-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فرصة لا يضيّعها إلا محروم!

سلطان بركاني
  • 1371
  • 0
فرصة لا يضيّعها إلا محروم!

أيام قليلة بقيت تفصلنا عن رمضان. حقيق بكلّ مسلم أن يستثمرها في الاستعداد لشهر الغفران والعتق من النيران.. ولعلّ من أجلّ الأعمال التي ينبغي الحرص عليها في مثل هذه الأيام: تطهير القلوب من التعلّق بغير الله، ومن الحقد والضّغينة على عباد الله، تحسّبا لمنحة جليلة وعظيمة تشهدها الملائكة ويشهدها الكون كلّه، وينبغي للقلوب أن تخفق لها وللأرواح أن تهفو إليها وللعيون أن تبكي لأجلها.
هذه المنحة الربانية هي مغفرة الذّنوب في ليلة النصف من شعبان، يقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن” (رواه ابن ماجة).. ليلة تبدأ ساعاتها هذا العام عند أذان المغرب يوم الثلاثاء القادم، وهي ليلة مشهودة، يغفر الله فيها ذنوب عباده، ليدخلوا رمضان بقلوب طيّبة ليّنة وأرواح متخفّفة، فيعيشوا جنّة رمضان.. يغفر الله لكلّ عباده، إلا لمشرك بالله، أو مشاحن يعادي ويخاصم إخوانه المسلمين.. فيا لها من فرصة تستحقّ أن يستعدّ لها العبد المؤمن بتطهير قلبه من التعلّق بغير الله! فيكون رجاؤه في الله وقلبه خفاقا بالحاجة إلى الله، ولسانه لا يدعو غير الله ولا يطلب إلا من الله. لا يطلب حاجته من نبيّ ولا إمام ولا وليّ، ولا ينتظر رزقا ولا نوالا ولا فرجا ولا حاجة من مخلوق مهما علا مقامه. عنوان حياته: ((قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا))، ودستوره: “إذا سالت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله”.. من كان يظنّ أنّ ظفره بمنصب هو فضل من سي فلان أو سي علان، فليراجع نفسه قبل ليلة النصف من شعبان، ومن كان يظنّ أنّ شفاءه أو شفاء ولده بيد الطّبيب الفلانيّ، فليراجع نفسه قبل النّصف من شعبان.. من كان لسانه لا يتوقف عن اللهج باسم فلان والامتنان لعلان، من دون أن يتحرّك بالحديث عن الله وبشكر الله، فليراجع نفسه قبل ليلة النّصف من شعبان.
من كانت بينه وبين إخوانه المسلمين عداوة وخصومة وشحناء، فليراجع نفسه قبل ليلة النّصف من شعبان، فإنّ الله لا يغفر في هذه الليلة لمن يعادي إخوانه المسلمين.. فرصة عظيمة وسانحة لكلّ من أغرته نفسه بعداوة جار أو مخاصمة قريب أن يخزي الشيطان ويصلح ما أفسده عدو الرحمن من أواصر وقطعه من أرحام.
والله إنّ هذه الدنيا الدنية لا تستحقّ أن نتقاطع ونتخاصم لأجل متاعها الفاني.. هذه الدنيا لا تستحق أن نضيّع بسببها هذه الفرصة العظيمة لمغفرة الذّنوب قبيل رمضان.. إنّها نعمة عظيمة وراحة ما بعدها راحة يوم يصلح العبد المؤمن ما بينه وبين إخوانه ويطهّر قلبه من البغضاء والضّغينة لعباد الله المسلمين.. سلامة الصدر رزق واسع لمن أنعم الله به عليه، وهي مفتاح التوفيق في الدّنيا وبلوغ الدرجات العالية في الجنّة.. عن زيد بن أسلم أنه دخل على ابن أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقال له: ما لكَ يتهلَّلُ وجهك؟ قال: “ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين، أما إحداهما: فكنت لا أتكلم بما لا يعنيني، وأما الأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليمًا”، وعن سفيان بن دينار أنّه قال لأبي بشر أحد السلف الصالحين: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: “كانوا يعملون يسيرًا، ويؤجرون كثيرًا”، قال سفيان: ولِمَ ذاك؟ قال أبو بشر: “لسلامة صدورهم”.
ومن سلامة الصّدر لعباد الله، أن يحبّ المرء لإخوانه ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، فيحبّ لهم اليسر في معاشهم ويرحمهم ولا يسعى في مزاحمتهم والتضييق عليهم، خاصّة في شهر رمضان؛ فهو شهر رحمة وتراحم وليس شهر جشع وتزاحم.. إنّنا مسلمون ومن الحرام والعيب علينا أن نسعى فيما في ما يضرّ به بعضنا بعضا في الشّهر الفضيل.. حرام أن نرضخ لجشع أنفسنا ونتدافع لتكديس السّميد والزّيت والحليب في البيوت.. حرام أن يشتري المسلم ما يزيد على حاجته فيضرّ بإخوانه، حرام أن يحتكر التاجر السلع ويخزنها مع حاجة إخوانه إليها ليرفع سعرها في رمضان.. شعبان ورمضان؛ شهران ترفع فيهما الأعمال، فلا ينبغي أن نتّخذهما شهرين للهث خلف تحقيق أوفر الأرباح، ورفع الأسعار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!