-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فردةُ حذاءِ السِّنوار تكفيكم

حسين لقرع
  • 1151
  • 0
فردةُ حذاءِ السِّنوار تكفيكم

لا يحتاج أيُّ متابع أو محلّل سياسي موضوعي إلى بذل جهدٍ ذهني كبير، ليُدرك أنّ النقاط الخمس التي تحملها المبادرةُ البريطانية لوقف الحرب في غزة، تشبه في جوهرها المبادرة الأمريكية التي طرحتها قبل أسبوع، وتهدف إلى أن تحقّق للاحتلال بالوسائل السياسية أهدافَه التي عجز عن تحقيقها عسكريًّا.

تنصّ المبادرةُ البريطانية على الوقف الفوري لـ”الأعمال العسكرية”، وإطلاق سراح “المحتَجزين”، والتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار، وتشكيل حكومة تيكنوقراط فلسطينية لإدارة الضفة الغربية وغزة بعد نهاية الحرب، ووضع أفُقٍ سياسي واضح لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب “دولة” الاحتلال.

ومعنى هذا ببساطة، أنّ بريطانيا تريد دفع “حماس” إلى الاستسلام وقبول إطلاق سراح ستةٍ وثلاثين ومائة أسيرٍ صهيوني بلا مقابل، أي من دون أن يطلق الاحتلالُ سراح أيِّ أسيرٍ من آلاف الأسرى الذين يقبعون في سجونه ظلما، وكذا قبول “دولة” الاحتلال والاعتراف بها مقابل دولةٍ فلسطينية في الضفة وغزة فقط، هذا إذا قامت أصلا، ألم يرفض قطعا نتنياهو والعديدُ من وزرائه منذ أيام قليلة، وبوضوح تامّ، إقامةَ دولة فلسطينية حتى لو كانت منزوعة السلاح كما تقترح أمريكا؟

أمّا الطامّةُ الكبرى في المبادرة البريطانية، فهي أنّها تشترط مغادرة كبار قادة “حماس” قطاعَ غزة نحو دولةٍ أخرى كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار، وفي مقدّمتهم يحيى السنوار، بطل “طوفان الأقصى”، وهذا “الاقتراح” في الواقع هو فكرة طرحها قادةُ الاحتلال وتبنّتها بريطانيا، وقد روّجوا لها كثيرا في الأسابيع الماضية، واقترحوا أيضا خروج مقاتلي “حماس” إلى أيّ بلدٍ يقبل استضافتهم، أسوةً بما حدث في بيروت في صيف 1982؛ إذ قبل الرئيس ياسر عرفات، آنذاك، خروج مقاتليه من العاصمة اللبنانية إلى تونس بعد أن اشتدّ عليهم الحصارُ الصهيوني والضغوطُ العربيّة والدولية.

مشكلة بريطانيا، أنها منحازة بشكل أعمى للاحتلال الصهيوني، لذلك، تعجز عن رؤية الوقائع على الأرض وعن فهم حركة “حماس” وطبيعة نضالها؛ فهي تحارب، منذ قيامها في 1987 وقيادتها الانتفاضةَ الأولى إلى الآن، من أجل طرد الاحتلال وتحرير فلسطين كلِّها من النهر إلى البحر، وليس تحرير 22 بالمائة فقط من أراضيها وترك 78 بالمائة كاملة للاحتلال، كما تريد السلطة الفلسطينية المتخاذلة والعربُ المنبطحون والغرب المتآمر، وهي ماضيةٌ في مشروع التحرير مهما كان حجم التضحيات والضغوط والمؤامرات والخيانات، لذلك، فإنّ اشتراط خروج مقاتليها إلى أيّ بلدٍ بقيادة السِّنوار مقابل وقف دائم لوقف القتال، هو شرطٌ تعجيزي ترفضه الحركةُ جملة وتفصيلا، لأنه يعني ببساطة التخلّي عن فلسطين للاحتلال لتتحوّل إلى دولةٍ يهودية خالصة كما يريد نتنياهو وغلاةُ الصهاينة، وهذا ليس من عقيدة “حماس”.

“حماس” موجودةٌ في أرضها وليست في منفى عربي لتُطالَب بالانتقال إلى منفى عربيّ آخر مثلما فعل عرفات في 1982، كما أنّ وقائع الميدان تشير إلى استمرار سيطرتها على غزة كلّها إلى حدّ الساعة، برغم الوجود العسكري المكثّف للاحتلال، حتى صحيفة “معاريف” الصهيونية تؤكِّد أن عناصر “حماس” عادت إلى شمال القطاع وفرضت عليه سيطرة مدنية بعد انسحاب قوات الاحتلال من هناك.

ومن الناحية العسكرية، ما زال صناديدُ المقاومة يدمّرون يوميا دبابات العدوّ وآلياته العسكرية ويقتلون جنوده في معارك مباشرة أو كمائن يُسمع فيها صراخُ هؤلاء الجنود من فرط الرعب، ما دفع العدوَّ إلى سحب العديد من ألويته وكتائبه من عدّة مناطق بغزة بعد أن تزايدت خسائرُه وتراجعت الروح المعنوية لجنوده، آخرها اللواء الخامس احتياطي، وما زالت 80 بالمائة من أنفاق المقاومة سالمة برغم القصف الجهنمي المتواصل منذ 3 أشهر ونصف شهر ومحاولة إغراقها بمياه البحر.. وحتى تحاليل مسؤولين سياسيين وأمنيين سابقين في الكيان، تؤكّد أنّ نتنياهو وضع هدفا غير واقعي لإطالة عمره السياسي من خلال الحديث عن القضاء على “حماس” واستعادة الرهائن بالقوة وإعادة احتلال غزة.. بمرور الأيام، يتبيّن أنّ هذا الهدف خيالي؛ “حماس” تحقّق منذ غزوة 7 أكتوبر 2023 المباركة انتصاراتٍ يومية متتالية وتسير باتجاه تحقيق انتصار حاسم على جيش الاحتلال ودحر نتنياهو وإجباره على الانسحاب من القطاع، كما دحرت قبله أرييل شارون في أوت 2005 بعد 5 سنوات كاملة من المعارك البطولية، وهي باقية وصامدة في غزة ولن يفلح الغزاةُ في اجتثاثها أو دفعها نحو الهروب من بلدها وتركه لهم. باختصار، مهما طال أمدُ هذه الحرب وتعاظمت الخسائر والتضحيات، فإنّ الكلمة الأخيرة ستكون للمقاومة وحدها، ولن يظفر الاحتلالُ بأكثر مما ظفر به إلى حدّ الساعة: الفردة اليمنى لحذاء السّنوار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!