، وهي لا تعدو أن تكون تفاصيل فقهيّة، لا تقدّم ولا تؤخر شيئا في منزلة الفرائض والعبادات، وها هم ينقلون معاركهم الجدليّة الفارغة إلى مدرّجات الجامعة.
صحيح، إنّ مؤسسات التعليم العالي هي الفضاء الأصلي لنقاش الأفكار، ولا يُقبَل بحال الحجْر على أصحابها، لكن السؤال المطروح: هل يحمل هؤلاء المنبتّون فكرًا، أم إنّهم فقط يشهرون سيوف الغلوّ والتطرّف، ويجهّلون كل من خالفهم مهما سمت مرتبته العلميّة، بل الأخطر أنهم لا يضعون بضاعتهم المزجاة فوق ميزان الاجتهادات البشرية في فهم النصوص والتراث، بل هي عندهم الدين ذاته، ورفضها هو الخروج عن طريقة السنة ومنهج السلف؟!

مقالات ذات صلة